لقد أحسن سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى صنعاً عندما دعا إلى حوار وطنى شامل للوصول إلى السلم الاجتماعى الكامل فى المجتمع المصرى، وانطلاقاً من مسئوليتى الدعوية والفكرية والوطنية وتجاوباً مع دعوة سيادته، وتزامناً مع بدء فترة رئاسية جديدة، أكتب هذا المقال حول بعض النقاط التى تهم الأسرة المصرية وتعالج ثغرات فى هيكلها الأخلاقى والوطنى. والأسرة المصرية عبر التاريخ، عاشت حول ضفاف نهر النيل، بملامح وقيم متميزة أخلاقياً واجتماعياً، حتى قبل نزول الأديان السماوية، ووجود الأنبياء والرسل بين الشعب المصرى القديم، وكان ذلك من أبرز دعائم القوة المجتمعية على مستوى الأسرة فى مصر القديمة. وقد جاء فى القرآن الكريم أن مِن الأنبياء مَن تربى فى أسرة مصرية، ومنهم من احتمى بالأسر المصرية والمجتمع المصرى، فيوسف، عليه السلام، الذى باعه إخوته بدراهم معدودة وظل يتنقل كسلعة من تاجر إلى تاجر، حتى وصل إلى يد المصرى الذى قال كما سجل القرآن: وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21- سورة يوسف). بالطبع إشارة القرآن إلى جنسية هذا الرجل (من مصر) لها مدلول واضح فى إظهار شهامة المصرى الذى يمنح الخير بلا مقابل. فكانت الأسرة المصرية وعاء حماية وحصانة وتربية لنبى الله يوسف عليه السلام، وفى أحضانها وهبه الله تعالى العلم والحكمة. قال تعالى: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ» (22- سورة يوسف) والنبى الآخر الذى تربى داخل أسرة مصرية، ، هو موسى عليه السلام، فقد صنعت امرأة فرعون مع موسى ما صنعه عزيز مصر مع يوسف. «وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9 - سورة القصص). أما سيدنا المسيح عيسى عليه السلام مع عائلته المقدسة، فقد حماهم الله تعالى بمصر وأهلها من بطش الروم، وظلت العائلة المقدسة فى ضيافة مصر عدة سنوات قال تعالى: «وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50 - الأنبياء) وقد كتبت فى مقال سابق بعنوان: «المكون الدينى للشخصية المصرية» بعض نقاط القوة فى الشخصية المصرية المعاصرة لتكون مدخلاً فى ترميم الأسرة المصرية وعودة منظومة القيم والأخلاق وخاصة على مستوى الأسرة. وقلت: لا يزال الدين هو الدافع الأساسى عند المصريين للتعامل فى كافة شئون الحياة، وتطبيقاً لنظرية اللاوعى الجمعى التى اكتشفها عالم النفس السويسرى (يونج) (1875-1961)، فإن المصريين فى العصر الحاضر ورثوا صفات عديدة من أجدادهم عبر مساحة اللاوعى الجمعى. فسلوك المصرى اليوم يتشابه كثيراً مع سلوك جده القديم بشهادة التاريخ والقرآن والواقع، إلا إنه فى مقابل ذلك أصيبت الأسرة المصرية المعاصرة بشروخ كبيرة فى البنية الاجتماعية والأخلاق والقيم!! لأسباب كثيرة يرصدها علماء الاجتماع! ومن هذه المشكلات: 1- ضعف الولاء الأسرى عند البعض ويظهر ذلك فى زيادة معدلات الطلاق، وعدم تحمل بعض الرجال مسئوليته تجاه أسرته وأطفاله!!، وكثرة الشقاق بين الزوجين، ومن ثم ظهرت مشكلات اجتماعية خطيرة عجز المجتمع عن حل كثيرها. 2- تربية الأطفال فى هذا الواقع المعقد وتوجيههم وفق مداخلهم المناسبة، وقد سبق وكتبت عدة مقالات عن تربية الأطفال فى عصر الميتافيرس، وكيف يوجّه الآباء أطفالهم فى الفضاء الإلكترونى؟ 3- حماية الأسرة المصرية من التدين المسموم بأفكار الغلو والتطرف ويمكن مواجهة ذلك بإنتاج خطاب دينى بصبغة وطنية، يعالج هذا التسميم فكراً بصورة ناعمة وجاذبة، خطاب يعترف بالعلم والثقافة والتاريخ والعلوم المختلفة، يبرز جوانب الإسلام فى التسامح والجمال والتصالح مع الذات والمجتمع والعالم كله، خطاب يجمع بين الفكر والتصوف المعتدل لملء الفراغ الروحى والخلقى ويعالج مشكلات الشباب الفكرية والعاطفية والروحية. وصياغة هذا الخطاب ليس مستحيلاً، بل هو أسهل ما يكون عند وجود الإرادة والعلماء المناسبين لهذه المهمة. وقد كتبت خطة تنفيذية فى هذا الشأن تحت مسمى «مشروع توضيح» لصناعة خطاب دينى معالج لكل هذه المشكلات ومحصن للشباب من الانحراف. وقد سبق وأطلقت بعض المبادرات فى هذا الشأن منها: مبادرة «الخريطة الذهنية للشباب»، وهى مبادرة تهدف إلى التعرف على أفكار الشباب وما يدور فى أذهانهم وما يشغل عقولهم وعلى مدار العديد من اللقاءات والفعاليات الخاصة بالشباب ولقد تم جمع أسئلة الشباب التى تشغل بالهم وتدور بأذهانهم والإجابة عنها إجابة بسيطة سهلة سمحة فى رسائل سريعة. لقاءات الحوار الفكرى لطلاب الجامعات المصرية فى معهد إعداد القادة بحلوان التى تضمنت ردوداً مقنعة لكل أسئلة الشباب فى صيف عامى 2018 و2019. 4 - حماية الأسرة المصرية من الدجل والخرافة، حيث لا تزال شريحة من المجتمع المصرى تتقبل الدجل والخرافة باسم الدين، وقد كتبت مقالاً سابقاً يعالج هذه الظاهرة بعنوان: «أنقذوا العقل المصرى من الدجل». وبالتالى لا بد من وضع خريطة موضوعات لخطباء المساجد والوعاظ وتلقينهم المضمون المناسب من قضايا الروح والنفس والعقل والقلب وموضوعات الحروب الحديثة وكيفية المواجهة!! وحبائل الإرهاب والتحذير منها! إلخ. وتدريبهم على صناعة خطاب يدعو إلى العمل والإنتاج، والتسلح بحقائق العلم مع أصول الإسلام، فذلك خَير وسيلة للإقناع وسوق الناس إلى الخير. 5 - مشكلات الشباب داخل الأسر المصرية فى الولاء الدينى والولاء الوطنى. فالشباب فى عصر السوشيال ميديا يحتاج إلى ارتواء روحى ودينى وعلمى ووطنى حتى لا يكون لقمة سائغة لمن يستهدفونه، وكثير من الآباء يشتكون دائماً من أبنائهم فى سن المراهقة عندما يجنحون نحو التمرد على القيم والأخلاق والولاء للوطن!!! وفى هذا الجزء تحديداً أذكر ما كتبته فى مقالى عن مواجهة مشكلات الشباب فى الجمهورية الجديدة وذكرت فيه الاقتراحات التالية: 1- نشر محاضرات أساتذة أكاديمية ناصر العسكرية فى مفهوم الدولة والحروب الحديثة والأمن السيبرانى.. إلخ. فى وسائل الإعلام والسوشيال ميديا وفى كل المدارس والجامعات. 2- تدريس مادة عن الولاء والانتماء الوطنى على المستوى الاجتماعى والدينى لطلبة المدارس والجامعات. 3- تفعيل الحوار مع الشباب وتسجيل الملاحظات وتحليلها والعمل على حل المشكلات. 4- مراجعة ومتابعة كل الفئات التى تتعامل مع الشباب على المستويين الفكرى والعلمى، مثل المدرسين وأئمة المساجد وأساتذة الجامعات.. إلخ، والتأكد من توجههم الوطنى والفكرى وتدريبهم تدريباً جيداً للقيام برسالتهم على أكمل وجه لصالح الأمة المصرية وحتى يكونوا رجال مهام وليسوا رجال كلام. 5- مراقبة وتسجيل كل ما يُذكر فى المساجد والزوايا من خطاب. سواء كان خطبة جمعة أو درساً أو ندوة وتحليله وتقييمه وإعادة النظر فيه بناء على المطلوب من الخطاب الدينى (وهذا متبع فى كثير من الدول). والهدف من ذلك الوقوف على ماهية الخطاب الدينى وتقييمه وإصلاح أخطائه، وكذلك متابعة الخطاب الدينى فى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى رصداً وتحليلاً وتقييماً.