في ظل تواطؤ متوقع من قبل نظام السيسي، الذي يبدو أنه يتفاوض على الثمن والمقابل، والذي يتوقع أن يكون إسقاط جزء كبير من ديونه للغرب، كما سبق وأن كتبت دوائر إسرائيلية، كإيلي كوهين "إسقط الديون عن مصر مقابل نقل لفلسطينيين لسيناء" تُجري واشنطن عبر وزير خارجيتها ترتيبات الصفقة الحرام، لنقل سكان قطاع غزة المدنيين إلى سيناء، تجنبا لمزيد من الدماء التي بدأت دوائر سياسية عالمية وإقليمية تغضب منها، ولتمكين الجيش الصهيوني من دخول غزة بريا، دون مقاومة كبيرة من قبل الفلسطينيين، وإفراغ الساحة بغزة لقنابل ثقيلة أشد تدميرا للأنفاق والبنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية. وشدد المسؤولون الأمريكيون، الأحد، على مسألة ترحيل سكان غزة إلى سيناء كأولوية تدفع الإدارة باتجاه تسريع إنجازها، بعدما فشلت الإنذارات الإسرائيلية في تحقيقها بالسرعة والحجم المطلوبين. ويجري التصويب في ذلك على مصر، وبصورة ضاغطة، لفتح نقطة العبور وتوجيه النازحين نحو بقعة قريبة من الحدود، كانت سابقا مستوطنة إسرائيلية قبل انسحاب إسرائيل من سيناء، حسب معلومات منسوبة إلى جهات إسرائيلية نقلها المحقق الصحفي الشهير سيمور هيرش، وقد اقتضى ذلك تمديد زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي توجه الأحد إلى مصر لحملها على التجاوب، وتتوقع هذه المصادر أن تلبي مصر هذا الطلب بعد تردد، ولو بالحد الأدنى. في مقابلاته، الأحد، مع شبكات التلفزة الرئيسة، قدّم مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان عملية النزوح على أنها تدبير احترازي، غايته حماية المدنيين الذين لهم حق الرجوع إلى ديارهم بعد نهاية الأزمة، كما قال، لكنه لم يعطِ أي ضمانة أميركية لعودتهم، بما يذكّر بالنزوح الفلسطيني الأصلي الذي انتهى بتفريغ الأرض من سكانها، سابقا. شكوك بنوايا التفريغ النغمة ذاتها ردّدها السينااتور الجمهوري ليندسي جراهام، الذي كان أكثر وضوحا في دعوته لمصر لاحتضان النازحين، حيث طالبها بفتح الحدود أمامهم وتركهم يدخلون إلى سيناء، وبعد ذلك سيعودون إلى منازلهم، ولكن أيضا من غير ضمانات ولا حتى وعود بمثل هذه العودة. وإذ شدد كلاهما على تمكين إسرائيل من تدمير حركة حماس كأولوية، إلا أنهما تجاهلا الإجابة عن السؤال بشأن السلطة البديلة في هذه الحالة في القطاع، وهو ما عزز الشكوك بنوايا التفريغ، وأتى تعيين الدبلوماسي ديفيد ساترفيلد، الأحد، كمبعوث خاص لشؤون القضايا الإنسانية في المنطقة، وبالتحديد في غزة، ليؤشر إلى ما ينتظر غزة في حال سارت الأمور وفق الخطة الأميركية الإسرائيلية المشتركة، بحيث تتحول إلى مخيم لضحايا العدوان، يعتاش أهله على الإعانات كترضية للنازحين بعد العدوان والتهجير كما جرى في ما مضى. بلوغ هذه النقطة المنشودة في الخطة، يستدعي التعجيل في موضوع النزوح، وتحذر الجهات الأميركية، خاصة العسكرية، من خطرين، الغرق في بحر دم يؤدي إلى تزايد الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار قبل آوانه، وهذا آخر ما يريده الثنائي أن يحصل قبل انتهاء الاجتياح المتوقع أن يتوالى لأسابيع، إن لم يكن لأشهر. الخطر الثاني، الغرق في بحر بشري السباحة فيه باهظة الكلفة عسكريا وبشريا، في هذه الحالة، على القوات الاسرائيلية تمشيط كل مبنى وطابق وغرفة ومخزن، وهذه مهمة بالغة التعقيد يتهيبها من اختبر حرب المدن. ووفق تقديرات غربية، فإن مخططي الحرب في إسرائيل أعربوا عن خشيتهم من قتال الشوارع والمطاردة من باب إلى باب، إذ إن ثقتهم ضعيفة بقوات المشاة، وبعزم أفرادها على القتال. وربما كان ذلك وراء اتجاه القيادات الإسرائيلية نحو سيناريو الاجتياح باستخدام قنابل ذات أوزان كبيرة مصممة للاختراق، وتفجير المخابئ والأنفاق على عمق 50 مترا تحت الأرض، علّها تساعد في تسهيل الانتشار وتقليل الكلفة، لكن إسرائيل قد تُفاجأ بعدم كفاية هذا السلاح الذي زودها به البنتاجون، لأن الأنفاق في غزة يصل عمقها إلى 60 مترا. وفي هذا السياق، لوحظ أن قضية الرهائن تراجعت في الأربع وعشرين ساعة الماضية، وكأنها لم تعد عقبة في طريق العملية العسكرية المستعجلة والمتوقعة ، وفق آخر التقديرات، وبعد تأجيل مكرر جرى ربطه بحل مسالة النزوح، وفي المقابل ازدادت الترجيحات لاحتمالات الانفجار على الجبهات الأخرى، خاصة اللبنانية، في ضوء التحذير الإيراني الأخير من عواقب المضي باجتياح من عيار كسر العظم في غزة، والذي أُخذ على محمل الجد، ولو أنه قد يكون جزءا من لعبة العض على الأصابع في طورها الأخير، حتى تلك اللحظة، يستمر حبس الأنفاس مع عدم استبعاد المفاجآت. سيناريو آخر وعلى ما يبدو فإن تسليم مصر بحدود سياساتها الخارجية المنبطحة تحت أقدام إسرائيل وأمريكا، سيجر الكثير من الصعوبات والأزمات، إذ يمكنها إعلان رفضها مخططات إسرائيل لاجتياح غزة والتفكير في كسر الحصار عن القطاع ، وإدخال مساعدات إنسانية تحت حماية جيشها، الذي لن تسطيع إسرائيل تجاوزه بأي حال من الأحوال إذ ليس بمقدورها فتح كل الجبهات على نفسها، وهو ما يجنبها مخططات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، سواء بشكل مؤقت أو دائم، وهو ما يجرها لا محالة نحو مواجهة مستقبلية واسعة مع إسرائيل، هذا القرار يعوزه الكثير من الإرادة السياسية للنظام المصري، الذي خطط سابقا لصفقة القرن على حساب سيناء مع دونالد ترامب.