وددت أن انتقد أداء المنتخب الأوليمبي في بعد أول مباراتين لكني أيقنت أن نقدي سيضيع سدى بعدما يلعب الفريق المباراة الثالثة ويتألق، وذلك لأنني أعرف جيدا أن الكرة المصرية تسير على جملة أحمد عدوية الخالدة "حبة فوق.. وحبة تحت". هذه الجملة دفعتني للتراجع عندما هممت لكتابة المقال، فشغفي بالكرة المصرية منذ نعومة أظافري يؤكد لي يوما بعد يوم أن ثبات مستوى فريق واحد، منتخبا كان أو ناديا، لمباراتين أو ثلاثة على التوالي يعد دربا من الخيال. فالفريق الذي يقدم لك مباراة رائعة يوم السبت، قد تراه فريق مدارس يوم الأربعاء مثلا، بالطبع هناك استثناء لما أقوله، ولكنكم قد تتفقون معي أن هذا هو السائد في الكرة المصرية. وقد يربط البعض بين عنوان المقال ومقالي السابق "الدنيا زي المرجيحة"، نعم فالفكرة واحدة تقريبا، لقد شبهت في الأولى تعامل الإعلام الرياضي للأحداث بالمرجيحة، لكن هذا حال أغلب جوانب الكرة المصرية عموما. وهذه المرة أتحدث عن تذبذت مستوى الفرق بين مباراة وأخرى. أمثلة استمرار الفريق في لعب مباريات متتالية بشكل مميز تعد شحيحة مقارنة بالمثال الذي ذكرته، فتذبذب المستوى أمثلته لا تعد ولا تحصى، وأخرها كان أداء صغار الفراعنة في المغرب. فبالكاد أتذكر مستوى الأهلي موسمي 2004-2005، و2005-2006 عندما حافظ على سجله خاليا من الهزائم طوال الموسمين عدا مباراة واحدة كانت أمام الصفاقسي التونسي في دوري أبطال إفريقيا. غير ذلك فالأهلي نفسه مستواه متذبذب بشكل واضح طوال المواسم الخمسة الأخيرة، والأمر نفسه ينطبق على الزمالك، وبقية فرق الدوري. على صعيد المنتخبات، لا أتذكر أن منتخبا قدم مستويات مبهرة بشكل مستمر لفترة طويلة سوى منتخب شباب 2001 بقيادة شوقي غريب والذي استمر كمنتخب أوليمبي لفترة وحقق فشلا ذريعا في تصفيات الاوليمبياد. أما المنتخب الأول، فقلما وجدناه ثابت المستوى لفترة سوى في بطولات إفريقيا الثلاث التي فزنا بها، رغم أنها شهدت بعض التفاوت في المستوى من مباراة إلى أخرى. ويشهد كل مشوار تصفيات يخوضه أي فريق أو منتخب مصري أسمى درجات التفاوت في المستوى، فكلنا لم ينس مباريات الفراعنة أمام منتخبات مغمورة مثل بنين ومالاوي و"كشري ستان" في تصفيات بطولات مهمة مثل كأس العالم وكأس الأمم الإفريقية. مباريات شخصية أدرك أن اللاعبين يتعرضون لضغوط مختلفة، لكنها 90 دقيقة لا أكثر ولا أقل، و11 لاعبا مقابل 11 أخرين أيضا، ورغم اعترافي بأن كل مباراة لها معطياتها وظروفها الخاصة، لكني لا أجد مبررا للتذبذب بسبب أن التشكيل نفسه لا يتغير عن المباراة التي سبقتها سوى في لاعب أو أثنين. وبالعودة للحديث عن المنتخب الأوليمبي الحالي الذي بعث الملل لكل ما تابع مباراته الأولى، ثم بعث الإحباط لمتابعي لقاء كوت ديفوار بسبب تدهور المستوى، قبل أن يظهر وجها مغايرا أمام جنوب إفريقيا. لا أود التحدث عن الأداء الفني للمدرب الشاب هاني رمزي، فلن أتناول تغيير التشكيل المستمر في المباريات الثلاث أو خططه التكتيكية، لكني تعجبت بشدة من أتفاق رمزي ولاعبيه عقب الفوز على الجابون بهدف وسط أداء باهت على أن هذا المستوى سببه عدم دخول المنتخب في أجواء البطولة بعد. وذلك لأن هناك فرق ومنتخبات مصرية تدخل البطولات المجمعة بقوة وتحقق نتائج مبهرة في مرحلة المجموعات، قبل أن تخرج خالية الوفاض من الأدوار التالية، على عكس ما يقولون. ولم أكن أرغب في التطرق للتحدث عن اللاعبين بالأسماء، ولكن هناك عامل واضح لتذبذب مستوى الفريق وهو دخول بعض اللاعبين البطولة بحسابات شخصية مختلفة، فيصبحون في مباراة شخصية وينسون مباراة المنتخب. فهناك من يرغب في إثبات ذاته أمام عيون ناديه الذي يتركه على مقاعد البدلاء، وأخر يريد أن يرسل للجميع رسالة مفادها أنه يستحق اللعب في ناد أكبر، وثالث يشعر بنجوميته ما يظهر في مرواغات مبالغ جدا فيها. أخر يُتهم بالأنانية، فيقرر أن يمرر كل كرة تصل إليه، وغيره يطالبه الجماهير بالتريث فيصبح أبطئ لاعب في أرض الملعب تصرفا في الكرة. ويثبت ذلك أن الذين دخلوا البطولة بأذهان صافية لأنهم يلعبون في أنديتهم بانتظام وراضون عن مكانتهم ولا يتفلسفون في الكرة، أظهروا مستويات مميزة مع الفراعنة في البطولة. التمسك بالفرصة وإذا كان المنتخب قد وصل ل75 % من أهدافه التي جاء من أجلها للبطولة بضمان مقعد في نصف النهائي، فعليه الآن ألا يفرط في الفرصة بعد صعود المستوى لدرجة جيدة، وإن لم تكن ممتازة. ملاقاة المغرب بين جماهيره في نصف النهائي قد تؤجل حلم الفراعنة في العودة إلى الأوليمبياد حتى مباراة الثالث والرابع، أو حتى المباراة الفاصلة مع نظيره من آسيا، فنظام البطولة يقضي بصعود أول ثلاثة فرق إلى الأوليمبياد مباشرة، فيما يلعب صاحب المركز الرابع مع ممثل آسيوي من أجل بطاقة أخيرة. هذه المباراة الهامة لا تقبل أي تذبذب في المستوى ولا تتحمل المواقف "البايخة" التي يقع فيها لاعبينا المصريين في بعض الأحيان. فمنتخب شوقي غريب بعد أن وصل نصف نهائي كأس العالم عام 2001 خسر بهفوتين أمام فريق إفريقي لا يزيد عنه في شيئ، وهو المنتخب الغاني. وطالما كانت الفرصة لدينا لقطع تأشيرات السفر إلى إنجلترا في الصيف المقبل، فلما لا نعض عليها بيد من حديد، فمنتخب المغرب سقط وسط جماهيره على يد السنغال، ولم يقدم ما يشفع له بضمان عبور الفراعنة. فقط أتمنى أن يفصل اللاعبون والجهاز الفني بين ردود الأفعال المبالغ فيها عقب مباراة جنوب إفريقيا على صفحات الجرائد والمواقع وفي برامج التحيليل وبين أرض الواقع قبل ملاقاة المغرب. فالواقع يقول.. إن من يصب كل تركيزه على الفوز ولا شيئ غيره، قد يحققه بقليل من التوفيق.. وأن من يبخل بالجهد والعرق يخسر حتى ولو جاء ب"مارد الكدواني" ليساعده.