يأتي اتهام وزير الري الأسبق، محمد نصر الدين علام، إسرائيل بأنها تتلاعب بشكل خفي في أزمة سد النهضة بمساندتها لإثيوبيا، تحولًا استراتيجيًا قد تكون جهات رسمية تقف وراءه، بعد تحذيرات عديدة أطلقتها المعارضة المصرية في أوقات مبكرة من أزمة السد، مشيرا إلى أن الهدف من وراء ذلك هو التضييق على المصريين في نهر النيل. جاء ذلك في تصريحات ل”علام” خلال حواره مع برنامج “مساء القاهرة”، المذاع عبر قناة “الحدث اليوم”، مضيفًا أن “العدو الاستراتيجي يستخدم جميع أدوات سياسة العصا والجزرة في أزمة سد النهضة، حيث قالت بريطانيا منذ زمن بعيد، إن نهر النيل أهم شيء للمصريين، وإذا أردت أن تضيق عليهم الخناق “اقفل الحنفية”، وهم يريدون حاليا استخدام هذا السلاح”. وتعتبر إسرائيل حليفا مهما لنظام السيسي، ووصلت العلاقات بينها وبين النظام المصري الحالي إلى مستوى لم تبلغه مسبقا، بحسب تصريحات المسئولين من كلا الجانبين، كما تعد اتهامات “علام” انتقادًا نادرا من مسئول بارز (حالي أو سابق) في نظام الانقلاب المصري. وتابع وزير الري الأسبق بأن “مصر لا تطلب من السودان أن تقف بجوارها في أزمة سد النهضة، لأنها قادرة على حماية نفسها وأهلها جيدا، وكذلك الحفاظ على مصالح السودان”، متابعًا: “نتمنى من الحكومة السودانية أن تراعى مصالح الشعب السوداني جيدا.. ونحن نريد من السودان أن ينظر إلى مخاطر سد النهضة لأرض السودان، لأنها مخاطر هائلة حيث إن فيضانا واحدا فقط من سد النهضة يمكن أن يزيل ولاية النيل الأزرق تماما، لأن هذا السد أخطر من جميع السدود الموجودة فى إثيوبيا”. أنظمة دفاعية إسرائيلية وكان مكتب المجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة لسد النهضة الإثيوبي، قد قال إنه جمع 605 ملايين بر إثيوبي خلال الأشهر الماضية لتمويل السد، مشيرا إلى أنه تم تأمين الدعم المالي من المجتمع من خلال شراء السندات و(8100) خدمة الرسائل القصيرة، وأنه تم جمع 79 مليون بر إثيوبي (2.30 مليون دولار تقريبا) خلال شهر أبريل الماضي من إجمالي الدعم المالي المستهدف. وفي أكتوبر الماضي، أكدت تقارير إعلامية وجود أنظمة دفاعية إسرائيلية لحماية سد النهضة، وهو ما لم تنفه إسرائيل رسميا، واكتفت بتعليقات على السوشيال ميديا تنفي الأمر. وبحسب مراقبين، فإن “البلاهة” التي يتعامل بها السيسي مع إثيوبيا وراءها مساومة المصريين على الموت عطشَا أو تمديد ملياري متر مكعب مياه لإسرائيل. ولا تزال إثيوبيا تصرّ على ملء الخزان في ثلاث سنوات، بينما تحاول مصر تمديد المدة إلى سبع سنوات، كي لا تعاني صدمة شحّ المياه بشكل مفاجئ، خصوصا وأن مصر تصنّف في عداد “الفقر المائي” فعلا، من دون أن تقيم إثيوبيا سد النهضة، فبينما يحتاج الفرد الواحد إلى ألف متر مكعب سنويا، فإن نصيب المصري حاليا لا يتجاوز سبعمائة متر مكعب، وستمائة في تقديرات أخرى. بينما لا تستطيع إلزام رديفها الإثيوبي بأوليات القانون الدولي المائي الذي يمنع دول المجرى من الإضرار بدول المصب. ويقرر لمصر حقها في 55.5 مليار متر مكعب من المياه، بموجب اتفاقية تقاسم مياه النيل عام 1959، بل الأدهى أن نظام عبد الفتاح السيسي أمضى على اتفاقية “إعلان المبادئ” مع إثيوبيا، فيما أجمعت تحذيرات مستشاري الأمن القومي والمخابرات العامة ووزارات الخارجية والدفاع والري على أن توقيع الاتفاقية يعني موافقة مصر على بناء سد النهضة من دون التزامات أو ضمانات من الطرف الإثيوبي. لكن السيسي حينها أكد قدرته على “استعمال تأثيره الشخصي على المسئولين الإثيوبيين والرأي العام الإثيوبي”. وهذه الثقة الهوجاء في “التأثير الشخصي” أفضت بمصر إلى التنازل عن البند الخامس من الاتفاقية نفسها، المتعلق بقواعد الملء الأول وتشغيل السد، وهي التي تضع الآن 100 مليون مصري على حافّة الموت عطشَا، إذا نفّذت إثيوبيا قرارها بملء السد في ثلاث سنوات. اتفاقات تطوير ومع تعزيزها قدرات قواتها وسلاح الجو أخيرا، عبر اتفاقيات عدة لتطوير تسليحها، جديدها صفقة المقاتلات الروسية المتطورة فئة “سوخوي سو35” بقيمة مليوني دولار، إلا أنه غير متوقع أن تدخل مصر صراعاً عسكريا مع إثيوبيا. بل يشير مراقبون إلى إنشاء مصر سحارات سرابيوم من غرب قناة السويس إلى شرقها، مرورًا من أسفل القناة وبعرض 60 مترًا، كان مقرّرًا أن تنقل مليار متر مكعب من المياه إلى سيناء، وانتهى بناؤها في أقل من ثلاث سنوات. فإذا وُضع هذا بجانب تهجير مائة ألف مواطن من بدو سيناء، وتجاهل وجود ترعة السلام وسحارة ترعة السلام التي كان يمكنها توصيل المياه إلى سيناء، لو كان هذا هو المقصود فقط. ولو نظرنا أيضا إلى مشروع الرئيس الراحل، أنور السادات، في العام 1979، في توصيل المياه إلى إسرائيل بتفريعة من النيل إلى سيناء، فيبدو أن “البلاهة” التي يتعامل بها النظام المصري مع مشروع إثيوبيا تقف وراءها مخططات أخرى، منها مساومة المصريين على الموت عطشَا أو تمديد ملياري متر مكعب مياه إلى إسرائيل. مطامع صهيونية إن الاستراتيجية التي اتبعتها إسرائيل لتحقيق هدفها الأسمى المتمثل في بناء دولة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات يوضِّح مدى أهمية البُعد المائي في السياسات الإسرائيلية تجاه القارة الإفريقية بوجه عام، وتجاه دول حوض النيل بوجه خاص, وهذا لأجل توفير المياه اللازمة لعمليات التنمية على أرضها، وللوفاء بمستلزمات بناء المستوطنات اليهودية والعمليات الزراعية وغيرها في سياسات بناء دولة يهودية صهيونية قوية تُعَدُّ مَحَطَّ جذب لليهود من كافة بلدان العالم. تُعَدُّ قضية المياه من المحددات الأساسية للسياسات والاستراتيجيات الإسرائيلية في علاقاتها مع الدول الإفريقية, ومن هنا سعت إسرائيل للتدخل سواء من الناحية السياسية أو الناحية الاقتصادية في سياسات دول الحوض النيل بما يحقِّق لها الحصول على المياه بالإضافة لإضعاف منافسيها في الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة دول الْمَصَبّ في حوض النيل وهما مصر أولًا ثم السودان. وبحسب دراسات، فإن إسرائيل قد لجأت إلى التدخل سياسيًّا في إثيوبيا؛ للتأثير على العلاقات المائية التي تربطها بدول الْمَصَبّ خاصةً مصر، وللتأثير على أمن مصر المائي والقومي, وبالرغم من ضعف العلاقات الإسرائيلية الإفريقية في الستينيات إلا أنَّ علاقات إسرائيل مع الدول الإفريقية بدأت تأخذ منحدرًا جديدًا مع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي, وقد اتضحت العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية بشكل كبير مع تولي زيناوي رئاسة الوزارة الإثيوبية، والذي كان معروفًا بمواجهته ومعارضته للسياسات المصرية في القضايا المائية والحقوق التي تدافع عنها باستمرار. ولقد عزَّزت إسرائيل علاقاتها السياسية مع إثيوبيا بما يضمن لها الوجود الفعَّال في المنطقة وبما يحقِّق مصالحها, واتضحت تلك التدخلات السياسية بشكل كبير مع تولي رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميلس زيناوي منصب رئيس الوزراء، والذي بدوره قام بزيارة إسرائيل في عام 2003م, ومِن ثَمَّ لحقته الزيارات من رؤساء الوزارة الإسرائيلية، وقد كان حينها سيلفان شالوم ومن بعده أيضًا نتنياهو والذي زار عدة من الدول الإفريقية ليصل للموافقة على كونه عضوًا مراقبًا في الاتحاد الإفريقي، بالإضافة لتبادل الزيارات بين كبار المسئولين من كلا الطرفين للدرجة التي أصبحت فيها كلٌّ من إثيوبيا وإسرائيل حليفتين متقاربتين تحقق كلٌّ منهما مصلحة الطرف الآخر. التدخل الصهيوني إن التدخل السياسي الإسرائيلي للتأثير على مياه النيل لا يُعَدُّ قضية حديثة مستجدة، بل موروثة على ممر السنين؛ حيث كانت الفكرة الصهيونية الأساسية لقيام إسرائيل تتمثل في بناء دولة قوية تمتد من النيل للفرات، مما يدل على أهمية البعد المائي بجانب البعد الجغرافي الذي تتمتع به إسرائيل, ومن بعدها ما جاء في ما قدَّمه هيرتزل، وهو من المؤسسين الأوائل للحركة الصهيونية والذي تفاوض مع اللورد كرومر لتحويل جزء من مياه النيل لسيناء؛ وذلك لتسكين اليهود فيها. كما أنه في أعقاب حرب يونيو اتضحت جليًّا السياسات الإسرائيلية التدخلية في إثيوبيا؛ للتأثير على توزيع مياه النيل بما يخدم مصالحها، واتضح هذا من خلال تصريح صرَّحت به جولدا مائير في أعقاب حرب 1967م بقولها: “إن التحالف مع إثيوبيا وتركيا يعني أكبر نهرين في المنطقة؛ إن النيل والفرات سيكونان في قبضتنا”…، وهي سياسات ثابتة لدى إسرائيل أفشلها أردوغان على الصعيد التركي، فيما يواصل دعمها السيسي بسياساته وخيانته المتواصلة لشعبه.