من المفارقات في لقاء الزمالك والشرطة أن فريق حسام حسن فاز حينما منعه فريق طلعت يوسف من استخدام أسلوبه المفضل وهو الكرات الطولية، فلجأ مجبرا إلى طريقة أخرى وضح أنها أكثر تأثيرا وفعالية. والزمالك منذ فترة ليست بالقصيرة يعتمد على الكرات الطولية من الخط الخلفي –محمود فتح الله أو محمد عبد الشافي – في اتجاه منطقة جزاء المنافس، في محاولة لتوصيل الكرة بأسرع وسيلة إلى رأس أحمد جعفر أو عمرو زكي مؤخرا. ولم تمنح هذه الوسيلة الزمالك ميزة كبيرة، خاصة بعدما فهمها معظم مدربي الدوري الممتاز، وباتوا يعدون دفاعهم على التعامل مع الكرات الطولية العالية مع فرض رقابة رجل لرجل على شيكابالا نجم الزمالك الأول وصاحب الحلول الفردية. وبالفعل، فشل الزمالك في التسجيل من هذه الكرات في جميع لقاءاته الأخيرة باستثناء هدف محمد عودية في المقاولون العرب وجاءت من تنفيذ جيد لركلة ثابتة. لماذا الطوليات؟ ولماذا تفشل؟ يعتمد حسام حسن على هذا الأسلوب لأنه لا يجد في لاعبيه الحاليين واحدا يستطيع القيام بدور لاعب الارتكاز بمفهومه الحديث Holding Midfielder، أي الذي يجيد الضغط الدفاعي في منتصف الملعب لاستخلاص الكرات وفي الوقت نفسه يستطيع توزيع تمريرات دقيقة والقيام بالزيادة الهجومية. لهذا كان حسام حسن يرغب بشدة في ضم حسام غالي، الذي قال في تصريح هذا الموسم إنه كان سيظهر بشكل مختلف تماما لو اختار الانضمام للزمالك، فهو يراه لاعب لديه شراسة دفاعية للضغط وفي الوقت نفسه لاعب صاحب مهارات كبيرة في الاستلام والتمرير، ما يستطيع معه ربط خطوط الفريق. وبالتالي فإن المدير الفني للزمالك قرر اللجوء إلى الكرات الطولية من اللاعبين أصحاب الدقة العالية في التمريرات من الخط الخلفي، وربما يكون هذا الإصرار على لعب الكرات الطولية في القلب ولرأس الحربة هو سبب فشلها. وقد يقول أحدهم إن هذه الكرات يجب أو تتجه إلى اللاعب القوي بدنيا، صاحب القدرات على اللعب في الهواء، والذي يمكنه بعد ذلك توزيع الكرات على القادمين من الخلف باعتباره "محطة" لعب. ولكن الفيديو السابق يظهر أن جعفر أو حتى زكي لم يستطعا تكوين هذه المحطة، بل يقاتلان لمجرد الحصول على الكرة التي غالبا يستقبلانها وظهرهما إلى مرمى المنافس فيما يكون المدافع المكلف برقابة أي منهما في وضع أفضل للرقابة والتشتيت لأن وجهه إلى منتصف الملعب. ما الحل؟ فرق كثيرة لاتزال تعتمد على الكرات الطولية، ولكن يتم تنفيذها بطريقة مختلفة تماما عن توجيهها إلى رأس المهاجم المتواجد في المنطقة، فبدلا من ذلك يتم إرسال الكرات الطولية على الأجنحة بدلا من قلب الملعب. ويفسر المحللون والمدربون اللجوء إلى هذه الطريقة باعتبارها تعطي المهاجم فرصة لأنه يستطيع بعد ذلك استقبال الكرة العرضية بزاوية أفضل من على الجناح ووجهه للمرمى فيما يكون وضع المدافع أصعب لأن وجهه هو الأخر لمرماه وليس إلى منتصف الملعب. ويصبح هنا الشغل الشاغل هو كيفية إفساح مساحة انطلاق لأحد الأجنحة كي ينطلق من منتصف الملعب فيما يتلقى الكرة الطولية من الخط الخلفي أو من ارتكاز وسط الملعب على أحد الجانبين، ومن ثم يستطيع إرسال تمريرة ثانية عرضية إلى المهاجمين. وقد أمدني الزميل حلمي حلمي بفيديو لأحد لاعبي فريق الاحتياط reserves في ليفربول اسمه فيرنانديز سوسو، سيكون أحد أفضل نجوم الدوري الإنجليزي بسبب قدرته المدهشة على التمرير الطولي والعرضي الدقيق. ويرسل سوسو هذا عددا لا نهائيا من الكرات الطولية كل مباراة، 90% منها على الأجنحة وليس إلى رأس الحربة، الذي يتخذ وضعا مناسبا للتسجيل فيما بعد حينما يستقبل الكرات العرضية. ويمكنك مشاهدة نماذج لتمريرات سوسو هذه، ولكن مع التركيز على الهدف الذي يبدأ في الثانية رقم 52 وحتى 1:01 لتوضيح الفكرة السابقة بشكل عملي وبسيط، ثم استعراض كافة كراته الطولية التي دائما ما تتجه إلى الأجنحة وليس قلب الملعب. كيف أوقفها الشرطة؟ في مواجهة الزمالك والشرطة، قرر المدير الفني المحنك طلعت يوسف قتل الطريقة مبكرا، وكانت خطته تعتمد على الضغط على لاعب الخط الخلفي للزمالك، ومن ثم يجبرهم على إرسال كرات طولية غير دقيقة، أو اللعب على الكرات القصيرة الأرضية، ما يعطي لاعبيه فرص أكثر لاستخلاصها في الثلث الدفاعي للزمالك. فإذا أرسلوا كرات طولية غير دقيقة، فذلك يعني سهولة الحصول عليها من لاعبي الشرطة .. وإذا خسروها على الأرض في الثلث الدفاعي، فهو أمر يسهل من مهمة لاعبي هجوم الشرطة في تهديد مرمى عبد الواحد السيد. ونجح ضغط يوسف كثيرا طوال الدقائق ال45 الأولى، التي شهدت هدفا للشرطة وفرصتين محققتين أنقذهما المخضرم عبد الواحد، فيما فشل الزمالك في صناعة ولو فرصة واحدة يتذكرها الجمهور في اللقاء. ومع الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول، جاء ظهور هاني سعيد ليحل هذه المعضلة. فاللاعب صاحب الخبرات الكبيرة والكلمات القليلة دخل ليعيد سيطرة الزمالك على منتصف الملعب الهارب تماما منه دفاعيا، والقيام بمهمة نقل الكرات من المضغوط عليهم خلفا إلى المهاجمين المنتظرين أماما. وعلى الرغم من مواصلة الشرطة الضغط في الدقائق الخمس الأولى من الشوط الثاني، فإن دخول هاني سعيد أجواء المباراة أعاد للزمالك بعض التوازن، ونجح من خلال خبراته وتمريراته الدقيقة والأماكن الجيدة التي يأخذها حول دائرة المنتصف في منح متنفس للفريق الأبيض. هاني سعيد لن يلقى الإشادة التي يستحقها بعد المباراة لأن الجميع الآن يركز على مهارة شيكابالا في تسجيل الهدف الأول ومجهوده في صناعة الثاني – وهذا حقه بالطبع، خاصة مع تألقه الدائم أمام الشرطة. ولكن لولا دخول هاني لما وجد الزمالك إيقاعه أبدا في هذه المباراة، وربما خرج طلعت يوسف بنقاط المباراة أو على الأقل واحدة منها بسبب أسلوبه العبقري في الضغط والذي يمكنك مشاهدة لمحات منه في الفيديو الأتي: