لم أستغرب كثيرا أن يصدر البيان "التبريرى" أو "التحريضى" من المستشار الإعلامى بالسفارة المصرية بالرياض، ردا على الانتقادات الواسعة التى وجهت للقنصلية بالرياض، وأسلوب التعامل الذى لا يليق مع المصريين الذين يترددون عليها لإنهاء معاملاتهم أو البحث عن إجابة لأوضاعهم المعلقة، من العمالة المخالفة التى تحاول توفيق أوضاعها خلال مهلة الثلاثة أشهر، التى وجه بها خادم الحرمين الشريفين وزارتى الداخلية والعمل . فقد استهجن عدد كبير من أبناء الجالية، الطوابير الطويلة خارج مقر القنصلية، فى الحر القائظ، وإغلاق باب القنصلية، وعدم السماح بالدخول إلا لأعداد محدودة، رغم أن نداءات منظمات المجتمع المدنى من الروابط والجمعيات المهنية والمناطقية للقنصلية، بالسماح بدخول أصحاب المعاملات إلى مقر القنصلية وحسن المعاملة ومساءلة أى موظف يصدر عنه أسلوب لا يليق، ولكن لم تجد هذه النداءات إلا الوعود الكلامية، وبقى الواقع على الأرض يزداد سوءا، وشهد هذا الأسبوع من بدايته تكدس الآلاف من المصريين أمام القنصلية، وحالة من الغضب العارم من سوء المعاملة وبطء الإجراءات والحرص على الإجراءات الروتينية والبيروقراطية فى إنهاء المعاملات بسرعة . وبدلا من البحث عن حلول عملية، والاعتراف بالمشكلة وأنها أكبر من قدرة القنصليتين بالرياضوجدة، نظرا لكثرة أعداد المخالفين، ورغبتهم الشديدة فى توفيق أوضاعهم، إضافة إلى موسم السفر وبدء الإجازة الصيفية، والتى تتطلب من أعداد غير قليلة التردد على القنصليتين لإنجاز معاملاتهم من توثيق وإضافات واستخراج وثائق وجوازات سفر والتمديدات وما إلى ذلك، جاء بيان المستشار الإعلامى على طريقة بيانات "الحزب الوطنى" المنحل، الجزء الأول منه أن "كله تمام" وممتاز، والجو بديع و"قفلى على كل المواضيع"، وأن السفارة لم تغلق أبوابها -ولم يقل أحد إن السفارة أغلقت أبوابها ولكن نقول القنصلية التى تقدم الخدمات للجالية- وأن الحالة حلوة و"الأشيا معدن"، ثم الجزء الثانى "التبريرى" من بيان المستشار الإعلامى للسفارة الذى برر فيه الطوابير الطويلة أمام السفارات بالقول إن ما فى الأمر "أن عملية تنظيم الدخول والخروج لا تنفرد بها السفارة المصرية؛ حيث امتدت طوابير آلاف المراجعين من الجنسيات الأخرى خارج سفاراتهم لمئات الأمتار"، ثم يأتى الجانب التهديدى والتحريضى -على طريقة أسلوب ومنهج مباحث أمن الدولة البائد- بالتهديد والوعيد لمن يحاول الاعتصام بالسفارة، وأنه سيعرض صاحبه للمساءلة القانونية؛ حيث سيتم التعامل معه بكل حسم ودون تهاون". ولم يقل أحد يا سعادة المستشار الإعلامى إن هناك من دعا لاعتصام أو حرض إليه، بل بالعكس تماما، أبناء الجالية كلهم مسالمون منظمون متحضرون، يحترمون البلدان التى يعيشون فيها، والدليل الدامغ على ذلك حرصهم على توفيق أوضاعهم، واستثمار المهلة الممنوحة للمقيمين فى السعودية لتوفيق إقاماتهم، والاستفادة من رفع الغرامات على المخالفين، والسماح بتغيير المهنة وهو أمر يعانى منه الكثيرون من أبناء الجالية الذين جاءوا بما يسمى ب"الفيزا الحرة" أو "التأشيرة الجارية" بمهن "عامل زراعى.. راعٍ.. سائق خاص.."، وغيرها من المهن غير اللائقة لمصريين يحملون مؤهلات جامعية، ولكنها "الحاجة والظروف" التى دفعتهم لذلك . أبناء الجالية المصرية يا سعادة المستشار الإعلامى أحرص منك ومن غيرك على صورة مصرنا العظيمة، وعلى منشآت السفارة والقنصلية، وعلى الظهور بالأسلوب الحضارى الراقى، ولكن ماذا يعمل عامل مصرى ضاقت به السبل ولم يجد من يسمع شكواه فى القنصلية؟ ماذا يفعل مصرى تقطعت به السبل ولم يجد من يقف جانبه إلا أن يأتى إلى قنصلية بلده ويطلب أن تقف معه وتساعده؟ دعونا من الأسطوانات المشروخة، والأكليشيهات المحفوظة والأسلوب غير اللائق، الذى عفا عليه الزمن، وانتهى زمانه، ونريد أن نحل المشكلات على أرض الواقع، وأن يقوم أعضاء البعثة الدبلوماسية بواجبهم على أكمل وجه، وأن يطلبوا مساعدة المجتمع المدنى فى الجالية، بالمساهمة فى عمليات التنظيم والتوعية، والجميع مستعدون لذلك، وسبق أن قام أكثر من 300 من أبناء الجالية فى تقديم الدعم والمساعدة للسفارة بالرياض فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولقد أشاد السفير محمود عوف بهذا الدور الكبير لأبناء الجالية، كما يقوم صندوق رعاية المصريين بدور كبير فى هذا الجانب بالتعاون مع القنصلية، والمساعدة فى توفير وقت وجهد من يريدون إنجاز معاملات من القنصلية . فالجميع من أبناء الجالية بالرياضوجدة على استعداد لتقديم المساعدة والدعم للقنصلية لمواجهة الأزمة الحالية، سواء مشكلات من يريدون توفيق أوضاعهم، أو من يطلبون الخروج النهائى، أو من يريدون إنجاز خدمات توثيق وإضافات وتوكيلات وتمديد لوثائق أو إصدار جوازات السفر، ولعل الخطوة التى تتم اليوم الخميس فى إحدى استراحات غرب الرياض بتنظيم "ملتقى التوظيف المصرى الأول بالسعودية" وعرض أكثر من 1000 وظيفة مطروحة أمام أبناء الجالية الذين يبحثون عن وظائف، فى لقاءات مباشرة بين الشركات وبين طالبى العمل؛ خطوة مهمة للتعاون بين القنصلية وصندوق رعاية المصريين ومنظمات المجتمع المدنى. والملتقى الذى يعد الأول من نوعه تشارك فيه 20 شركة سعودية مع شركات الاستقدام فى المملكة، ويتم للمتعاقد نقل كفالته على الشركة التى يتفق معها تحت إشراف المستشار العمالى بالقنصلية والصندوق، ويتم توفير فرص عمل مختلفة من بينها: مهندسون، ومحاسبون، ومندوبو مبيعات، وعمال، ومدرسون، والعديد من فرص العمل الأخرى. ولكن مما يؤسف له أننا نجد عدم اهتمام من الخارجية المصرية بما يحدث، وهى التى يقع عليها الدور الأكبر فى دعم القنصليتين بالكوادر والأجهزة، وتمديد ساعات العمل لاستيعاب أكبر عدد من المعاملات فى ظل هذه الظروف حتى تنتهى الأزمة ولا تترك أصحاب المشكلات وجها لوجه أمام موظفين يتمترسون خلف البيروقراطية والإجراءات الروتينية، على "الخارجية" أن تتحرك وتتابع عن كثب وتدعم التوجه بالاستفادة من دور مؤسسات المجتمع المدنى فى دعم القنصليتين بالرياضوجدة. أما صاحب البيان الإعلامى "التبريرى" و"التحريضى"؛ فيكفيه أنه لا يعرف التفرقة بين اسم "وزير الداخلية" السعودى واسم "أمير المنطقة الشرقية السابق".. يا عينى على "المستشار الهمام"!.