مع تضييق الخناق عليه داخل برلمان العسكر وحرمانه من الكلمة في أكثر من مناسبة، أدرك النائب المثير للجدل توفيق عكاشة أن الحل دائما يبقي بيد المتحكم فى النظام بأكملة وليس فقط فى مجلس نواب الدم، فقرر دعوة السفير الصهيوني بالقاهرة حاييم كورين على مأدبة طعام فاخرة من أجل تقديم قرابين الولاء وضمان العودة إلى المجلس من الباب الواسع ليكون الناطق باسم الإدارة الصهيونية. عكاشة لم يخرج عن النص الذى تنتهجه الدولة العسكرية منذ استولت على السلطة قبل عامين ونيف، حيث توجه قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي لم أدرك من الوهلة الأولي أن بيده الحل والعقد ويمكنه تسويق الانقلاب عالميا على أفضل ما يكون، فعمد إلى التنسيق والتكامل والتعاون المعلن مع الكيان العبري، وهو الدرب الذي قرر الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية أن يسلكه من أجل كسب مكانة تليق بعمالته داخل البرلمان الكارتوني.
الخبير السياسي سيف الدين عبدالفتاح –أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- اعتبر أن الأمر ليس بمستغرب فى ظل تنامي التكامل بين الانقلاب والاحتلال وتفشي ظاهرة المتصهينة العرب والمصريين والتى تفاقمت مع نجاح الثورات المضادة فى بسط نفوذها فى أقطار الربيع العربي، وهي التى تتكلم بلسان عبري ركيك من أجل تمييع القضية الفلسطينية ودعم وتبرير الفاشية الصهيونية أو حتى بالصمت على جرائم إسرائيل.
وأوضح عبدالفتاح –فى حوار على فضائية "الجزيرة" الإخبارية- أن شيوع ظاهرة المتصينة عرفت طريقها إلى الواجهة لتشكل ما يمكن أن يوصف باللوبي العبري فى بلاد العرب، معتبرا أن ظهور توفيق عكاشة أو يوسف زيدان ومن على شاكلتهم يعبرون بصدق عن توجهات النظام الانقلابي الذى يتعامل مع إسرائيل لا باعتبارها عدو وإنما دولة صديقة.
وأشار الخبير السياسي إلى محاولات المتصهينة العرب بث السموم فى الرأي العام كما فعل المؤرخ يوسف زيدان باعتباره إسرائيل ليست عدوا أو عدوا عاقلا فى مواجهة أعداء أغباء من الدول العربية –بحسب تعبيره- وغيرها من التصريحات التى أدلى بها عملاء الانقلاب، بما يدلل على أن هناك مخطط على الأرض لتقبل الكيان الصهيوني والتلاعب فى الصورة الذهنية التى كونها العرب عن العدو على مدار التاريخ.
واعتبر أن العلاقة المصرية الإسرائيلية تجاوز حواجز التنسيق الأمني لتصل إلى محطات أبعد بالتكامل الدبلوماسي والتعاون الاستراتيجي، مع إغفال تام لكون الكيان الصهيوني هو الضالع الأول فى كافة الأزمات التى تحاصر الأمة العربية على وجه العموم ومصر بصفة خاصة.
وأكد أنه لا يمكن التعامل مع تصريحات أو موقف عكاشة باعتباره هزل، لإنه لا يمكن التسامح أو تجاهل الهزل فى مواطن الجد، خاصة تلك التى تتعلق برسم ملامح سياسات الدول والعلاقات بين الشعوب وتشكيل مفهوم العدو، مشددا على أن العسكر منذ استولى على السلطة حاول التلاعب باثنين من أهم المفاهيم السياسية، الأول يتعلق بالعدو والثاني بالتطبيع والتعاون.
وأوضح أن ما يتعلق بمفهوم العدو يمكن مراقبته من خلال إصرار النظام العسكري الحديث عن ضمان وحماية أمن إسرائيل وعدم السماح أن تصبح سيناء قاعدة تهدد الكيان الصهيوني بصورة تفوق تلك التى تتعلق بالأمن المصري نفسه وثوابته التاريخية والجغرافية، مع تجاهل فج لأن إسرائيل هى أكبر تهديد للأمن القومي المصري حقيقة.
ولفت إلى أنه على ضوء تلك النظرة العسكرية للعدو الصهيوني اتخذ حزمة من الإجراءات التى تصب فى صالح أمن إسرائيل بعزل سيناء وتفريغ الشريط الحدودي وإغراق الأنفاق بالمياه المالحة فى مخطط كشفت وزير البنية التحتية الإسرائيلي أنه بإملاء من دولته للنظام المصري، موضحا أن خطة إسرائيلية مسبقة تم تطبيقها بأيد مصرية.
وأعرب عبدالفتاح عن استياءه من محاولة تمرير تلك الممارسات المشينة تحت لافتة عملية السلام واتفاقية كامب ديفيد وتبادل السفراء بين البلدين، مشددا على أن اتفاقيات السلام لا تحيل العدو إلى صديق أو تفتح له طريق أمام القبول الشعبي، بل أن الواقع يثبت أن العسكر وحده هو الحريص على تلك العلاقة وهو من أعاد السفير بعد سنة من القطيعة على خلفية حرب غزة 2012، وافتتح السفارة من جديد بعد أن أغلقها الشعب بنفسه فى مظاهرة شعبية جارفة عبرت بصدق عن وضعية الكيان العبري لدي المصريين.
وشدد المحلل السياسي على أن إسرائيل باتت تلاعب بالأمن القومي المصري وتتحكم فى مفاصل الدولة، بل وتوجه رسالة ضمنية بموقفها المعلن من مصر عبر تعيين سفير "حاييم كورين" شارك فى العدوان الثلاثي ونكسة يونيو، وكان قبل أن يأتي إلى مصر أو سفير صهيوني فى جنوب السودان، فى دلالات واضحة على توجهات الصهاينة فى القاهرة وأن الرجل الذى جاء محاربا بالأمس يحتل الآن صدارة المشهد عبر موقعه الوثير أمام ضفاف النيل المهدد بالجفاف.
ورفض عبدالفتاح التهاون فى هذا الأمر وترك الحبل على الغارب للعسكر لإفشال الوطن، حيث أن أهم ملفات الأمن القومي باتت تمر عبر بوابة الصهاينة، وعلى رأسها سيناء المعزولة أو أزمة النيل وسد النهضة الإثيوبي الذى تبدو الأيادي الإسرائيلية واضحة فيه، والتى حاول توفيق عكاشة أن يبرر زيارته من خلالها.
واعترف أن اتفاق عكاشة غير المألوف أو المبرر مع كورين ومن قبله تصريحات المتصهينة العرب ومواقف الانقلاب، ويدل على أن المنظومة الحاكمة المهترئة تتعامل بمنتهي الفوضي مع ملفات فى غاية الأهمية، والتى تجسدت فى ملف سد النهضة بعدما استعان السيسي بنجله والعميل دحلان ومدير المخابرات لتوريط مصر فى الاتفاقية الإطارية التى تم توقيعها فى السودان ليتخلي عن أمن مصر المائي والحقوق التاريخية فى مياه النيل.
واختتم عبدالفتاح بالتأكيد على أن زيارة عكاشة تلخص الطبيعة التى تدار بها المشهد المصري المأساوي حاليا، حيث باتت اتهامات التخابر تتعلق بحماس وقطر وتركيا والنرويج، بينما لقاء النائب المثير للجدل مع كورين أمر لا يندرج تحت بند التخابر فى دولة العسكر التى انقلبت فيها كل المفاهيم ووجد حزب الله لنفسه بداخلها موطأ قدم.