حينما تتحدث وكالة بلومبرج الشرق عن استمرار الأزمة المالية بمصر، على رغم التدفقات الدولارية التي دخلت مصر مؤخرا، والتي تقدر بنحو 52 مليار دولار، وأن مصر ليس أمامها سوى التفريط في أصولها لمجابهة الأزمة الطاحنة التي تضربها، وسط أحاديث لمسئولين مصريين وشهادات لخبراء صندوق النقد الدولي عن استعدادات الحكومة المصرية لبيع 4 من كبريات الأصول المصرية في العالم المالي الجديد، يبدو أن الأمر خطير، ولا يمكن تصور انعكاساته على الأمن القومي المصري، بعد أن فرطت مصر في أنجح أصولها الاقتصادية، وباعت أراضيها الاستراتيجية في تيران وصنافير ورأس الحكمة ووسط القاهرة وفي شرم الشيخ، وقريبا رأس جميلة وغيرها من المناطق الاستراتيجية، التي راحت غالبيتها للإمارات وبعض دول الخليج، وهو ما حذرت منه جميع الدوائر الاقتصادية بالداخل والخارج، وأن مغبته هو التفريط في السيادة المصرية، إذ بات المتحكم الأساسي في الأسواق المصرية في الأدوية والأغذية والكثير من الصناعات والتجارات هو الإمارات، التي اشترت مصانع الأسمدة والحديد والصلب والكوك والألومنيوم وشركات الشحن البحري والأدوية والمستشفيات الخاصة والشركات الزراعية والمناطق الخصبة والواعدة بمصر. رأس الحكمة وأثار منح مصر للإمارات ميناء ومطارا ومنطقة حرة في مشروع رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط عددا من التساؤلات بخصوص طبيعة العلاقة بين الدولتين، وتأثير ذلك على السيادة الوطنية لمصر والتبعات الجيوسياسية المحتملة. ومؤخرا، أعلنت الحكومة المصرية، موافقتها على إنشاء منطقة حرة خاصة، تحت اسم شركة مشروع رأس الحكمة للتنمية العمرانية، وميناء تخصصي سياحي دولي في مدينة رأس الحكمة شرقي مرسى مطروح. كذلك، أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة وزارية خاصة بمشروع تطوير وتنمية رأس الحكمة، لتيسير الإجراءات والتنسيق بين الجهات المعنية لتنفيذ المشروع تبلغ مساحته 170.8 مليون متر مربع (170 كم مربع). في وقت سابق، أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، على وجود عدد من المواقع المقترحة لإنشاء مطار جديد من المقرر إقامته لخدمة مشروع مدينة رأس الحكمة، وذلك تمهيدا لاختيار أحد هذه المواقع للتنفيذ خلال الفترة المقبلة. ويمنح مشروع رأس الحكمة، الإمارات مساحة ضخمة أكبر من مساحة العديد من الإمارات السبع خارج أراضيها. تجدر الإشارة إلى أن إمارة دبي تعد الثانية في الإمارات السبع من حيث المساحة والتي تقدر ب 4,114 كيلومترا مربعا فقط، والتي تشكل 5% من مساحة الدولة من دون الجزر. يُعد مشروع رأس الحكمة من أكبر المشاريع الاستثمارية في مصر، حيث يُغطي مساحة 20 ألف فدان، ويُتوقع أن يُقام عليه ميناء ومطار ومنطقة حرة، بالإضافة إلى فنادق ومراكز تجارية ومساكن. وتمنح الاتفاقية الموقعة بين مصر والإمارات العربية المتحدة للمشروع امتيازات واسعة، مثل الإعفاء من بعض الضرائب والرسوم، والحصول على تراخيص سريعة، وإمكانية إنشاء محاكم خاصة لحل النزاعات. كما تُشير بعض التقارير إلى أن الاتفاقية تمنح للمستثمرين الإماراتيين حصانة أمنية خاصة، ما يعني عدم خضوعهم للقوانين المصرية في بعض الحالات. قضم السيادة الوطنية ويرى منتقدو المشروع أن هذه الامتيازات والحصانة تُشكل تهديدا للسيادة المصرية، وتخلق دويلة داخل دولة لا تخضع للقوانين المصرية، ويخشى البعض من أن يُؤدي المشروع إلى سيطرة الإمارات على مقدرات مصر، وتحويلها إلى وجهة سياحية فقط. دويلة داخل دولة ووفق خبراء قانون دولي، فإن السيطرة على مشروع أرض رأس الحكمة وعلى بحرها ستكون لدولة أجنبية، ومفهوم الدولة الأجنبية في الدستور المصري وفي التعريف السياسي، هو أي دولة أو سلطة أخرى لها قوانين ودستور خاص بها، وبالتالي فإن دولة الإمارات تعتبر بهذا المفهوم دولة أجنبية. ومن شأن الامتيازات الحصرية التي سوف يحصل عليها مشروع رأس الحكمة والتابع لدولة الإمارات مثل منطقة حرة وميناء ومطار يجعلها صاحبة نفوذ وسيطرة، ولا يمكن منع أي سفينة أو يخت أو مركب من دخول مياه مصر الإقليمية، والتي ستأتي تحت ستار السياحة، وإن كانت غير ذلك فلا يمكن منعها، وإلا ستكون قد منعت الشركة أو الدولة صاحبة الامتياز من الاستفادة من المشروع. ويحذر خبير القانون الدولي الدكتور سعيد عفيفي، من منح أي دولة مهما كانت سيادة مطلقة على جزء من أراضي البلاد خاصة الساحلية، ضاربا المثل، في تصيحات صحفية، بأمريكا حيث أرادت شركة موانئ دبي من خلال الاستحواذ على شركة "بي آند أو" البريطانية بإدارة بعض أرصفة الحاويات في عدد من الموانئ الأمريكية، ولكن تم معارضتها ورفضها بقوة عام 2007 دون العودة إليها مجددا. مشاريع سلبية فيما يرى الخبير الاقتصادي، محمود وهبة، أن "مشروع رأس الحكمة مشروع سلبي لمصر في مجمله، حتى من القيمة المالية، وهو مشروع سياسي وليس اقتصادي، منح الحكومة المصرية للإمارات ميناء ومطار ومنطقة حرة قد يؤدي إلى فقدان جزء من السيادة الوطنية لصالح دولة أخرى، ما يثير القلق بشأن استقلالية القرار". منتقدا انتقال ملكية وإدارة المشروعات أو المناطق الاقتصادية إلى الإمارات ، بما يثير تساؤلات حول درجة الشفافية والمشاركة الشعبية في هذه الصفقات، ولا يمكن التعويل على بيانات الحكومة لأنها مضللة وغير شفافة. وهكذا يواصل السيسي التفريط بأراضي مصر في شرق وغرب البلاد، وشمالها، فمن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بالبحر الأحمر، إلى التنازل لقبرص واليونان عن مساحة بحرية تفوق مساحة الدلتا كاملة، في ترسيم مجخف للحدود البحرية استفادت من إسرائيل أيضا، وصولا إلى التنازل عن أرض رأس الحكمة غرب مصر للإمارات، ويبقى الحبل على الجرار، سواء في لاتس جميلة أو أرض ضاحية الجميل ببورسعيد وغيرها.