لعله من جملة الدروس المستفادة من تعطل قناة السويس إثر جنوح سفينة الشحن العملاقة، أنها كشفت تعامل (إسرائيل) وفق مصالحها الإستراتيجية، وما يحقق لها السيطرة على المنطقة كلها، حتى إن كان ذلك على حساب حليفها الإستراتيحي دكتاتور مصر عبدالفتاح السيسي الذي قدم لها أكثر مما كانت تتخيل أو تحلم من مصالح عسكرية واقتصادية وتجارية وسياسية، ولم تراع أنه بات صهيونيا أكثر من الصهاينة بحسب الإعلام العبري نفسه الذي يؤكد ذلك مرارا. فقد عادت إلى الواجهة مجددا فكرة الممر المائي البديل الذي سبق أن طرحته "إسرائيل" للربط بين البحرين الأحمر والمتوسط. وتأتي أزمة توقف الملاحة في قناة السويس، بعد شهور قليلة من الإعلان عن مشاورات بين "إسرائيل" والإمارات بشأن حفر قناة مائية جديدة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر، مماثلة لقناة السويس المصرية، وهو ما تسبب بغضب مصري؛ بسبب أن القناة المقترحة يمكن أن تشكل تهديدا مباشرا لمصالح مصر في الملاحة المائية بالمنطقة، كما أنها يمكن أن تؤدي إلى خفض إيرادات قناة السويس، التي تشكل مصدرا مهما للدخل من العملة الصعبة للاقتصاد المصري. وقال مقال نشرته جريدة "تايمز أوف إسرائيل" إن المحادثات بشأن الممر المائي المنافس لقناة السويس بدأت بعد 19 يوما فقط على توقيع اتفاق التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب العام الماضي، كما تحدث المقال في الجريدة "الإسرائيلية" عن أنه خلال الفترة من 2015 إلى 2020 استطاعت قناة السويس أن تُدر على مصر أكثر من 27.2 مليار دولار أمريكي، وذلك ارتفاعا من 25.9 مليار دولار خلال السنوات الخمس التي سبقت، ما يعني أن ثمة طلبا عالميا متزايدا على الملاحة في المنطقة، وهو ما يُمكن أن يُغري "إسرائيل" والإمارات بأن تفتحا ممرا مائيا يتقاسم مع المصريين هذه المكاسب. لكن تقارير اعلامية، أوضحت أن فكرة الممر المائي البديل لقناة السويس ليست جديدة، فقد نشر موقع "بزنس إنسايدر" تقريرا قبل أيام، يكشف فيه لأول مرة عن وثائق أمريكية تعود إلى العام 1963، وتتضمن خطة لفتح ممر مائي بديل عن قناة السويس بطول 160 ميلا (256 كلم)، ويربط بين البحرين المتوسط والأحمر، ومن شأنه تغيير خارطة الحركة التجارية العالمية. وبحسب الوثائق، فإن الخطة الأمريكية المقترحة كانت تقوم على فكرة استخدام القوة النووية من أجل فتح الممر المائي بشكل سريع وفعال، حيث يتم استخدام قنابل نووية على طول المسافة بين البحرين؛ من أجل الحفر وفتح الممر المائي بسرعة قياسية. ووفقا للمذكرة التي تعود إلى العام 1963م، فقد كانت الخطة ستعتمد على 520 قنبلة نووية لفتح الممر المائي، ودعت المذكرة إلى "استخدام المتفجرات النووية في حفر القناة عبر صحراء النقب" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وصدرت المذكرة عن مركز "لورانس ليفرمور" الوطني، المدعوم من وزارة الطاقة الأمريكية، حيث تقترح "تطبيقا مثيرا للاهتمام للحفريات النووية، ويؤدي إلى فتح قناة على مستوى سطح البحر بطول 160 ميلا عبر (إسرائيل)". وقالت المذكرة إن "الطرق التقليدية للتنقيب ستكون باهظة الثمن للغاية، يبدو أنه يمكن تطبيق المتفجرات النووية بشكل مربح في هذا الوضع". وأضافت المذكرة أن "هذه القناة ستكون بديلا إستراتيجيا قيما لقناة السويس الحالية، وربما تسهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية". وبينما يدور الحديث عن قناة مائية "إسرائيلية" بديلة للسويس، فقد نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن مساعي تل أبيب للعب دور أكبر في سوق الطاقة بالمنطقة، وتحدث التقرير عن تعاون "إسرائيلي" إماراتي في مشروع خط أنابيب لنقل النفط، وذلك بالتزامن مع إعلان الإمارات استثمار 12 مليار دولار في "إسرائيل"، الأمر الذي يعزز من احتمالات أن تكون "إسرائيل" أكبر المستفيدين من أزمة قناة السويس. وتسببت أزمة إغلاق قناة السويس الحالية بموجة من القلق على مستوى العالم؛ بسبب أن عشرات الشركات سوف تتأخر بضائعها عن الوصول إلى الأسواق، فيما اضطرت شركات شحن إلى تغيير مسار سفنها إلى الطريق التقليدي القديم عبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع تكاليف الشحن، وبالتالي ارتفاع العديد من السلع في الأسواق. ويتوقع محللون أن تتأثر عمليات تجارية تبلغ قيمتها 40 مليار دولار بهذا الإغلاق في قناة السويس، فيما يُشار إلى أن 10% من نفط العالم و8% من الغاز المسال يمر بالقناة، إضافة إلى العديد من السلع الحيوية والمهمة التي تمر يوميا من خلال القناة، وهو ما يُمكن أن يشجع العالم على دعم مشروع حفر القناة البديلة، بما ينتهي إلى أن تكون "إسرائيل" أكبر المستفيدين من الأزمة الراهنة. وهو ما يؤكد في الوقت نفسه أن الكيان الصهيوني لا يراعي الا مصالحه فقط وهو ما لا يفقه الخائن السيسي، الذي يسعى لتحقيق مآربها الخبيثة إما عن جهل أو خيانة منذ اللخظة الأولى لانقلابه العسكري. ولعل تأخر "إسرائيل" وأمريكا عن نجدة السيسي في أزمة تعطل الملاحة بالقناة دليل على أن كبير الانقلاب لا يمثل لتلك الدول إلا مجرد بالوعة أموال شخصية على حساب مصالح وطنه وبلده. ومنذ انقلابه المشئوم يحرص السيسي على التأكيد باستمرار على حماية أمن الكيان الصهيوني وأنه لن يسمج بأي تهديد لأمن الكيان الصهيوني من سيناء، كما منح السيسي الطيران الصهيوني حرية الحركة في سيناء، بل وشن الهجمات العسكرية بعلم الجيش المصري أو من ورائه، وهو ما اعترفت به دولة الاحتلال بأنها نفذت أكثر من 100 عملية عسكرية في سيناء، بجانب التنسيق الدبلوماسي والاستخباري مع الاحتلال في تسليم جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، وهو ما تلاه بزيارة سامح شكري لتل أبيب وتبادل أطراف الخيانة خلال مشاهدة مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا، مع بنيامين نتنياهو. كما تجري شركة مصر للطيران مفاوضات مع حكومة الاحتلال لتسيير رحلات مباشرة إلى تل أبيب، كما مارس السيسي دور العراب في مسار التطبيع العربي الصهيوني مؤخرا، وغيرها من مواقف الخيانة والعمالة.