ظهر ديزيري دوي حزينًا وقت استبداله خلال لقاء أرسنال في مرحلة المجموعات من دوري أبطال أوروبا بعد 64 دقيقة، لكن في النهائي ضد إنتر كان حاسمًا بتسجيل ثنائية وصناعة هدف، وضعت ذات الأذنين في أيدي باريس سان جيرمان لأول مرة في تاريخه. ديزيري دوي هو حديث الساعة في العالم بعدما ساهم ابن ال19 عامًا في تتويج باريس سان جيرمان باللقب الأغلى والمنتظر طيلة سنوات عديدة. إذا تمت ترجمة الاسم بشكل حرفي، فيعني "الموهوب المرغوب"، وبالفعل دوي الموهوب حقق المرغوب بشكل مبكر للغاية. بين أكتوبر حيث لقاء أرسنال ومايو حيث لقاء إنتر، تحوّل باريس سان جيرمان من فريق على أعتاب الخروج المبكر من دوري الأبطال بنظامه الجديد إلى حصد اللقب، بعدما احتل المركز ال15 في ترتيب مرحلة المجموعات. العودة ضد مانشستر سيتي ساهمت في ضمان التأهل، ثم رحلة إنجليزية في الأدوار الإقصائية ضد ليفربول، ثم أستون فيلا، وأخيرًا أرسنال، انتهت بتتويج مثالي بخماسية مدوية. لكن لنعد مجددًا، حيث انضم دوي مقابل 50 مليون يورو من ستاد رين إلى باريس سان جيرمان في الصيف الماضي، لمحاولة تعويض رحيل كيليان مبابي إلى ريال مدريد في صفقة انتقال حر. موهبة واعدة ظهرت في الدوري الفرنسي، سجلت 4 أهداف في 31 ظهورًا في الموسم الماضي، كما صنع 27 فرصة من لعب مفتوح لزملائه. ومع انتقاله لباريس سان جيرمان، فهو من بين أكثر اللاعبين صناعة للفرص في الدوري الفرنسي، بمتوسط 2.6 فرصة كل 90 دقيقة. في الموسم الماضي، كان دوي يُكمل 3.54 مراوغة ناجحة في المباراة الواحدة، وهو أكثر مما فعله مبابي، كما كان متوسط تمريراته التي انتهت بتسديدة في المباراة 4.87 لكل 90 دقيقة، وهو أكثر من مبابي ومُقارب لفيل فودين ورافائيل لياو وإيبيريتشي إيزي، وكل ذلك بفضل قوته البدنية. وهو أول لاعب مولود في 2005 يسجل هدفًا في الدوري الفرنسي، كما كان أصغر لاعب يسجل ويصنع هدفًا في مباراة واحدة بالدوري الفرنسي بعمر 17 عامًا و243 يومًا. فقال عنه برونو جينيسيو، مدربه في رين آنذاك: "في كل مرة يشارك فيها، يُضفي طاقة وحماسًا كبيرين". توقعات كادت تنتهي سريعًا بدأ دوي مع فريق رين بعمر صغير، فقال ماثيو لو سكورنيه لموقع "Football Talent Scout": "أظهر موهبة كبيرة، لدرجة أن رين خالف سياسة استقطاب الشباب ليحصل عليه. عادةً، لا يتعاقد النادي مع أي لاعب دون التاسعة، لكنهم ببساطة لم يستطيعوا انتظار دوي". وأوضح فلورن بورسي، أحد مدربيه في فريق الشباب: "كان دائمًا يجيد اللعب بالكرة، وكان بالفعل في قمة تألقه من حيث المهارة. يُلاحظ ذلك سريعًا عندما يمتلك طفل صغير هذه القدرة الهائلة على التحكم، فيلفت الأنظار". وأثناء اللعب لفريق تحت 11 عامًا، فكر دوي في ترك كرة القدم، والسبب؟ أن مدربه قرر إشراكه في مركز قلب الدفاع، وهو ما لم يعجبه. ووفقًا لماهو دوي، والد اللاعب الشاب، عبر إذاعة راديو مونت كارلو، فكان الصبر هو الحل بالانتظار من أجل العودة مجددًا لقيادة هجوم الفريق، وهو ما حدث. في الأساس، ينشط دوي وسط عائلة رياضية، شقيقه الأكبر جويلا (22 عامًا) ينشط في مركز الظهير الأيمن لستراسبورج، وابن عمه يان جبوهو صانع ألعاب في تولوز. صاحب الأصول الإيفوارية لعب لمنتخب فرنسا بعدما ظهر لأول مرة في الفوز على كرواتيا بربع نهائي دوري الأمم الأوروبية شهر مارس الماضي، بينما شقيقه يلعب لكوت ديفوار بالفعل. الشقيقان دوي وجويلا تربيا في رعاية والدهما ماهو، الذي أعد لهما تدريبات مختلفة خارج نادي رين، الذي بدأ الثنائي فيه. جذب ديزيري الأنظار سريعًا في رين، واهتمت فرق أرسنال وتشيلسي ومانشستر يونايتد ونيوكاسل بالحصول على خدماته، حتى أن بايرن ميونيخ كان سعيدًا بإمكانية دفع ما يصل ل60 مليون يورو من أجل ضم اللاعب، لكنه فضل الانتقال إلى باريس سان جيرمان. جوليان لوران، المحلل الفرنسي، صرّح من قبل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "دوي موهوب للغاية، قوي ذهنيًا وبدنيًا، في باريس سان جيرمان يقولون إنه يشبه لاعبي الرجبي لأن عضلات الجزء السفلي من جسمه قوية للغاية". وأكمل: "يعرفون في باريس أنه سيأخذ وقته ليكون مستعدًا، لويس إنريكي صرّح أنه سعيد بالتعاقد معه، وأنه لاعب أراده، هم يعلمون بأنه بحاجة لنصف موسم أو موسم، لكنهم مستعدون للانتظار إذا لزم الأمر". وواصل: "في باريس سان جيرمان، كانوا منبهرين بعمله في صالة الجيم والجانب البدني له". شبكة ذا أثليتك سبق أن شبّهت الفرنسي بواين روني وقت تألقه بعمر صغير مع إيفرتون، بفضل بنيته الجسدية القوية التي تمكنه من اللعب تحت ضغط، والتغلب على الخصوم بالمراوغة والتسديد بكلا القدمين. يطلب النصيحة والرجل الأول سبق أن صرّح برونو جينيسيو، المدير الفني لرين، قائلًا عنه: "خارج الملعب، هو لاعب هادئ وسهل ويمتلك مقومات القيادة، وفي نفس الوقت يطلب النصيحة، إنه دقيق في عمله، وهو بالفعل محترف على المستوى الذهني". ظهر دوي لأول مرة مع منتخب فرنسا تحت 17 عامًا في 2022، وفاز باللقب آنذاك رفقة وارين زائير إيمري وماتيس تيل. وأشاد مدربه خوسيه ألكوسيه في منتخب فرنسا للناشئين بما قدمه في البطولة: "ديزيري يقرأ المباريات ببراعة، وهو هادئ ومرتاح في الملعب. يتمتع بشخصية قوية، لكنه كثيرًا ما يطلب النصائح لتحسين أدائه، ويتمتع بعقلية احترافية". سجل هدفين ضد بولندا في الفوز 6-1، الأول من ركلة جزاء، والثاني من ركلة حرة مباشرة. ثم صنع هدفًا في الفوز على هولندا في النهائي، مساهمًا في التتويج باللقب. بيير إيتيان مينوزيو، الصحفي بصحيفة "ليكيب" الفرنسية، قال عن دوي: "دوي وُلد في 2005، وفي فرانس فوتبول، كان الكل يقول إن أفضل لاعب وُلد في فرنسا عام 2005 هو ماتيس تيل، والآن يلعب في توتنهام". وواصل: "في هذا الجيل، لم يتم ترشيح دوي، لأنه كان أقل مهارة من تيل، لكن مع التقدم في العمر، القدرات الذهنية تُحدث الفارق، ودوي أظهر قدرات ذهنية كبيرة". وتابع: "الكل ظن أن في هذا الجيل سيكون تيل هو الرجل الأول، لكن الحديث الآن عن دوي". بداية بطيئة بعد عامين من التتويج الأوروبي، تواجد دوي على مقاعد البدلاء، وشارك في الخسارة من إسبانيا في نهائي أولمبياد باريس 2024 تحت قيادة تيري هنري. ساهمت الأولمبياد في بداية بطيئة لدوي مع باريس سان جيرمان، بعدما غاب عن أغلب الفترة التحضيرية للنادي. أوضح لورين دور، والد دوي، قائلًا: "هو مؤثر جدًا في حياة دوي، بعض العائلات تظن أن نجلها سيكون كريستيانو رونالدو، لكنه يتحلى بالواقعية". وتابع: "بعد مباراة أرسنال، رأى أن نجله ليس مستعدًا لتلك الخطوة الكبيرة، أدركوا بأن هناك الكثير من العمل من أجل أن ينضج، كانوا واقعيين بشأن ما عليه فعله، كان الأمر مثيرًا للإعجاب". انتظر دوي حتى ديسمبر ليسجل أول أهدافه مع باريس سان جيرمان، وجاء في الفوز بنتيجة 3-0 على ريد بول سالزبورج النمساوي. قال دوي عقب الفوز على سالزبورج بعد اختياره رجل المباراة: "لا أقول إنها كانت ليلتي، بل كانت ليلة الفريق بالأساس، نواصل سلسلة نتائجنا الجيدة. حققنا الفوز في آخر مباراة بدوري أبطال أوروبا، وهو أمر بالغ الأهمية". انضمام دوي جاء بعد عام من رحيل نيمار وليونيل ميسي عن باريس سان جيرمان، لكنه يدين لهما بالفضل، فسبق أن صرّح من قبل: "نشأتُ مع قدوتين: نيمار وليونيل ميسي. تعلمت منهما الكثير. كانا لاعبين في قمة مستواي عندما كنت مراهقًا. لقد جعلاني أحلم". التقدم في مارس تأخر هدف دوي الأول في حديقة الأمراء حتى مارس الماضي، لكنه انفجر بعدها، فسجل 9 أهداف وصنع 6، أي 15 هدفًا، وهو نفس رصيد مساهماته في ثلثي الموسم الأول. انتهى الموسم، وساهم دوي في 31 هدفًا خلال 54 مباراة بجميع المسابقات هذا الموسم، كثالث أكثر من ساهم هجوميًا للفريق بعد عثمان ديمبيلي وبرادلي باركولا. ربما واحدة من أكثر مميزات دوي هي قدرته على اللعب في أكثر من مركز، فوفقًا لموقع "أوبتا أناليست"، فإنه لعب في 5 مراكز هذا الموسم تحت قيادة لويس إنريكي. 39% من عدد الدقائق التي خاضها هذا الموسم جاءت كلاعب وسط، يليها اللعب كجناح أيمن بنسبة 29%، و13% كجناح أيسر، و10% كمهاجم. في الموسم الحالي، صنع دوي 54 فرصة محققة بالدوري الفرنسي، جاءت منها 6 تمريرات حاسمة، وفي دوري الأبطال صنع 3، منها هدف النهائي الأول لصالح أشرف حكيمي من أصل 17 فرصة محققة. في دوري الأبطال، سجل دوي 6 أهداف من أصل 33 تسديدة، رغم أن متوسط الأهداف المتوقعة له 3.3، أي أنه سجل ضعف المتوقع منه. وفي نهائي دوري الأبطال، شارك دوي في النهائي كأصغر لاعب فرنسي يشارك بعمر 19 عامًا و362 يومًا، وأصبح أصغر لاعب في تاريخ نهائي دوري الأبطال يسجل ويصنع. كما بات أول لاعب منذ كريستيانو رونالدو يساهم بهدفين في النهائي منذ 2014، عندما قاد رونالدو ريال مدريد للفوز على أتلتيكو. لكن بفضل تسجيل الهدف الثالث، أصبح أول لاعب في تاريخ دوري أبطال أوروبا يساهم بثلاثة أهداف في المباراة النهائية. قال دوي بعد أكبر فوز على الإطلاق يحققه أي نادٍ في النهائي: "ما حققناه اليوم كان مذهلًا. لقد صنعنا تاريخًا كرويًا فرنسيًا وأوروبيًا، وأنا سعيد جدًا بسير الأمور هذا الموسم". وتابع: "كنت بحاجة إلى بعض الوقت للتأقلم مع اللعب مع باريس سان جيرمان، لكن لدي زملاء رائعين بجانبي، وهذا يساعدني على التحسن كل يوم". جيمس هورنكاسيل، الصحفي بشبكة ذا أثليتك، لخّص كل ما سبق، قائلًا عقب النهائي: "ساهمت تمريرات دوي الحاسمة وأهدافه في فوز فريقه باللقب الأوروبي لأول مرة. هذا أهم من أي شيء آخر. لكن دوره في هذا الإنجاز التاريخي يأتي في سياق محدد، فقد أمضى العام يتألق تدريجيًا، مع وصوله إلى ذروته النهائية في ميونيخ، في أكبر مباراة للأندية على الإطلاق". أصبح دوي حديث الساعة الآن بعد التتويج بلقب دوري الأبطال، والفوز بجائزة أفضل لاعب في النهائي، ويمتلك فرصة للبرهنة على تطور مستواه حال توج بلقب جديد، وهو كأس العالم للأندية بعد أسبوعين من الآن.