ظل معارضا لأكثر من 30 عاما، ترك خلالها عدة مناصب فى دولة القذافى.. ثم هاجر إلى الخارج ليكون عاملا مساعدا للمعارضة السرية فى الداخل، وظهر كمعارض دائم لقرارات القذافى وسياسته، وكتب عدة كتب تفضح ممارسات النظام وإفراغ الدولة من مضمونها، لكنه عاد بعد الثورة ليساهم بشكل كبير فى تشكيل المشهد السياسى بعدما تحولت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا -التى كان أحد مؤسسيها- إلى حزب سياسى. إنه المعارض السابق الدكتور محمد يوسف المقريف، أقدم معارضى القذافى، الذى اختاره أعضاء المؤتمر الوطنى العام رئيسا للمؤتمر فى الفترة المقبلة. وعلى الرغم من أن المقريف لم يقدم نفسه للناس ولا الناخبين على أنه إسلامى إلا أن أغلب المقربين منه يعرفون ميوله الإسلامية، وأنه مناصر قوى للمشروع الإسلامى، وهو ما جعل الإخوان المسلمين فى ليبيا يدعمونه فى جولة الإعادة التى كانت بينه وبين المعارض الليبرالى على زيدان. وينحدر المقريف من شرقى البلاد، وكان يتزعم الجبهة الوطنية للإنقاذ، وهى تشكيل سياسى تأسس فى المنفى وضم شخصيات معارضة للقذافى، وقد حصل فى انتخابات المؤتمر الوطنى العام على 113 صوتا مقابل 85 صوتا حصل عليها على زيدان، الشخصية المستقلة الليبرالية. ويعد المقريف -المولود فى 1940 فى بنغازى، كبرى مدن الشرق الليبى- من أقدم وأبرز وأشهر المعارضين لحكم العقيد معمر القذافى، وذلك منذ نحو 31 عاما؛ عندما أعلن انفصاله عن نظام القذافى احتجاجا على انتهاكات حقوق الإنسان، واعتراضا على سياسة تدمير مؤسسات البلاد التى كان يمارسها نظام القذافى. وشغل وظيفة أستاذ جامعى فى ليبيا، وتولى عدة وظائف إدارية وسياسية قبل إعلان معارضته لنظام القذافى، تخرج من كلية الاقتصاد والتجارة بالجامعة الليبية عام 1962 بتقدير ممتاز مع درجة الشرف الأولى، وعين معيدا بالكلية ذاتها، وأكمل دراسته العليا ببريطانيا عام 1971؛ حيث نال الدكتوراه فى مجال المحاسبة والمالية من جامعة لندن. وفى عام 1971 عين المقريف أستاذا جامعيا بكلية الاقتصاد بالجامعة الليبية (التى عرفت بقاريونس)، وتم اختياره عام 1972 رئيسا لديوان المحاسبة بدرجة وزير، وبقى فى هذا المنصب حتى عام 1977، ثم عين عام 1978 سفيرا لليبيا لدى جمهورية الهند. وفى عام 1980 قدم استقالته من منصبه كسفير فى الهند، وأعلن انضمامه إلى المعارضة الليبية، فى سعيها إلى الإطاحة بنظام القذافى وإقامة بديل وطنى دستورى ديمقراطى، وشارك المقريف فى 1981 فى تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وتم انتخابه أمينا عاما لها فى الأعوام: 1983، 1985، 1992، 1995. وبعد الثورة تحولت الجبهة إلى حزب سياسى ترأسه المقريف، وخاض به الانتخابات وفاز بالمقعد، ثم دفع به الحزب للترشح لمنصب رئيس المؤتمر الوطنى العام، وفاز بالمنصب بدعم من عدة أحزاب وأفراد مستقلين، وعلى رأسها كتلة العدالة والبناء التابعة لجماعة الإخوان المسلمين. وتعليقا على اختيار المقريف رئيسا للمؤتمر، قال مسئول الإخوان المسلمين فى ليبيا بشير الكبتى: نبارك للدكتور المقريف على المنصب، ونتمنى منه أن يكون رئيسا توافقيا، ونحن نعلم عنه كل خير، ونعلم جيدا أنه رجل وطنى خدم بلاده كثيرا، وهذا ما دفعنا لدعمه فى جولة الإعادة. وفى أولى جلسات المؤتمر الوطنى العام ظهر المقريف كشخصية توافقية لا يميل لتيار على حساب تيار آخر، وقدم الشكر لكل من سانده، داعيا الجميع إلى أن يكونوا على قدر المسئولية، مؤكدا أن عصر حكم الفرد قد انتهى. وأكد -رئيس المؤتمر الوطنى العام، فى أول كلمة له بعد فوزه بالمنصب- أنه سيكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف، مضيفا: من أهم واجباتى أن أكون بعيدا عن كل الاعتبارات السياسية والقبلية. وأشار إلى أنه من الطبيعى أن يكون هناك اختلاف فى وجهات النظر، لكن يجب أن نجعل من هذا التباين مصدر ثروتنا، وأن نحسن التشاور وتبادل الرأى للوصول إلى القناعات المشتركة التى تخدم المصلحة العليا للوطن. وبهذه التصريحات أكد المقريف أنه شخصية مستقلة -رغم ميوله الإسلامية- ولن يقدم أحدا على حساب أحد، وهو ما تحتاج إليه المرحلة الراهنة فى ليبيا، حيث أمام هذا المؤتمر مهام جسام فى مدة لا تتجاوز العام، ومنها: تشكيل حكومة جديدة، ووضع دستور للبلاد، وإجراء انتخابات برلمانية، بالإضافة للملفات الدائمة، ومنها ملف المصالحة الوطنية، وجمع السلاح، وإعادة الإعمار، وتنظيم ملف العمالة، وغيرها من الملفات التى تتطلب من المقريف ورجاله أن يكونوا يدا واحدة.