بعد الانقلاب مباشرة بأيام منتصف 2013م، نشرت بوابة "الحرية والعدالة"، خبرا مقتضبا جرى في إحدى المدارس الابتدائية في مدينة شطورة بمحافظة سوهاج في صعيد مصر؛ حيث كان السجال كبيرا بين أنصار الانقلاب والجنرال عبدالفتاح السيسي من جهة، وأنصار الرئيس المنتخب محمد مرسي من جهة أخرى؛ الأمر الذي انعكس على التلاميذ، المدهش في الأمر أن التلاميذ نظموا مباراة (هتافية) بين الفريقين المؤيدين لمرسي والداعمين للجنرال السيسي؛ على أن يهتف الداعمون لمرسي باسمه والداعمون للسيسي باسمه. هتف الطلاب مرسي مرسي … وبعدهم هتف الآخرون : سيسي سيسي… ومع حماسة كل فريق.. انضم لهم باقي التلاميذ وكانت المفاجأة الكبرى… فوجئ المدير والمدرسون بأن المدرسة تضج بهتاف " مرسي مرسي .. مرسي مرسي… واختفى تماما هتاف" سيسي سيسي".. فزع المدير والمدرسون وأسكتوا التلاميذ وعلى إثرها تم تحويل الأمر للتحقيق الذي انتهى إلى أن المسألة لم يتدخل فيها أحد من المدرسين بل كانت فكرة خالصة من التلاميذ. رغم أن هذا المشهد كاشف إلى حد بعيد عن رفض معظم المصريين للانقلاب إلا ما كان من حشود مفتعلة في القاهرة والصوت الزاعق للإعلام الذي كان يرسم صورة مخالفة للواقع وشديدة الانحياز للمؤامرة التي قادها كبار الجنرالات بحق مصر وشعبها وثورتها تجربتها الديمقراطية الوليدة بدعم كبير من تل أبيب وواشنطن وعواصم خليجية كالرياض وأبو ظبي. بالطبع هذا لا ينفي أن لمعسكر الانقلاب أنصار كثر كما أن لمعسكر ثورة يناير والداعمين للديمقراطية أنصار كثر، دون أن يكون هناك معيار يمكن من خلاله التأكد أي الفريقين أكثر من الآخر ؛ فذلك لا يتم إلا عبر صناديق الاقتراع التي تحصر الأصوات صوتا صوتا وقد كان الشعب قد انحاز لمرسي قبل عام ومنحه الرئاسة في أنزه انتخابات شهدتها مصر عبر تاريخها كله. كما أن الشعب وافق على دستور 2012، قبل ستة شهور من الانقلاب بنسبة 64% ما اعتبره محللون دعما إضافيا للرئيس المنتخب. رحلة الاستفاقة رويدا رويدا بدأ قطاع من الشعب انخدع بالإعلام وآمن بالجنرال يسترد وعيه في هدوء كثير من هؤلاء كانوا يعارضون المظاهرات السلمية العارمة التي كنا نجوب بها كل شوارع مصر رفضا لجرائم العسكر، البداية كانت من المذابح في الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة وغيرها؛ ومع فضيحة مسرحية الرئاسة 2014 قارن البعض بين الانتخابات الجادة في 2012، والمسرحية الجديدة فاسترد قطاع من الشعب وعيه في ظل مقاطعة كبيرة للمسرحية أجبرت النظام على مد المسرحية يوما ثالثا تزامن مع نواح هستيري من إعلامي النظام، إضافة إلى سن قانون التظاهر والقمع وتأميم الفضاء السياسي والإعلامي؛ كل هذه العوامل دفعت قطاعا عريضا من المسيسيين إلى التراجع والانتساب لدائرة الرافضين لنظام الحكم السلطوي. النقلة الكبرى كانت في ارتفاع منسوب الوعي لدى قطاعات عريضة من الشعب غير المسيس، فمع رفع الوقود في 2014، بدأ التململ على قطاع آخر عريض من المواطنين، وكانت القاصمة هي قرارات التعويم نوفمبر 2016 ثم رفع الوقود مجددا مع موجات تضخم وغلاء فاحش وغير مسبوق وتآكل قيمة العملة المحلية إلى النصف، فبات كل شيء يرتفع إلا الأجور والمرتبات. "3" مؤشرات لارتفاع منسوب الوعي المؤشر الأول على ارتفاع منسوب الوعي خلال الشهور القليلة الماضية إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة، المقاطعة الواسعة للمواطنين لمسرحية الرئاسة مارس 2018، حيث شوهدت اللجان خاوية على عروشها، واختفت الطوابير الطويلة الممتدة إلى مئات الأمتار واستبدلت بطوابير مفتعلة من موظفين ومأجورين في لجان معينة تم انتقاؤها للتصوير، ووظف النظام مؤسسات الدولة بالكامل الحكومية والإعلامية والمحلية من أجل حشد المواطنين من أجل المشاركة مجرد المشاركة فهم يريدون اللقطة والصورة أما نتائج الانتخابات فهي معلومة قبل أن تبدأ؛ وهل كان يتوقع أحد من الناس أن يفوز مثلا الكومبارس موسى مصطفى موسى؟ المؤشر الثاني، هو الاحتجاجات الواسعة التي تزامنت مع قرار سلطات العسكر بدايات مايو الماضي 2018، برفع أسعار تذاكر المترو من جنيهين إلى 7 جنيهات ما أفضى إلى احتجاجات عارمة في كل محطات المترو، قابلها الحكم العسكري بقمع واسع وانتشار مكثف لعناصر الأمن الوطني والشرطة السرية لاعتقال أي مواطن يبدي اعتراضه على هذه الإجراءات الجنونية برفع أسعار السلع والخدمات. الأمر الذي فسره مراقبون بأن لحظة التمرد الشعبي باتت قريبة. يقول عامر عبدالمنعم في مقاله "المترو .. وبركان الغضب المكتوم" المنشور على "الجزيرة مباشر" بتاريخ 13 مايو: « الانفجار الشعبي الذي حدث في محطات المترو بعد رفع أسعار التذاكر يكشف أن النار تحت الرماد، وأن ما يتم ترويجه عن تحمل المصريين لفاتورة الإصلاح المزعوم مجرد ادعاءات غير حقيقية وأمنيات القائمين على الحكم، فلا صبر ولا تضحية وإنما صمت مفروض بالإكراه بأدوات التخويف والترهيب لتمرير إجراءات الإفقار بالقوة المسلحة». ويتوع الكاتب أن استمرار النظام ف يهذه السياسات سوف يفضي إلى الانفجار المرتقب مضيفا: «أثبتت حركة الاحتجاج العفوي أن تأثير الجوع والمعاناة يقترب من تأثير التخويف، وكلما ضاقت الفجوة بين التأثيرين والوصول إلى درجة التعادل كلما اقترب المصريون من لحظة الانفجار الكبير وتصفية الحساب مع مجمل السياسات التي أوصلت مصر إلى حالة الانهيار التي يعيشها المجتمع المصري ويلمسها كل مواطن بنفسه». المؤشر الثالث على ارتفاع منسوب الوعي لدى الجماهير، تصدر #ارحل_يا_سيسي لموقع تويتر عدة أيام خلل يونيو الجاري على خلفية رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه و27 خدمة حكومية أخرى إلى مستويات مذهلة ومجنونة؛ الأمر الذي أفزع أركان النظام العسكري الشمولي وباتوا يبحثون عن حل لتفشي أجواء اليأس والإحباط فلا يجدون إنجازا واحدا يبعث على التفاؤل حتى جاء "صفر المونديال" وزاد الشعب أوجاعا فوق الأوجاع وزاد من حصار النظام وسط رفض شعبي عارم أوشك على الانفجار والثورة الشاملة.