اعتاد المصريون مع اقتراب ذكرى ثورتهم الأولى فى 25 يناير من كل عام استقبال قدر كبير من السخائم والأفكار المريضة سابقة التجهيز، فى صورة مقالات ومداخلات تليفزيونية وحوارات صحفية، كلها تهاجم فورة الشعب وثورته على الاستبداد وانعدام الكرامة والعدالة الاجتماعية، التى كانت السمات الأساسية لعصر «مبارك». تلك الهجمات تنكر على المصريين فضل الثورة من أجل التغيير واسترداد وطنهم الذى استباحه «مبارك» وحزبه ورجال أعمال ولجنة سياسات الوريث الذى كان يتم تجهيزه لولاية العرش، كأن مصر تركة يتوارثها أبناء «مبارك». وقد طلعت علينا منذ أيام السيدة لميس جابر بحوار فى صحيفة «الوطن»، وهى التى كانت أقسمت يوم العاشر من يناير 2016 على احترام الدستور، باعتبارها عضواً معيناً فى مجلس النواب، التى ما كانت تحلم بعضويته لولا 25 يناير. ونسيت السيدة لميس، أو تناست أن الدستور الذى أقسمت على احترامه، والذى آمل أن تكون قد قرأته، يُسجل فى ديباجته أن «ثورة 25 يناير - 30 يونيو، فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التى قُدّرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق» إلى أن يؤكد الدستور «أن هذه الثورة إشارة وبشارة، إشارة إلى ماضٍ ما زال حاضراً، وبشارة بمستقبل تتطلع إليه الإنسانية كلها». أفلا يجدر بالسيدة لميس أن تتقدّم باستقالتها من مجلس النواب هى ومن يشاركونها ذات العداء لثورة الشعب فى 25 يناير، طالما أنها وهم لا يعترفون بالدستور! وتزيد السيدة لميس فى هجومها على الثورة التى خلّصت مصر من استبداد طال ثلاثين عاماً، إذ تقترح «إلغاء شهر يناير، لأنه أصابنى باكتئاب».. وتضيف قولها «لا توجد ذكرى لثورة تأتى كل عام، تنكد عليك عيشتك».. «وفى نفس الوقت تتغنّى بفضل مبارك الذى تقول عنه أنه (مصرى محارب)»، وهو الذى ثار عليه الشعب وأجبره على التخلى عن منصبه بعد ثمانية عشر يوماً خالدة عاشها المصريون فى حالة نقاء ثورى حقيقى. إن مشكلة أعداء ثورة الشعب فى «25 يناير»، ومن ينكرون أنها كانت انتفاضة شعبية بامتياز، أنهم يخلطون -عن جهل أو عن عمد- بين أهداف الثورة والنقاء الثورى لملايين المصريين الذين لم يغمض لهم جفن حتى أسقطوا الطاغية وزبانيته، وبين الجماعة الإرهابية والانتهازيين الذين تآمروا على ثورة الشعب وسرقوها لتحقيق أهدافهم غير الوطنية، واستعانوا واستقووا فى ذلك بدول وتنظيمات خارجية لم تكن -ولا تزال- تريد الخير لمصر وشعبها. إن ما شاب ثورة الشعب من أحداث خرجت بها عن سياقها، لا يسأل عنها المصريون الشرفاء، بل خطط لها وشارك فيها جماعة الإرهاب وحليفتها حركة «حماس»، واستفاد منها الذين ركبوا الموجة، مدعين بغير حق أنهم مفجرو الثورة. وما كان اقتحام أقسام الشرطة والسجون وتهريب «مرسى» وجماعته من سجن وادى النطرون إلا بفعل تخطيط ومن تنفيذ جماعة الإرهاب التى أسقطها الشعب فى الثلاثين من يونيو، مسترداً ثورته ومصححاً مسيرتها. وفى ردها على سؤال: كيف تصفين ثورة 25 يناير بأنها مؤامرة.. مع اعتراف الرئيس عبدالفتاح السيسى بها؟، وقعت النائبة فى خطأ جسيم، وهى التى أقسمت اليمين على احترام الدستور والقانون، والتى شرُفت باختيار الرئيس السيسى لها ضمن المعينين فى مجلس النواب: «أنا لست فى موقع سلطة، فمن فى السلطة تكون له حساباته (أنا لسانى متبرى منى أصلاً)، ولا أستطيع أن أقول إلا ما أنا مقتنعة به، وأى شىء غير مقتنعة به لا أقوله، واحتمال أن السيسى له رؤية فى أن يكسب بعض الشباب اللى مقتنع أن 25 يناير ثورة، وخطاب من فى موقع الرئاسة يكون مختلفاً عنى، ولا يوجد رئيس يمكن أن يتحدث مثلما تتحدث الأغلبية والمعارضة، فلا بد أن يكون خطابه متوازناً». وأعتقد أن هذا القول فى حاجة إلى تعقيب منى، وأترك التعقيب للسيد الرئيس! لقد جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، لتكون اللحظة الفارقة والفاصلة فى تاريخ مصر، حين أسقط الشعب نظاماً فاسداً مستبداً طالما جاهد المواطنون الشرفاء لفضح سلبياته، مطالبين بالتغيير الديمقراطى والإصلاح السياسى والدستورى، لإقامة العدالة الاجتماعية وسيادة القانون. كما كانت ثورة الخامس والعشرين انتفاضة شعبية على فشل نظام «مبارك» فى تحقيق تنمية حقيقية وتغافله عن الاهتمام بالتنمية الصناعية والزراعية، فضلاً عن إهدار القلاع الصناعية المصرية وانهيار الزراعة، وتفاقم الآثار الاقتصادية والمجتمعية الضارة الناشئة عن التركيز على المضاربات فى الأراضى والعقارات وسوق الأوراق المالية والتوسُّع فى الاستيراد وتجارة السلع الاستهلاكية الاستفزازية وبرنامج الخصخصة الذى أهدر ثروة الشعب. ويقيناً فإن ما كانت -ولم تزل- تعانيه مصر من مشكلات وما يلاقيه شعبها من عنت ومشقة فى محاولة العيش الكريم هو محصلة ونتاج الحكم غير الديمقراطى طوال عصر «مبارك» وما سبقه من نظم الحكم الشمولى التى كانت سماتها الأساسية غياب الديمقراطية وتغييب الدستور. وكان واضحاً أن البناء السياسى فى ذلك العهد السيئ قد عجز عن مواكبة التغيرات التى نشأت بحكم ثورة الاتصالات وما تبعها من ثورة التوقعات. أيها المصريون افتخروا بثورتيكم فى 25 يناير و30 يونيو، وانظروا إلى شعوب كنتم أسبق منها فى العلم والتقدم، وعليكم الآن، ليس فقط اللحاق بهم، بل السبق إلى مستقبل يقوم على الديمقراطية والمواطنة وسيادة القانون. ولا تلتفتوا إلى اللغو الذى يتجرّأ به البعض عن «25 يناير»، فإن للثورة رباً يحميها.. وشعباً بدمائه يفديها.. حمى الله مصر. وختاماً، أتمنى على السيد رئيس مجلس النواب عرض مجموعة النواب الرافضين لثورة 25 يناير على لجنة القيم بالمجلس، لتُقرر مدى صحة عضويتهم واتخاذ القرار المناسب الذى يعفى المصريين من وجودهم فى مجلس تشريعى لا يحترمون الدستور الذى نشأ فى ظله، وينكثون بالقسم الذى اشترط الدستور أن يؤدوه قبل أن يباشروا عملهم كنواب عن الشعب.