مع كل التأييد والدعم لتجربة القوى الإسلامية فى مصر، أجدنى مضطرا إلى مناصحتهم بين الحين والآخر. واليوم أرجو أن يراجعوا معى قول الشيخ محمد قطب: "خير للحركة الإسلامية أن تنتظر مائة عام قبل تسلم الحكم من أن تتعجل الوصول إلى السلطة فتلعنها شعوبها مائة عام أخرى". أما وقد وصلوا إلى الحكم ولم يجدوا مفرا من الدخول فى السلطة، أقول للقوى الإسلامية: إن نقص التجربة العملية، وضعف الرؤية المستقبلية، وضعف النظرة الشمولية، والتفرق إلى شيع، وغياب التحالف الإستراتيجى معا وغياب التنسيق على أعلى مستوى لعدم السماح بأى صدام أو صراع بينها.. قد يتحقق معه تخوف الشيخ محمد قطب.. لا قدر الله. والمطلوب من القوى السياسية؛ الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية ومن يعمل فى إطارها أربع خطوات: أولا: وقفة مع الذات: لا بد من معالجة أسباب الخلل ومواطن الخلاف وأسباب التنازع. ودراسة عوامل الضعف والتفكك، ومن ذلك: الصور المشوهة والمختزلة للإسلام، وسوء العلاقة بين المجتمع والدين، وعدم الفهم الصحيح والتطبيق الجزئى له، وظهور الفرق والانحرافات العقدية والفكرية والتخلى عن الاجتهاد والتجديد وإيثار الكسل العقلى وشيوع التقليد، وضياع روح العمل الجماعى والحماس للفكرة الإسلامية، وغياب التخطيط والتنسيق والرقابة فى العمل الإسلامى، وضعف أساليب الحكم والإدارة، واختلاف التوجهات والتخلى عن تعبئة الطاقات وتوجيهها وجهة صحيحة، وتميع الهوية وتعدد الولاءات داخليا وخارجيا، وأيضا تخلى القوى الإسلامية الاهتمام بمجال العلم والتقنية وضعف الإبداع فى عالم الوسائل. ثانيا: استيعاب سنن التاريخ: إن للتاريخ سننا لا بد من استيعابها ومنها: 1- توفر إرادة قوية للإصلاح والتجرد لذلك من الهوى والأنانية. قال تعالى (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود: 88). 2- فقه التغيير الذاتى، وضرورة توفر القوة الذاتية المطلوبة لذلك: قال الله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) (الرعد: 11). وقال جل وعلا: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال: 53). 3- ضرورة استيعاب سنة التدافع، قال الله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) (البقرة: 251). 4- فهم سنة التداول، قال الله -جل وعلا-: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 140). 5- والحذر من الوقوع فى أسباب الاستبدال، (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38). 6- واستيفاء شروط العزة، قال الله تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139). وقال الله -جل وعلا-: (فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35). 7- الاتباع والاستقامة على المنهج: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( هود: 112). 8- إخلاص التوحيد والعبادة لله أساس التمكين، قال تعالى: (وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) (النور: 55). ثالثا: الاستجابة الصحيحة لتحديات العصر، حدد الإمام حسن البنا منذ عقود طويلة التحديات الكبرى أمام الحكم الإسلامى، نذكّر القوى الإسلامية ببعضها، ونضيف إليها بعض المستجدات: 1- تحديات سياسية داخلية: (الفجوة بين الأنظمة والعلماء من ناحية، وبين هؤلاء والشعوب من ناحية ثانية، وضعف التقبل للسلطة فى المجتمع). 2- وعلى المستوى الخارجى: (العولمة وتذويب الهويات والهيمنة المفروضة على الأمة الإسلامية). 3- تحديات اقتصادية: (مشكلات الفقر وعدم المساواة وسيطرة الشركات الاحتكارية الدولية على ثروات الأمة ومواردها). 4- تحديات اجتماعية: (محاولات تغيير القيم والأخلاقيات ومحاولات تعديل النظام الأسرى). 5- تحديات فكرية وثقافية: (تزايد خطر التيارات المنحرفة والهدامة والمتعجلة وتبنى عدد من المسلمين لها كسبل للخروج من الأزمة الحالية). 6- تحديات نفسية: (الجبن والخور والشعور بالعجز وفقدان الثقة بالنفس، وسيادة روح اليأس). 7- تحديات تشريعية: (من القوانين الوضعية، والتشريعات المستوردة). رابعا: استكمال عناصر القوة الذاتية للإصلاح: 1- شحذ القوة الروحية والعقدية والإيمانية المؤسِّسة لوحدة الفهم والتوجه العام فى المجتمع. 2- تنمية القوة الفكرية والثقافية وتوحيد المفاهيم وبث الوعى لدى الشعب. 3- تنمية قوة العلاقات الأخوية والتضامن فى الوطن الواحد، وتعزيز روح المواطنة. 4- استكمال القوة المادية والإدارية بمفهومهما الواسع. 5- اعتماد مبدأ المشاركة فى كل الخطوات التنموية مع بقية القوى السياسية. 6- التخلص من عقد الماضى وميراثه العدائى مع الآخر.