قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بعض القوى تود تعليقنا على أعواد المشانق، كما فعلوا مع رئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس عقب انقلاب 27 مايو 1960، وقبل 68 عاماً نفذت عصابة الجنرال جمال جورسيل، أو السيسي في نسخته التركية، انقلاباً عسكرياً واعتقل رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس، والذي أُعدم عام 1961 على يد الانقلابيين، وتمكّنت عصابة جورسيل من السيطرة على الحكم. وفي كلمته أمام تجمع انتخابي، الاثنين الماضي، بولاية مانيسا غربي البلاد، قال أردوغان أن "وعي الشعب التركي يقف حائلا في وجه الراغبين بتكرار سيناريو إعدام مندريس"، مشيراً إلى "تعرض الوطنيين في تركيا لحرب شعواء تقاد من خارج البلاد"، مشددا على أن "الجهة التي تشن حربا شعواء على الوطنيين في تركيا هي الجهة نفسها التي أمرت بإعدام الراحل مندريس". سيسي تركيا يقول الناشط ثابت المصري: "عندما يترك قادة الجيش مهامهم في الدفاع عن الوطن إلي الطمع في السياسة فاعلم انه قد تم شراءهم من قوي خارجية معادية للبلاد وأنهم قد تحولوا إلي مجرمين خونة وقتلة ولصوص وأنهم قد تنازلوا عن كل غالي في سبيل كل رخيص كما يفعل العسكر الأوباش الذين سطوا علي حكم مصر واحتلوها طمعا في نهب ثرواتها ومقدرات شعبها وقتل كل من يقف في وجه المخطط القذر الذي وضعته إسرائيل". مضيفاً:" كما يحاولون الآن مع تركيا ولكن شتان الفرق بين شعب واع أبي يرفض الخنوع والذل وبين شعب اعتاد تقبيل البيادة وقبول الهوان والذل والعار استسلم لحفنة من أقر واحط خلق الله في ارضه وهم العسكر الأوباش جواسيس إسرائيل لعنة الله عليهم وعلي كل من يؤيدهم" . واتهم أردوغان زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال قليجدار أوغلو، ب"أداء التحية للدبابات التي حاصرت مطار أتاتورك ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016، في الوقت الذي كان فيه عشرات الآلاف من الشباب يذودون عن حياض الديمقراطية هناك". من جانبه ذكر ألون ليئيل، السفير الصهيوني السابق في أنقرة، أن إسرائيل كان لديها أمل بأن تستقبل نموذجا تركيا جديدا من السيسي عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وأشار إلى أن الجمهور اليهودي بإسرائيل كان يأمل بسقوط أردوغان، واعتلاء الجيش للسلطة لأنه ذو ميول غربية وعلمانية، وصولا إلى أن يعتلي "سيسي جديد" الحكم في تركيا، فالسيسي يحبه الإسرائيليون، ومعه يعرفون كيف يتعاونون، وتصور الإسرائيليون أن تكون تركيا مثل مصر. عبودية العسكر ويقول الناشط سويدان الحربي: "الشعب التركي شعب ناضج وخرج من قمقم عبودية العسكر منذ زمن طويل وهو على درجة من الثقافة والدراية ولديه مؤسسات وأحزاب فعالة مما يسمح له اتخاذ القرار والتحرك وهذه ميزة الشعوب الحرة، فمثال السيسي ينطبق على الدول التي ما زالت مستعبدة ومختلفة وتشرك مع الله أصنام العسكر وتخافهم أكثر من خوف الله". وتستعد تركيا لانتخابات رئاسية مبكرة، ولا يختلف اثنان في أن الشعب التركي يعيش أزهى عصور حريته في اختيار حكامه، وتلك ثمرة كفاح طويل امتدت لثمانين عاما (1923م – 2003م) منذ فرض العلمانية الصارمة مرورا بأربع انقلابات عسكرية حتى انتخاب الشعب حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان لتشكيل الحكومة، ثم انتخابه رئيسا للجمهورية بعد ذلك. مسيرة طويلة ومريرة اكتظ طريقها بمئات الآلاف من الضحايا بين قتيل ومعدوم ومعتقل ومشرد، ولبدت أجواءها حالة من القهر والجبروت كابدها الشعب التركي، لكنه لم يستسلم ولم يفرط في هويته ولا حريته.. وها هو اليوم يجني الثمرة، ويقدم نموذجا في الحرية والممارسة الديمقراطية. وفي عام 1923م حين نجح مصطفى كمال في الانقلاب على الخلافة بمساعدة وتدبير تحالف دولي ماسوني، يومها أعلن مصطفى كمال قيام الجمهورية التركية، وفي عام 1924م ألغى الخلافة الإسلامية وقام بنفي الخليفة وجميع أسرة آل عثمان خارج تركيا ومنع أفراد أسرة آل عثمان من دخول الأراضي التركية، أو مجرد المرور في مجالها الجوي كما حظر دفنهم في الأراضي التركية، وقرر سلسلة مغلظة من المحظورات الكفيلة بقطع الشعب عن الإسلام نهائيا، فقام بحظر ما يلي: – الحجاب – التعليم الديني بما فيه تعليم القرآن – بناء المساجد – أعياد الفطر والأضحى وجعل يوم الأحد هو يوم العطلة الأسبوعية – رحلات الحج والعمرة – حظر رفع الأذان باللغة العربية – ارتداء الملابس العربية – غير الأبجدية التركية من أبجدية عربية إلى أبجدية لاتينية – منع موظفي الدولة من إطلاق اللحى فاز مندريس وفي عام 1938م، رحل مصطفى كمال، لكن دفة الحكم ظلت في يد حزبه (حزب الشعب الجمهوري) وهو الحزب الوحيد في البلاد الذي ظل وفيا لمصطفى كمال، واستمر على نهجه، لكن عدنان مندريس -المولود عام 1899م- حاول إعادة الأمور إلى نصابها، عندما قام في 7 ديسمبر من عام 1945م مع ثلاثة من أصدقائه "جلال بايار" و"فؤاد كوبرولي" و"رفيق كورالتان" الذين تم فصلهم معه من حزب الشعب الجمهوري بتأسيس "الحزب الديمقراطي" الذي شارك عام 1946م في الانتخابات العامة، وحصل على 62 مقعدا. لكنه حصل على الأغلبية الساحقة في انتخابات عام 1950م، واضعا بذلك حدا لهيمنة حزب الشعب الجمهوري لأول مرة في تاريخه منذ عام 1923م، وشكل مندريس على إثر ذلك الحكومة، وكان مندريس قد خاض حملة حزبه الانتخابية ببرنامج وعد الشعب فيه بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة التي اتخذها سلفيه أتاتورك، وإينونو، ضد كل ما له صلة بالإسلام، وحينما فاز مندريس أوفى بوعوده للشعب التركي. – سمح بتعليم اللغة العربية – قراءة القرآن الكريم وتدريسه في جميع المدارس حتى الثانوية. – أنشأ (10 آلاف) مسجد ، وأعاد المساجد التي حولها نظام مصطفي كمال إلي مخازن للحبوب لتكون أماكن للعبادة مثلما كانت. وأعاد الأذان باللغة العربية. – فتح (25 ألف) مدرسة لتحفيظ القرآن. – أنشأ (22) معهدا في الأناضول لتخريج الوعاظ والخطباء وأساتذة الدين. – سمح بإصدار المجلات والكتب التي تدعو إلى التمسك بالإسلام والسير على هديه. – تقارب مندريس مع العرب ضد إسرائيل ، وطرد السفير الإسرائيلي سنة (1956م). – فرض الرقابة على الأدوية والبضائع التي تصنع في إسرائيل. وأسهمت إصلاحات مندريس في تراجع حدة التوتر الذي كانت سائدة بين السكان والدولة بسبب الإجراءات المناهضة للإسلام والمعادية لكل مظاهر التدين والعبادات. لكن الجيش بات غاضبا من إصلاحاته تلك فقام في صباح 27 مايو عام 1960 م بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري بقيادة الجنرال جمال جورسيل وبمشاركة 38 جنرالا، وحتى يستقر الوضع للانقلاب، شن جمال جورسيل ورفاقه حملة عزل واسعة داخل قيادات الجيش التركي أحال بمقتضاها 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي "حزب مندريس"، واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء، وبعد محاكمة صورية تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حكم بالإعدام على مندريس ووزيري خارجيته وماليته، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.