ما تزال مشكلة نقص الدواء من الصيدليات مأساة تتصاعد يوما بعد آخر، يعيشها الشعب المصري، حيث لا تقتصر فقط على نقص الأدوية، بل تمتد أيضا إلى نقص بدائل الأدوية. فبالإضافة عما يشاع من ضعف كفاءة المادة الفعالة في الأدوية المصرية عنها في المنتج الأجنبي أو "المستورد"، إلا أن أسعار الدواء باتت في ارتفاع مستمر في بورصة سوق الدواء مع نقص أكثر من 600 صنف محلي، ويؤكد الصيادلة أنه تحكم من "مافيا الأدوية" لإعادة رفع "التسعير" إلى 4 أو 5 أضعاف، كما حدث في أدوية الحموضة وعسر الهضم. وأثبتت الصحف المنحازة للنظام أن الحكومة لا تملك من أمرها شيئا، فموقع "البوابة" الإلكتروني أكد الرقم المئوي للعجز السالف، وقال "إن زيادة ما بين 20% و40% في الأسعار بعد الموافقة على بيان الحكومة.. والأرباح خيالية". بدورها حاولت الحكومة استدراك الأمر والتهوين من حجم الكارثة، فأعلنت الإدارة المركزية للشؤون الصيدلية التابعة لوزارة الصحة بحكومة الانقلاب، اليوم الثلاثاء، فى نشرتها الشهرية ل«نواقص الدواء»، عن عجز فى 40 دواءً بالسوق. الوزارة تكذب ورغم أن صيادلة بالإدارة المركزية لشؤون الصيدلة أكدوا في ديسمبر الماضي- أي قبل 5 أشهر- اختفاء أكثر من 500 دواء من السوق المصرية، إلا أن العدد أكبر من الرقم الذى أعلنته مصادر من وزارة الصحة. وقال هيثم عبد العزيز، عضو مجلس نقابة الصيادلة: إن أزمة نقص الدواء تفاقمت بعد وقوف الوزارة ك"متفرج" على تلاعاب شركات الأدوية بالمرضى؛ بهدف الضغط لرفع الأسعار، مضيفا "لا بد من إعادة دراسة إنشاء هيئة متخصصة لمراقبة سوق الدواء؛ لوضع ضوابط صارمة. وانتقد عضو مجلس "الصيادلة" رفض مجلس الوزراء إنشاء تلك الهيئة، دون إبداء أسباب منطقية، مع غياب سياسيات واضحة للوزارة لمواجهة الأزمة؛ لمعاقبة الشركات التي تتأخر في إنتاج الأدوية الإستراتيجية، بحسب قوله. وقالت النقابة، إن القطاع الصحي في مصر يعاني من العديد من مشاكل ضعف الإمكانيات, ونقص الأدوية، وإهدار نسبة عالية منها، والفوضى والترهل وفساد الإدارة في ظل وجود محاولات مستمرة من العديد من المسؤولين لتجاهل هذه المشكلة. وقالت النقابة، إن المسؤولين في وزارة الصحة يتهربون من مسؤولياتهم، ويعلقون كل أوزار عجز وفساد المنظومة الصحية في رقبة الأطباء، كما يشنون حملة إعلامية طويلة ومستمرة عليهم؛ عقابا لهم على تجرؤهم لكشف مشاكل الصحة المزمنة، والتي تحتاج إلى مواجهة حقيقية وليس مجرد شو إعلامي. أبرز النواقص وتداولت العديد من المواقع الرسمية وغير الرسمية قائمة بالأدوية التي شهدت نقصا حادا في الأسواق، وبوَّبتها نقابة الصيادلة، ونشرتها مواقع، حتى المواقع المنحازة ك"اليوم السابع" و"البوابة" اللتين نشرتا ما لا يقل عن 509 أصناف، يتقدمها "الأنسولين"، وألبان الأطفال المدعمة، وأدوية علاج الكبد، والجلطات، والعمليات الجراحية، والفشل الكلوي، ومراهم العين، حيث اختفى من الصيدليات دواء "ميكوناز أورال" جيل لعلاج عدوى العين، وأوبتي فري محلول عدسات، و"تيراميسن" و"ميفنكول" من مراهم العين، و"بريزولين" قطرة لحساسية العين، و"أيزوبتو كاربين"، و"أبيكسول" وهما قطرتان لعلاج ارتفاع ضغط العين و"الجلوكوما", وتبينّ من قائمة نقص الدواء التي رصدتها نقابة الصيادلة نقص "كومبيفنت"، "بخاخ" لعلاج الأمراض الصدرية، واختفاء "باميوران" وهو علاج لمرضى زراعة الأعضاء، وأقراص "أفيل ريتارد" المضادة للحساسية، وعقار "لاموركسفين 500"، أقراص لعلاج السرطان، و"أبتروملك 400" لعلاج مرضى القلب، و"إنماكس" حقن شرجية، و"بروكتو 4" كريم لعلاج البواسير. كما اختفت أقراص آلام العظام ومضادات الفيروسات، وأدوية الحساسية ونزلات البرد، وأقراص للأمراض العصبية، و"هالوبريدول" أمبول لعلاج الأمراض النفسية، واختفاء "سبازموكانيولاز"، "وهيموتن"، و"دايسينون"، وهي أقراص لعلاج الكولون العصبي والأنيميا، ونزيف ما بعد العمليات الجراحية الكبرى، كما تبينّ اختفاء جميع الأدوية التي تعالج التهاب الأعصاب، وعلى رأسها "أديونسين" و"إديونوبليكس" حقن. كما رصدت نقابة الصيادلة نقص "لوكاكورتين" كريم مضاد للالتهابات موضعي، و"أسينشيال فورت" لتحسين وظائف الكبد، و"كونترولوك" لقرحة المعدة، و"إيفورتيل" وهي أقراص لعلاج ضغط الدم، وكريمات "فيوسيدين"، و"أدرينالين"، و"لوكاكورتين فيوفورم"، و"أيزاليك"، و"دوستينكس" أقراص، وحقن "صوديوم باي كربونات"، و"بوتاسيوم بريكانيل" شراب. 1000 وكان أحمد العزبى، رئيس غرفة صناعة الأدوية، قد أكد أن حجم نواقص الأدوية بالصيدليات يصل إلى 1000 صنف دوائى بالصيدليات؛ وذلك نتيجة امتناع بعض شركات الأدوية عن تصنيع هذه الأصناف؛ لزيادة تكلفة مستلزمات الإنتاج، مقارنة بهامش الربح الذى تحققه الشركات. وأوضح "العزبى"- فى تصريح ل"اليوم السابع"- أن قرار وزارة الصحة بشأن تحريك أسعار بعض الأدوية مؤخرًا، جاء نتيجة تكبيد عدد من شركات قطاع الأعمال خسائر فادحة، مشيرًا إلى أن القرار يشمل العقاقير زهيدة الثمن، وسيتم تحريك أسعارها بما يتلائم مع إمكانيات المريض البسيط. إعادة تسعير من جانبه أكد الدكتور محمد البهي، نائب غرفة الأدوية باتحاد الصناعات المصرية، أن مئات الأدوية تحتاج إلى رفع أسعارها لكي يتواصل الإنتاج لوقف نزيف خسائر الشركات، وتوفير الأدوية الناقصة بالأسواق؛ لأن تدني السعر هو أهم سبب لوجود نقص في الكثير من الأدوية، مطالبًا برفع أسعار الأدوية التي يقل سعرها عن 20 جنيهًا بنسب بين 10% و20% وبحد أدنى 2 جنيه. وناشد "البهي" وزارة الصحة والسكان بالوقوف بجانب الصناعة الوطنية للدواء، خاصة في ظل الارتفاع المستمر للدولار، حيث بلغت خسائر الشركة القابضة للأدوية العام الماضي 180 مليون جنيه. مافيا الشركات ويعتبر عدد من الصيادلة والمتخصصين في مجال الدواء أن الدكتور البهي محسوب على شركات الأدوية، وبالتالي يدافع عن الزيادة ونقص المعروض، ومن هؤلاء الصيدلي هاني سامح، الخبير في شؤون الدواء ومسؤول الملف في المركز المصري للحق في الدواء، حيث حذر- في تصريحات صحفية- وزارة الصحة من الرضوخ لمافيا شركات الأدوية في طلبها بزيادة أسعار الأدوية، موضحًا أن هذه الشركات يصل حجم مكاسب الشركة الواحدة منها من 2.5 مليار جنيه سنويًا إلى نصف مليار سنويًا لأصغر شركة. وقال سامح: السعودية والإمارات خفضتا أسعار الأدوية مؤخرًا، ووضعت ضوابط للتصدي لهامش الربح الضخم الذي تتكسبه تلك الشركات، والذي يتخطى أرباح تجارة السلاح والمخدرات. واعتبر أن التأثر بسعر الدولار أكذوبة تنشرها الشركات للتغطية على حجم أرباحها المهولة. وقال: "حتى لو ارتفع سعر الدولار 10 أضعاف، فهو غير مؤثر على تلك الشركات؛ لأن أسعار المواد الخام بحساب سعر الدولار والشحن لا تتجاوز الملاليم المعدودة".