عندما تدخل الخارجية الأمريكية و"سى إن إن" ووسائل إعلام عالمية على الخط، فاعلم أن فى الأمر شيئا أكبر من قدرات باسم يوسف وطاقاته، وأن تجاوزاته التى تتخطى حدود النقد المباح إلى الانفلات والسقوط القيمى والأخلاقى يراد لها أن تكون "أيقونة" للمزايدات السياسية والدبلوماسية، ووسيلة للضغط على النظام الحاكم فى مصر وتشويه صورته. وما دام أن الأمر كذلك فلا مجال للتعجب من تلك الهالة الإعلامية التى صاحبت ذهابه إلى النيابة، وكمّ التعليقات والتشنجات الكلامية التى أحاطت بواقعة استدعائه، وسؤاله عن إساءاته المتكررة لرموز وطنية وسياسية، وبالأخص رئيس الدولة وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن تهكمه من العقائد والقيم الدينية. وتوقعاتى أن إساءات "باسم يوسف" وخزعبلاته لن تعمر طويلا وسينساها الناس والتاريخ معا، لتفاهة ما يقدمه وعدم اتساقه مع التقاليد المصرية، فضلا عن الأخلاق الإسلامية التى من فرائضها عدم السخرية من الناس على أى مستوى، وبشكل مطلق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات 11]، لكنى فى الوقت ذاته ألوم من أعطى لهذا الشخص أكثر مما يستحق وتقدم ببلاغ ضده إلى النيابة، فكانت فرصة ذهبية له لتسويق نفسه وادعائه البطولة الزائفة. باسم يوسف، الذى لم يكن أحد يعرفه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، أخذ فكرة برنامجه عن برنامج أمريكى معروف اسمه "العرض اليومى The daily show" لمقدمه جون ستيوارت، دون النظر إلى أن ما يباح فى المجتمع الأمريكى قد لا يناسب بالضرورة المجتمع المصرى، ودون اعتبار لأن لغو القول وإضاعة الوقت فيما لا يفيد هى أمور يؤاخذ عليها الإنسان المسلم، لكن باسم -الذى بدأ برنامجه بالسخرية من منتقدى الثورة وأعدائها- تحول إلى بوق مشارك فى الحملة المضادة للرئيس وجماعة الإخوان، تحت تأثير الإغراءات المالية الرهيبة التى قدمتها له قنوات الفتنة والمتاجرون بسمعة الوطن. وكما أصبح جون ستيوارت إلى أداة للسخرية من اليمين الأمريكى والرئيس جورج بوش وحزبه الجمهورى ضمن حملة الحزب الديمقراطى لاستعادة كرسى الرئاسة بالبيت الأبيض، يستخدم باسم يوسف الآن كأداة فى يد المعارضة المصرية للإطاحة بالرئيس مرسى وتصفية الحسابات مع الإخوان. الغريب حقا هو أن تتحول قضية باسم يوسف من شأن داخلى إلى قضية "دولية"، فتعرب المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند عن "قلق" الولاياتالمتحدة واعتبارها أن هذه القضية هى دليل على اتجاه نحو تقييد أكبر لحرية التعبير فى مصر، ثم تتداخل شبكة "سى إن إن" الإخبارية الأمريكية مع باسم ليشهر سيف البطولة الزائفة ويدعى أن "توظيف القانون ضده من الأساليب القديمة، التى تستخدمها النظم الفاشية"، ثم يستطرد متحديا: "سأستمر فى تقديم برنامجى ولن أتراجع عن موقفى"، وكان يوسف قد استبق التحقيق معه بالقول: "الموت علينا حق.. والنائب العام علينا حق.. وأنا مش خايف من القرار وسأجهز حلقة عن هذا الأمر". نحن إزاء حالة من خلط الأوراق يتداخل العام فيها مع الخاص والمحلى مع الدولى، لكنها تؤكد بوضوح أن هناك شبكة منظمة تضم أطرافا داخلية وخارجية، إعلامية وسياسية ومخابراتية، تعمل بدأب وإصرار على ضرب تجربة الحكم الإسلامى فى مصر وتقف لها بالمرصاد، وما "ظاهرة باسم يوسف" إلا حالة كاشفة ضمن تدابير أخرى بعضها صريح معلن بدت آثاره فى الشارع المصرى خلال الأيام الماضية، وبعضها ما زال خفيا ونتمنى أن تفضحه الأيام المقبلة.