لماذا لا تجتهد أن تترك أثرًا فى كل مكان أنت فيه؟! لماذا نتباهى بأننا نأخذ الصور التذكارية مع أصحاب الأثر الناجحين ولا نفكر فى أن نكون منهم؟! لماذا تريد ممن حولك أن يقدموا لك كل ما فى وسعهم ولا تريد أن تقدم أنت إلا النادر؟! الإنسان سيدى الكريم لا يشعر بذاته وكيانه، إلا إذا أحس أن له أثرًا فى الحياة مهما كان صغيرًا، أما هؤلاء الذين يعيشون فى زاوية مظلمة لا يقدمون شيئًا مهما كان صغيرًا فهم يموتون ببطء. ومن أعظم الأعمال أجرًا، وأكثرها مرضاة لله ما يتعدى نفعها إلى الآخرين، ومن أعظم الأعمال الصالحة نفعًا، تلك التى يأتيك أجرها وأنت فى قبرك وحيدًا فريدًا. وهذا سلفنا الصالح يجتهد أن يترك أثرًا فى حياته.. فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما ولى الخلافة خرج يتحسس أخبار المسلمين، فوجد أرملة وأيتامًا عندها يبكون، يتضاغون من الجوع، فلم يلبث أن غدا إلى بيت مال المسلمين، فحمل طعامًا على ظهره وانطلق فأنضج لهم طعامهم، فما زال بهم حتى أكلوا وضحكوا، وهذا على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم جاء عنه أنه كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين فى الظلمة، ويقول: إن الصدقة فى سواد الليل تطفئ غضب الرب. وإليك المعاق السويدى المسلم الذى لا يتحرك ولا يتكلم، ومع هذا يسلِم على يديه كثير من السويديين، حيث كانت الحكومة السويدية تضع له من يخدمه وكان يتغير كل فترة، وبما أن هذا المعاق لا يتحرك ولا يتكلم فقد وضعوا أمامه لوحة كبيرة فيها مربعات صغيرة، وكل مربع مكتوب فيه كتابة معينة، فمثلًا: (أريد طعامًا، شكرًا، اتصل بصديقى... وغيرها) ووضعوا على رأسه مثل القبعة فيها عود طويل يشبه القلم، وإذا أراد شيئًا أشار بهذا العود على الكلمات التى يريد، وكان هذا الشخص إذا جاءه فى بيته من يخدمه وهم فى الغالب غير مسلمين يطلب منهم من خلال هذه المربعات أن يتصلوا على صديقه –ويكون بينه وبين صديقه تنسيق- فيقوم الموظف بالاتصال على صديق المعاق، فيرد الصديق:- نعم! فيقول هذا المعاق سله: ما الإسلام؟ مباشرة الخادم يقول: صديقك يسألك عن الإسلام، فيرد الآخر: الإسلام أن تعبد الله وحده لا شريك له.. إلخ، ثم يتكلم الخادم مع المعاق ويعيد عليه ما قاله صديقة عن الإسلام، هذا المعاق طبعًا يعرف هذا الكلام عن الإسلام، لكن يريد أن يعلم الخادم بطريقة غير مباشرة.. ثم يطلب منه أن يسأله عن الفرق بين الإسلام والنصرانية؟ وما عاقبة المسلم؟ وما عاقبة الكافر؟ وهكذا لمدة نصف ساعة يوميًّا، وإذا انتهى دوام الموظف طلب منه المعاق أن يفتح الدرج ويأخذ معه كتاب عن الإسلام، انظر إلى الهمة كيف ترك له بصمة وأثر يدل على وجوده فى هذه الحياة. -------------- محمود القلعاوى عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين