1] ثبات الحق الأبدى: الحق غلاَّب وإن طال الزمان وانتفش الباطل وطغى وبغى، وعلى المعاند أن يُحاذر من المنتقم العزيز الجَبَّار، فالمستور بالباطل مفضوحٌ وإن ظنَّ أنه فى مأمن، ولا وجود للباطل إلا فى غياب الحق وغفلة أهله، وكثيرًا ما يعقُّ الحقَّ أهله وتغشى عيونهم عنه، ولكنه ثابت لا يتغير أبدًا، واضحٌ لا غموض فيه، مستقيمٌ لا اعوجاج فيه، وصدق الله العظيم؛ إذ يقول تعالى: {وقُلْ جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء: 81). 2] معالم على الطريق: العقيدة الحقَّة رباطٌ معنوى مُقدَّس، يربط المؤمن بمثلٍ أعلى بالله عز وجل مالك الملك ومدبِّر الأمر سبحانه وتعالى، رباطٌ لا تحلُّه أزمة ولا تؤثر فيه شِدَّة، صاحبه لا ينحنى إلا لله وحده لا يعرف الخوف، فهو عقدٌ مكتوبٌ بدماء القلوب، وأشعَّة الروح، وحقائق الإيمان بالله تعالى هؤلاء هم الذين قال الحق فيهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (آل عمران: 173، 174). إنها روابط تنبثق من ينابيع النفس المؤمنة، ويهتدى صاحبها بنور الله تعالى وقبس السماء، وتحكمها ضوابط الإسلام ونظمه الخالدة، ومثله كمثل الذَّهَب الخالص، لا يصدأ أبدًا، ولا تزيده النار إلا بهاءً وجلاءً، وتلك هى عقيدة الإيمان، ونور اليقين. 3] رجل العقيدة: ورجل العقيدة لا يعيش لنفسه، بل يعيش مع الحق وللحق، ويموت فى سبيله وحده وهو بعقيدته كل شىء، وبغيرها لا شىء، فهو لها خادم أمين، وهو جندى عامل مجاهد، لا فيلسوف ولا مجادل، وهو صادق صريح، لا يُراوغ كالثعلب، ولا يلين كالثعبان، ولا يختال ولا يتكبر، ولا يتلوَّن كالحرباء، ولا يُساوم كالتجَّار، يعيش فى الدنيا ولا تعيش فيه، ويُسخِّرها ولا تُسخِّره، قال تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وإقَامِ الصَلاةِ وإيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأَبْصَارُ} (النور: 37). إنهم رجال لا يساومون ولا يتنازلون عن ذرَّة من إيمانهم ومن أخلاقهم، يُفْدُون دعوتهم بروحهم وحياتهم وهم راضون مطمئنون، وتسمع إليهم يقولون: {وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (طه: 84). ورجل العقيدة يفدى أمته بكل ما يملك من عزيز غالٍ، ويعمل على رُقيِّها وتقدُّمها، فهو مُوجِّهٌ بالنهار عابد بالليل، يكثر من الدعاء والابتهال صامت ساكن صائم، لا يتكلم إلا بمقدار الحاجة، لا يتحدث عن نفسه فالحديث عن النفس عنده نقص. فى بيته عنوان على الزَّوج المسلم، يُعامل أهله بالرِّفق ويُربيهم على الأخلاق الصادقة والأمانة والصِّدق والإخلاص، يحترم جيرانه ولا يجدون منه إلا الخير والكلمة الطيبة، وهو يواسيهم ويشاركهم عند الشِّدَّة ويفرح معهم عند الفرح، هو رجل تُذَكِّر بالله رؤيته، وأعماله تنطق بحسن تصرفه وجميل معاملته، يزور المقابر ويدعو لأهلها، ويشارك المرضى ويسارع لعلاجهم. ورجل العقيدة هو الذى يدافع عن أمته ويحمى كيانها، ويذُود عنها ويقف بالمرصاد لكل من يتربص بها. 4] أمل يتجدَّد: إن جميع المسلمين على ظهر الأرض مدعوُّون للاستجابة لجميع فرائض الإسلام وسننه وتكاليفه، مدعوُّون للجهاد فى سبيل الله سبحانه، وكفاهم ما يمرّ بهم من ذُلٍّ وامتهان. ولا يكفُّوا أيدى أعدائهم عنهم وامتهانهم لهم إلا إذا تحصَّنوا بالإسلام، ويجب أن يتوقف الذين مالوا إلى غير الإسلام وتسمُّوا بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، يمدُّون أيديهم إلى الأعداء ويدافعون عنهم ويقتدون بهم ولا يستحيون، فالحياء فى نظرهم عُمْلة قديمة قد ولَّى أمرها فى نظرهم، نقول هذا ونحن نلمح من بعيد أو من قريب بشائر الشباب المسلم الذى أقبل على ربه، ولجأ إلى رحابه وآمن بهذا الحق فدافع عنه وجاهد فى سبيله. لقد انفتح الباب وجاء الفرج من أوسع أبوابه وعلى الذين صنعوا السُّدود الموهومة وعاشوا من ورائها أن يفيقوا وأن يستيقظوا من غفلتهم، ونحن والله نخاف عليهم يوم أن يقفوا أمام ربهم فيسألهم ماذا صنعتم؟ وماذا قدمتم؟ كيف مشيتم وراء الشياطين وقد نبَّهَكم الدعاة إلى خطر هذا؟ وعندها تنحنى الرءوس ولا ينفع الندم. ولا يجدون عذرًا يعتذرون به أو كلمة واحدة يقولونها، وسيجدون أمامهم ما قدموا قال تعالى: {ووُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ويَقُولُونَ يَا ويْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إلا أَحْصَاهَا ووَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف: 49)، إنه النذير لكل جنود إبليس أن يتوبوا وأن يعودوا وأن يدركوا القافلة، احذروا أيها الناس.. واعلموا أن الحق تبارك وتعالى قال: {وكُلَّ إنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (الإسراء: 13، 14). وأسوق فى هذا المقام قصَّة سمعناها حدثت للأستاذ الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحماس، قد حاولت يهود اغتياله منذ سنوات واليهود طبيعتهم الغدر والإجرام والكيد، ولا يوجد فى اللغة العربية كلها من الألفاظ ما يكفى لوصف حقيقتهم وكيدهم فهى فوق الوصف، والعالم كله اليوم عبيدٌ عندهم إما خوفًا منهم وإما طمعًا فيهم، ما عدا المسلمين أصحاب العقيدة وهم أغنى الأغنياء بالله عز وجل وأقوى الأقوياء بربَّ العزة الذى شرَّفهم سبحانه بها فقال: {ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: 8). إن المؤمنين بالله ورسوله حقًّا لا يخافونهم، ولقد جرَّبوهم قبل ذلك فأصبح اليهود لا يهربون إلا من المجاهدين، ولا يصيبهم الرعب إلا من صوت الحق. إن موقف حارس خالد مشعل له دلالات عظيمة، فعندما هاجم عملاء الموساد "خالد مشعل"، وأرادوا القضاء عليه تصدَّى لهم الحارس المؤمن ببطولة قال عنها خالد مشعل: لقد طاردهما أحد المرافقين وهو البطل "محمد أبو سيف" الذى كان صائمًا يومها، وتمكَّن من القبض عليهما وسلَّمهما لرجال الأمن، وعلى الرغم من تعرُّضه لإصابة خطيرة فى رأسه ونزف منه الغزير من الدماء فإنه أصرَّ على إكمال صيامه. ولقد فزعت إسرائيل من شجاعة هذا المؤمن الصائم؛ وهذا هو النوع الوحيد الذى تخاف منه يهود، وتعمل له ألف حساب؛ لأنه لا يهاب إلا الله تعالى. وهذا النوع هو المطارد فى جميع أنحاء العالم حتى فى الدول العربية للأسف الشديد؛ لأنه الوحيد الذى يستطيع أن ينقذ الأمة من مخالب اليهود. وقد نقلت إذاعة إسرائيل وقتها عن مسئول جهاز الأمن الإسرائيلى قوله: "وكيف يستطيع مرافق خالد مشعل أن يتغلَّب على منفِّذى محاولة الاغتيال؟ وكيف استطاع الشاب الأعزل أن يحبط عملية خطَّط لها الموساد ووقفت خلفها دولة إسرائيل وحكومته؟ وكيف تبخَّرت سنوات التدريب الذى تلقاها رجال الموساد؟ لماذا أعطوا هذه الفرصة لمرافق خالد مشعل أن يُلحق الأذى بنا؟". ثم يجيب هذا المسئول قائلاً: "إن الجواب عن هذا السؤال هو أننا نواجه عدوًّا من نوع آخر، إننى على يقين أنه لو كان هذا الشاب ينتمى إلى منظمة غير أصولية لما أبدى العزم والإصرار على تعقُّب منفذى عملية الاغتيال، إن هذا المرافق "محمد أبو سيف" هو الردّ على تجاهلنا لسنين طويلة معالجة القضية الفلسطينية بسبل سليمة". إن أمثال أبو سيف فى العالم العربى والإسلامى كثيرون، يحاول الشيوعيون والمنافقون ومن على شاكِلَتهم أن يشوِّهوا تاريخهم ويدسُّوا الكذب والتهم عليهم، رغم أنهم هم الذين يحملون أمتهم ويحفظون كيانها، ويعملون على استقرارها ويدفعون السوء عنها. {إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وزِدْنَاهُمْ هُدًى} (الكهف: 13).