حاولت ميكنة إعلام الفلول من فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية ممولة من "بورتو طره" ورموز طائفية شهيرة، صرف الأنظار وتحويل انتباه الرأى العام عن الأحداث الإجرامية التى وقعت أمام قصر الاتحادية يوم الجمعة الماضى -من بلطجة وإجرام وإلقاء قنابل المولوتوف والحجارة والزجاجات الحارقة على القصر الجمهوري، من أعمال عنف واشتباكات مع رجال الأمن، وإطلاق نار، بعد يوم واحد من توقيع وثيقة الأزهر التى أعدها نخبة من شباب الثورة، وتبنتها المشيخة وعلماؤها، ووقع عليها رؤساء ورموز سياسية ووطنية، تعهدوا فيها بنبذ العنف، والالتزام بالسلمية، والحوار السياسى حفاظا على البلاد والعباد- بقصة "المسحول" حمادة صابر "مبيض المحارة"، الذى وجد نفسه فجأة موضع اهتمام وتركيز من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، ومعه زوجته وابنته وابنه وابن شقيقه، وتبارى مقدمو ومعدو البرامج فى استضافتهم على الهواء، فى محاولة ل"صنع بطل"، واستخدامه فى تشويه النظام، وتصفية حسابات سياسية وشخصية ضيقة، وإرضاء لنزعة الكراهية والحقد التى باتت تعشعش فى عقول وقلوب بعض السياسيين ومن دار فى فلكهم من الإعلاميين. ومع رفضنا التام وإدانتنا لأى مساس بأى حق من حقوق الإنسان واستنكارنا للمشهد الذى ظهر به "حمادة" وتعريته وسحله من قبل عدد من الجنود، وضرورة محاسبة من أقدموا على هذه الفعلة الإجرامية ومحاكمتهم، فإننا نطالب النيابة وجهات التحقيق بتوسيع دائرة البحث لتشمل "حمادة" ومن جاء به ومن يقف خلفه، وموردى ومقاولى الأنفار الذين يستغلون حاجات الفقراء والبسطاء، ويأتون بهم باليومية أو بالساعة للمشاركة فى التظاهرات والزج بهم فى مواجهات لا يعرفون عنها شيئا، ومن يتولى الدفع والتمويل والحماية، ومن هو "حمادة" وملفه الجنائى، خاصة بعد تداول نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعى صورا له مع متظاهرين يرتبطون بالنظام السابق، بل نريد أن تتسع دائرة التحقيقات لتشمل من أعطى لهؤلاء الجنود الأوامر بالتعرية والجرجرة والسحل، ولماذا "حمادة" بالذات الذى جر وسحل؟ وهل هناك من هو ضالع فى صنع هذا المشهد وتصويره وإخراجه وتسويقه إعلاميا بطريقة ممنهجة؟ وهل فعلا "حمادة من تلقاء نفسه غير أقواله وبرأ الشرطة ورجال الأمن، على الرغم من أن وزير الداخلية اعتذر عن الحادث والمتحدث الرسمى باسم الداخلية اعترف بالواقعة، وقدم اعتذاره، وأنه تم إحالة المتورطين فيها للتحقيق؟ وهل من قاموا بالإيعاز له -ولو من طرف خفى- بنفى الواقعة لهم علاقة بترتيب مشهد السحل والتعرية؟ فقد تكشف لنا التحقيقات عن اللهو الخفى أو الطرف الثالث، ومن يقوم بقتل المتظاهرين، ومن يؤجج أعمال العنف. لقد أراد الإعلام الذى فقد دوره فى الإرشاد والتوجيه والتقويم، وصار ينطلق من أجندات ورؤى خاصة لمموليه ومن يديرونه، أن يصنع من "المسحول" بطلا، فإذا بهذا الإعلام يتعرى وينكشف أمام الناس جميعا ويظهر على حقيقته، ولو كان إعلاما صادقا ويبحث فعلا عن الحق والعدل ويساهم فى تقديم المجرم الحقيقى للعدالة لقام بدوره المهنى فى كشف الواقعة وإبعادها ومن يقف خلفها، وقدم لنا القصة كاملة بأحداثها وحيثياتها ودوافعها، وشخصياتها وتركيبتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية؟ ولم تكن قضية حمادة سوى مشهد من مشاهد مسرح العبث الذى تحرص "بعض" القوى السياسية أن نعيش فيه واستمراره، فالذين يتحدثون أمام الميكرفونات ويهيجون الناس، ويطالبون بمحاكمة قتلة الثوار، هم الذين يدافعون بقوة عن النائب العام السابق عبد المجيد محمود، الذى كان السبب الرئيس فى "أوكازيون مهرجان البراءة للجميع" فى 36 قضية قدمت للمحاكم، خاصة بقتل الثوار؛ لأنه لم يقدم أدلة الإدانة وتقاعس عن أداء دوره، وهم الذين فشلوا فى نيل ثقة الشعب فى الانتخابات، بل منهم من اتهم أغلبية المصريين بالجهل والأمية ورماهم بالتخلف، وأنهم يبيعون أصواتهم ب"الزيت والسكر"، ومنهم من صادم المصريون بدعوته العاجلة للغرب بالتدخل فى الشئون المصرية، وضد أول رئيس مدنى منتخب، ومنهم من حرض المستثمرين على عدم الحضور للاستثمار فى البلاد بدعوى عدم الاستقرار، ومن طالب بإقامة معابد للبوذيين على أرض مصر "معبد صغير يا محمود" -فى حديثه ببرنامج "آخر النهار"-، ومن لا يحترم إرادة الشعب فى إقرار الدستور ب64% ويطالب بإسقاطه بالعنف وإسالة الدماء، ومنهم من رفض إدانة أعمال العنف، ورفع الغطاء السياسى عن قطاع الطرق، ومن يوقفون حركة السير، ويعطلون القطارات ومترو الأنفاق، ويهاجمون مؤسسات الدولة وينهبونها ويحطمون الأجهزة والمكاتب، ويحرقون المدارس والمنشآت التعليمية، ومنهم من حرض على اقتحام القصر الجمهورى بالاستعانة بجيوش البلطجية وفلول الحزب الوطنى، ولقد كشفت واقعة "الونش" والبلطجية الثلاثة الذين تم استئجارهم لخلع بوابة قصر الاتحادية عن حقيقة من يستخدمون فى أعمال البلطجة والإجرام من قبل قوى وشخصيات سياسية. لقد انكشف هؤلاء أمام الرأى العام، وعرف المصريون حقيقتهم وأغراضهم، وأن الشعارات التى يرفعونها مجرد أكاذيب، ولعل ما حدث لإحدى هذه الشخصيات فى أثناء تشييع جنازة الشهيد محمد الجندى واتهامه من أبناء وأقارب الشهيد بأنه "يقتل القتيل ويمشى فى جنازته"، كما ظهر فى مقاطع الفيديو رسالة واضحة وصريحة لهؤلاء عن نبض الشارع، الذى تعب من أعمال الفوضى والتخريب وضج من المعاناة بسبب تعطل مصالح العباد. آن الأوان أن نعود جميعا إلى رشدنا، ونعلى مصالح الوطن، ويعترف كل منا بخطئه، ويكون الحوار هو الأساس لحل مشاكلنا، وأن الشعب هو مصدر السلطة ولا صوت يعلو على صوته، كفانا ظلما لبلدنا كلنا أخطأنا، ومنا من أخطأ التقدير، ومنا من أخطأ التنفيذ، ومنا من أخطأ اختيار البدائل، ولكن هذه هى المرحلة الانتقالية وعلينا تجاوزها. حفظ الله مصر وأهلها.