من المنيا للسويس يا قلبى احزن. فى المنيا، قرر شباب مسلمون ومسيحيون القيام بمبادرة عنوانها: نور وقت ضَلْمَة. أن يغنوا غناءً مصرياً ومعه تراتيل كنسية، وهى فكرة لم تخطر على بال المسئولين عن الغناء. أقاموا حفلهم فى استراحة المحافظة القديمة بالمنيا، وحضر ألفا منياوى يمثلون المجتمع من الشباب للشيوخ، الرجال والنساء، رجال الدين الإسلامى والمسيحى. بعد أن بدأ الحفل وصل عدد من الشباب الملتحين -هكذا قال الخبر- كجزء من تصنيفات المصريين الجديدة. طلبوا فض الحفل بالحسنى حتى لا يلجأوا للعنف ليروح كل واحد لحال سبيله، ويا دار ما دخلك شر. فما كان من المسئولين عن الأمن والإدارة فى المنيا إلا أن استجابوا لطلب الشباب وصرفوا الحاضرين وأوقفوا المغنين عن الاستمرار فى غنائهم. حجة الشباب أن التراتيل الكنسية لا يجب أن يتم ترديدها خارج الكنيسة، ففى ذلك مخالفة، وسيمنعون التراتيل ولو بالقوة. مر الخبر علينا مرور الكرام. نحن أهل القاهرة قمنا بالواجب. كتبنا واعترضنا. لكن مسئولاً واحداً لم يتحرك للتحقيق مع رجال الأمن والإدارة فى المنيا بسب خضوعهم للشباب وإلغاء الحفل. فى السويس شاب يقف فى محل والده. رأى ملتحياً يقتحم المحل ويستخدم دورة المياه دون استئذان. رفض سلوكه، شتمه، هاجمه. فما كان من الملتحى -المعتدى فى الأول والآخر- إلا أن حكم عليه بقطع لسانه الذى شتمه به، وتنادى باحثاً عن ملتحين مثله لينفذوا قطع اللسان. لكن السويس فيها المجتمع الواقى. أتى الناس من كل مكان وعملوا جلسة صلح لينتهى الأمر على أن يضرب الشاب ابن صاحب المحل الرجل الملتحى كما ضربه وينتهى الأمر. فى اللحظة التى بدأ الشاب الضرب الانتقامى لم يستطع، فتوقف وتعالى التهليل والصياح والتكبير والصلاة على النبى. لينتهى الأمر. لكن المحنة بدأت هناك وستمتد لأمكنة أخرى فى مصر. هذا الملتحى، من الذى أعطاه الحق فى عملية قطع لسان من شتمه؟ وإن أخذ كل مصرى حقه بيده، ماذا أبقينا للدولة المصرية والمجتمع المصرى ولمصر كلها بعد أن نكون قد عدنا إلى مجتمع الغابة الذى يفعل القوى بالضعيف ما يريد أن يفعله دون مراعاة للظروف؟ ومثلما تعاملنا مع حادث المنيا نحن أهل القاهرة -كتبنا وثرنا بالكتابة- وهأنذا أفعل مثلهم، أمارس الكتابة لأعفى ضميرى من أى مسئولية حتى لو كان مصير ما أكتبه أن يعلق على شماعة التاريخ، لكن لا يوجد مسئول واحد فى بر مصر حاسب المسئولين عن أمن المنيا وإدارتها على إلغاء حفل الغناء، ولا حاسب أمن السويس على ترك المصرى الذى حكم على مصرى آخر بقطع لسانه لأنه شتمه، فأين الدولة المصرية والشرطة المصرية والنيابة المصرية والقضاء المصرى؟ فى قريتنا يتساءلون: إيه اللى رماك على المُرّ؟ فترد: اللى أمرّ منه.