أبت مؤسسة الأهرام إلا أن تلعب ذات الدور الدنئ فى أزمة الأسرة الصحفية مع وزارة القتل والحصار المصرية "الداخلية" وتقف فى خندق الفاشية ضد إرادة صاحبة الجلالة فى موقف لا يمثل صدمة لم يعرف جيدا تاريخ تلك الجريدة التى نشأت لتكون بوقا للأنظمة الاستبدادية ومهولا لهدم الحريات على رأس الشعب المنكوب. الجريدة التى رفضت أن تشارك فى الجمعية العمومية الحاشدة ضد جريمة اقتحام وزارة داخلية السيسي لمنبي النقابة العريق القابع فى قلب القاهرة، فى الأول من مايو، أخذت على عاتقها شق الصف الصحفي وتبني مخطط الوزارة القمعية فى تبرير الاستبداد والتكلم بلسان شرطي مبين، فخرجت على إجماع توصيات الاجتماع غير المسبوق وأعلنت بمفردها "فشل عمومية الصحفيين".
وعلى الرغم من أن المحتوي البائس الذليل الذى وقف فى صف العسكر وأدار ظهره إلى أسرة الصحافة، كذبته الصورة التى صدرت بها الصحفية الموالية للسلطة الخبر وأظهرت الآلاف من الصحفيين يلتفون حول النقيب فى مشهد مهيب، زلزل أركان الانقلاب، وكسر الحصار الأمني الفاشي المفروض على النقابة منذ 25 إبريل الماضي.
وهو المشهد الملتوي الذى وصفه الصحفي كارم محمود، وكيل نقابة الصحفيين، بإن ما نشيت جريدة "الأهرام" هو إهانة لتاريخ مؤسسة الأهرام العريقة قبل أن تكون إهانة للنقابة التي تنتمي إلى عضويتها.
وأضاف محمود أن جريدة الأهرام لم تكتب الحقيقة وكذبت في صفحتها الأولى عندما قالت إن الجمعية العمومية للصحفيين فشلت وتم تحويلها لاجتماع، موضحا أن مثل هذه الممارسات صغيرة وساقطة ولكن في النهاية إدارة الصحفيين هي من تنتصر، وباب التوبة مفتوح لجميع الصحفيين ولن نعمل لزملائها قوائم سوداء".
تعطيل المسار
موقف المؤسسة لم يتوقف عند تلك الجريمة الصحفية والأخلاقية، بل عمدت إلى شق الصحفي بإجراءات فاشية مدعومة بأجندة أمنية، فاستضافة –ما يسمي- بجبهة تصحيح المسار، فى مؤتمر استبدادي بقاعة محمد حسنين هيكل بمبنى الأهرام الرئيسى.
الجبهة المثيرة للجدل من عملاء الأمن فى بلاط صاحبة الجلالة اعتبرت أنها تسعي للوقوف فى وجه الطريق التصادمى المتصاعد الذى انتهجه أعضاء مجلس نقابة الصحفيين المؤتمنون من قبل الجمعية العمومية، بحسب البيان الأول.
وأعلنت الجبهة المزعومة عن الخطوات التنفيذية التى ستتخذها الجبهة من أجل سحب الثقة من مجلس النقابة فى أقرب وقت ممكن، وإجراء انتخابات لاختيار مجلس جديد لنقابة لها تاريخ من النضال الوطنىة، مضيفة أن المؤتمر يتضمن الحفاظ على وحدة الكيان النقابى وتطوير العمل المهنى والخدمى بما يحقق طموحات شباب الصحفيين وشيوخهم، وهى أدوار تراجعت تماما أمام إصرار عدد من أعضاء المجلس على الانحراف به عن مساره المنوط به.
سحب الثقة
وأعلنت الأهرام عن وجهها القبيح على لسان الدكتور أحمد ناجي قمحة -رئيس وحدة بحوث الرأي العام بمركز الأهرام- بسحب الثقة في مجلس نقابة الصحفيين، تحت مزاعم أن هذا المجلس لم يراع المسؤوليات التي أوكلها له جموع الصحفيين.
وأضاف قمحة أن الثابت الآن أن المجلس دلس على الرأي العام بكل السبل والآليات الممكنة وهو الذي لجأ إلى التصعيد وإدخال الصحفيين في مواجهة مباشرة مع الشعب والدولة، كما شوه صورتهم، زاعما أن قوات الأمن لم تقتحم نقابة الصحفيين، كما حاول مجلسها الترويج لذلك، ومن يمتلك الدلائل على هذا الأمر فليقدمه ويكشفه.
واعتبر المسئول بالمؤسسة أن الخطير في الأمر أن المجلس يستمر في التدليس من خلال الإدعاء بأن هناك جمعية عمومية عُقدت يوم الأربعاء الماضي، وهو ما لم يحدث، لأن انعقاد مثل هذه الجمعيات يحتاج إلى إجراءات محددة.
وطالب بضرورة إجراء انتخابات مبكرة على مجلس النقابة، حتى تعود إلى مسارها الصحيح في الدفاع عن مصالح الصحفيين، وتصبح شرفًا وفخرًا لهم جميعًا، وتتبنى مواقف وطنية، بدلا من السماح لقنوات إخوانية لأن تبث من داخلها، في سابقة هي الأولى من نوعها.
تاريخ من التضليل
الصفحات لا تكفي لوصف تعامل صحيفة «الأهرام» مع الأنظمة على مر العصور منذ زمن الملكية حيث ملوك وسلاطين أسرة محمد علي، ثم تمجيد الجمهورية بالتهليل لانقلاب يوليو 52 وتأليه قواده، وتضليل الشعب بأن الجيش على مشارف تل أبيب في نكسة يونيو، قبل أن تسخر صفحاتها لتقديس خطوات السادات وخلفه مبارك وسليل العسكر السيسي، لتضرب المؤسسة أروع الأمثلة في بيع شرف المهنة رخيصا واحتراف الكذب وصناعة الفراعين.
ولا يخفى على القارئ أن الصحافة وما يتطلبه إصدار الجرائد -خاصة اليومي منها- من سرعة في تنفيذ المنتج واللحاق بماكينة الطبعة الأولى، قد يسفر عن الوقوع في أخطاء كثيرة بعدها مضحك وبعدها صادم، تعارف عليها المجتمع بأنها «خطأ مطبعي»، وقعت فيه أكثر الصحف عراقة وخبرة وأوسعها انتشارا، إلا أن ما تفعله الأهرام لا يندرج ضمن المتعارف عليه وإنما يجسد جريمة مكتملة الأركان، طبخت خلاله الصحيفة على مدار عمرها الممتد لقرن ونيف من الزمان صنوفا من التدليس والتحريف والتكذب والتضليل من أجل تقديم خدمات مجانية للفرعون مهيب الركن
وربما يمر الأمر بسلام على القارئ الذي سلم عقله لأحفاد «تقلا» لتغييبه والتلاعب بعقليته وتشكيل رأيه فيصدق دون وعي وبإرادة سلمها طواعية ما تحمله صفحات الجريدة دون مراجعة، إلا أن فضائح الأهرام كانت فى واحدة منها عالمية وبرائحة تزكم الأنوف، بعدما أقدمت على جريمة صحفية تنطوي على الكذب والتحريف وتضليل الرأي العام، بعدما قامت بتزوير ترجمة مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية والذي ينتقد سياسات قائد الانقلاب العسكري، وقدمته للقراء على أن الجريدة الأمريكية العريقة تمدح السيسي وتعتبره امتدادا لحكام العرب «الملهمين».
فضيحة عالمية
ولسوء حظ صحيفة النظام، عثر مراسل الجريدة الأمريكية على مقالته ولكنها بمضمون محرف ومحتوي مزيف بين صفحات "الأهرام"، وعلى الفور قرر أن يفضح الجريدة العريقة على رؤوس الأشهاد، وتناول تلك الجريمة الصحفية مكتملة الأركان في صحيفته، ليصبح تدليس الأهرام لصالح النظام حديث الصحافة العالمية.
وفي محاولة لحفظ ماء وجه الأهرام، أصدرت الصحيفة بيانا أكدت فيه أنها وقعت في فخ وكالة أنباء الشرق الأوسط التي ترجمت المقال الأصلي، دون أن تكلف نفسها عناء تصفح "نيويورك تايمز" وأنها، وبدورها ردت الوكالة الرسمية ببيان ركيك يحمل ما لا يحتمل من الأخطاء اللغوية، تؤكد فيه أنها ليست طرف في السجال الدائر بين الأهرام نظيرتها الأمريكية.. في محاولة بائسة لأن يتوه الجرم بين الطرفين ويتفرق دمه بين القبائل.
وفي الوقت الذي تلاعبت فيه الصحيفة بقارئها ودغدغت مشاعره بكلمات فلسفية عقيمة، دون أن تكلف نفسها عناء الاعتذار، وقامت أن توزع الاتهامات هنا وهناك، قررت أن تركع للأمريكان كما يفعل قائدها مهيب الركن وقدمت اعتذرا في نسختها الإنجليزية لصحيفة «نيويورك تايمز» عن الخطأ الذي وقعت فيه، لتعترف أنها لا يعنيها المصداقية والاحترام أمام قرائها.
وقد يلتمس القارئ المُغيب العذر ل«الأهرام» باعتبار أن الخطأ يقع على الوكالة، رغم أن الصحيفة العريقة لم تنسب الترجمة لها، إلا أن الباحث في تاريخ جريدة أحفاد تقلا، يجد أنها حرصت على مدار تاريخها على نفاق النظام وتمجيده بآلاف الموضوعات الملفقة والكاذبة التي صاغتها على مدار تاريخها دون أن حمرة خجل أو التزام بمهنية صحفية أو مصداقية كلمة.
أعداء الثورة
فالثوار الذي أطاحوا بنظام المخلوع في ملحمة 25 يناير، لم ينسوا حتى الآن، المانشيت الذي تجاهل الملايين في ميدان التحرير وقررت محاربة الثورة لصالح مبارك وعصابته، وخرج بصورة كاذبة «الملايين يخرجون لتأييد مبارك»، و«مسيرات ومظاهرات بالقاهرة والمحافظات لتأييد قرارات الرئيس»، وعنوان آخر «مليونية في حب الرئيس بالمهندسين ومصطفى محمود».
ومع انتصار الثورة على النظام المستبد والإطاحة به في 18 يوما، خرجت الصحيفة لتذر الرمال في العيون، بمانشيت رئيسي «الشعب أسقط النظام» وأفرد نفس رئيس التحرير صفحات الجريدة للتهليل للثورة والثوار.
ذات الصحيفة ونفس رئيس التحرير، من خرجوا علينا بصورة مزورة للرئيس المخلوع مبارك في قمة الثمانية، وهو يتقدم الرؤساء ويسير أمام الرئيس أوباما، رغم أن الصورة الحقيقية تظهر مبارك وهو خلف الصفوف، قبل أن تبرر الأهرام تزييفها بأنها صورة تعبيرية.
عرابي العاصي
تزوير وتدليس الأهرام، قديم قدم الصحيفة ذاتها، والأرشيف لا يكذب ولا يتجمل، خاصة بعدما خرجت الجريدة لتمجد الخديوي توفيق «عميل الاستعمار»، وتصف المناضل أحمد عرابي بأنه «عرابي العاصي» الذي خان سلاحه وأحرق مصر، قبل أن تعتبره فيما بعد أحد الرموز الوطنية.
تاريخ من التزوير وتزييف التاريخ وتشويه الواقع وتغييب العقول، منح مؤسسة الأهرام بجدارة لقب صحيفة النظام ولسان الفراعين وصانعة الآلهة، وبذات الكفاءة ونفس الامتياز والإجادة تمارس «العريقة» دورها مع قائد الانقلاب من تلميع وتنظيف وتمجيد وتأليه، ولكن «إيش تعمل الماشطة في الوش العكر».