لا يبدو أن الحملة التى يقودها التحالف السعودى فى اليمن تقترب من تحقيق أهدافها أو أنها على المسار الصحيح لتحقيق هذه الأهداف، وإلزام جماعات الحوثيين المسلحة التى احتلت صنعاءوعدن المدينتين الأكبر فى شمال اليمن وجنوبه، واستولت على مناطق واسعة فى طول البلاد وعرضها، بالعودة إلى ديارها فى منطقة صعدة شمال اليمن، وتمكين الرئيس اليمنى عبدربه هادى الموجود الآن فى الرياض من العودة إلى سدة الحكم.. والواضح حتى الآن أن القصف الجوى لقوات التحالف لمواقع الحوثيين شمالاً وجنوباً على امتداد 16 يوماً لم يعد كافياً لتفكيك قبضة الحوثيين على المناطق التى يسيطرون عليها، رغم الخسائر الكبيرة التى تتكبّدها قواتهم المتحالفة مع بعض من قوات الجيش اليمنى الموالية للرئيس السابق على عبدالله صالح، وانشقت على الرئيس عبدربه لتحارب فى صف الحوثيين! وثمة شواهد خطيرة تؤكد أن اليمن على شفا الانهيار الكامل ما لم يتغير مسار الحرب، بسبب نزوح الآلاف من السكان خارج ديارهم، وشح الغذاء والمياه والمؤن الطبية فى مناطق كثيرة لم يعد فى الإمكان أن تصل إليها هذه الإمدادات بسبب انقطاع الطرق، وإغلاق معظم الموانئ والمطارات، خاصة أن اليمن يستورد 90% من غذائه، ويزيد الموقف صعوبة تزايد الخسائر فى صفوف المدنيين وقلة قوافل الإغاثة، وتصاعد الأزمة فى مدينة عدن إلى حدود مأساوية، بعد أن استولى الحوثيون على أحياء كريتر والتواهى، بما فى ذلك القصر الجمهورى وميناء عدن، كما تسبّبوا فى وقف العمل بمصفاة البترول التى تمد اليمن بالوقود، وكذلك تم تدمير عدد كبير من آبار المياه ومحطات الرفع، إلى حد يُهدّد المدينة بالعطش، بينما تدور الحرب فى الشوارع بين قوات الحوثيين بعتادها الثقيل من الدبابات والمدفعية، وبين جماعات من السكان استفزها العدوان الحوثى، وخرجت تدافع عن مدينتها بأسلحتها الصغيرة. ولا يختلف الموقف كثيراً فى العاصمة صنعاء التى دخلها الحوثيون فى يناير الماضى بمعاونة أساسية من قوات الرئيس السابق على عبدالله صالح، مكنتهم من الاستيلاء على كل مرافق العاصمة وقصور الرئاسة ومقار الحكم، وتتمركز قواتهم الآن فى مواقع حصينة حول المدينة ونقاط تفتيش قوية داخلها، تتعرّض للقصف الجوى من قوات التحالف بصورة شبه يومية، بينما يتوقع الجميع أن تسوء الأوضاع أكثر من ذلك، بسبب تفاقم أزمة الجوع وشح الإمدادات الطبية، إلى حد أن الصليب الأحمر لم يتمكن بعد أسبوعين من الحرب من إرسال أكثر من طائرة واحدة، حملت ما يقرب من 20 طناً تتكدّس الآن فى مطار صنعاء، لصعوبة إرسال المواد الطبية إلى باقى المدن اليمنية، بسبب الطرق المقطوعة، وكما انقطعت إمدادات الدواء والغذاء، انقطع وصول تحويلات اليمنيين العاملين فى السعودية إلى ذويهم، لصعوبات لوجيستية عديدة. وبينما تحشد السعودية قواتها العسكرية التى تتحصّن فى مواقع دفاعية بطول حدودها مع اليمن، وتواصل قطع البحرية المصرية دورياتها فى منطقة باب المندب، وبامتداد الساحل السعودى على البحر الأحمر لمنع أى عمليات تخريبية تأتى من البحر، لا تزال قوات التحالف السعودى تعتمد أساساً على عمليات القصف الجوى، وعلى جهود اللجان الشعبية التى تواجه الحوثيين فى عدد من المدن اليمنية، ينقصها كفاءة القتال وحسن التنظيم وقلة المؤن والسلاح، مع أنها تواجه مع الحوثيين مجموعات واسعة من رجال الأمن من أنصار الرئيس السابق على عبدالله صالح، يحاربون إلى جوار الحوثيين ويتخفون فى ثياب مدنية! وتبدو الحاجة ملحة الآن إلى قوات برية تحسم المعركة على الأرض، بعد انتشار الحوثيين الواسع فى الشمال والجنوب، وعجز القصف الجوى عن حصارهم ووقف زحفهم، لكن تشكيل القوات البرية يواجه مصاعب كثيرة، أكثرها شيوعاً الخوف من أن تتكرّر تجربة القوات المصرية فى شمال اليمن، خلال الستينات، عندما تعرّضت لعملية استنزاف طويلة فى مناطق جبلية وعرة عديدة تسكنها قبائل الشمال الزيدى التى انقسمت بين الجمهوريين والملكيين فى عملية ابتزاز واضح لمصر والسعودية، اللتين كانتا تقفان على طرفى نقيض من ثورة سبتمبر، وينفقان بسخاء بالغ، فى محاولة كسب هذه القبائل. المصريون يدفعون ريالات مارية تريزا الفضية الثقيلة إلى شيوخ القبائل، والسعوديون يدفعون جنيهات الملك جورج الذهبية فى منافسة عقيمة أضرت بمصالحهما، وفككت عرى التضامن العربى، وزادت من حدة الاستقطاب والانقسام فى العالم العربى، وباعدت بين مصر والسعودية سنوات طويلة، وكان من نتائجها الخطيرة هزيمة 67، كما كان من نتائجها السلبية أن تحول معظم شيوخ القبائل فى اليمن إلى أمراء حرب يملكون جيوشاً صغيرة مكنتهم من التوغُّل على حساب سلطة الدولة المركزية. ورغم أن معظم التوقعات كانت ترشّح مشاركة باكستان فى القوات البرية التى يمكن أن تذهب إلى اليمن لردع الحوثيين إلى جوار القوات المصرية، لكن قرار البرلمان الباكستانى ألزم الحكومة عدم الانحياز إلى أىٍّ من طرفى الحرب، الحوثيين وتحالف السعودية، ومساندة جهود التسوية السلمية، وإن كان قرار البرلمان أعطى الحكومة الباكستانية حق التدخل العسكرى لمساعدة السعودية إن نجح الحوثيون فى اختراق حدودها!، وما من شك أن قرار البرلمان الباكستانى سوف يكون له أثره على قرار القاهرة، فى ظل رأى عام مصرى يتوجّس قلقاً من التدخّل العسكرى فى اليمن مرة ثانية، لكن ثمة مسئولية مصرية ينبغى احترامها تجاه الأمن القومى عموماً وتجاه أمن الخليج على نحو خاص، تلزم مصر بأن تقف إلى جوار أشقائها فى الخليج، كما وقفوا إلى جوارها وقت الشدة، وأن تفى بتعهداتها التى أكدت أن أمن الخليج جزء من أمن مصر، والعكس صحيح. وأظن أن هناك مساحة أمان واسعة تسمح لقوات التدخل السريع المصرية بالإسهام فى حماية مدينة عدن ومنطقة باب المندب من خلال قوات برية تردع الحوثيين وتلزمهم بالخروج من جنوب اليمن، وأغلبها مناطق سهول يسكنها الشوافع الذين ينتمون إلى المذهب المالكى، سوف يدعمون القوات المصرية ويساندون مهمتها، لأنهم يقدّرون الدور التاريخى الذى لعبه المصريون فى تحرير الجنوب من سطوة الاستعمار البريطانى، من خلال العملية (صلاح الدين) التى قادتها المخابرات المصرية فى الستينات، وكان مقرها مدينة تعز لمساعدة سكان الجنوب على تحرير أراضيهم فى إحدى معارك التحرير الكبرى، التى بدأت من ولايات دثينة ويافع فى جنوب اليمن وصولاً إلى إمارتى أبين والفضلى ومدينة عدن، وفى جميع الأحوال، ينبغى أن تكون مهمة القوات المصرية فى عدن وباب المندب رسالة سلام، تهيئ نقطة ارتكاز قوية يمكن أن تكون بداية لحوار وطنى يلم شمل الجميع، قبل أن تكون رسالة حرب تستهدف تدمير الحوثيين، وتستطيع قوات التدخل السريع المصرية الإسهام فى هذه المهمة دون أن تتورّط فى معارك واسعة، تلزمها بتكثيف وجودها العسكرى فى مناطق الشمال الوعرة التى جرى فيها استنزاف معظم القوات المصرية خلال حرب الستينات، لأنه لا معنى لغزو الحوثيين فى عقر دارهم إن كان الهدف الأخير لعملية عاصفة الحزم هو تطويع إرادة الحوثيين السياسية وإلزامهم باحترام الشرعية الدستورية. ويزيد من ضرورة التزام مصر، تكرار هذه التعهدات من جانب الرئيس السيسى الذى قال بوضوح بالغ إن الأمر لن يستغرق أكثر من (مسافة السكة)، شريطة تقنين هذا التحالف فى اتفاقات واضحة ومحدّدة لا تكرر ما حدث فى إعلان دمشق، وتلزم كل أطراف التحالف باحترام وحدة الدولة والتراب اليمنى، وتأكيد عزم الجميع على معاونة جهود التنمية الحقيقية فى اليمن مع اقتران العمل العسكرى بجهد إنسانى واسع يخفف من آثار الحرب على حياة الإنسان اليمنى، ويضمن تضافر كل الجهود كى لا يتحول اليمن إلى دولة فاشلة، كما يزيد من ضرورته محاولة إيران ركوب الموقف واشتراك المرشد الأعلى خامنئى فى حملة هجوم قاسية على السعودية جاوزت كل الأعراف تكشف بالفعل سوء نيات إيران. وأظن أن البديل الوحيد لغياب قوة برية تحفظ أمن عدن وباب المندب وتردع الحوثيين، كما تحفظ أمن وحرية الملاحة فى قناة السويس، أن يصبح اليمن سداحاً مداحاً تنهشه الفوضى، ويتحول إلى لقمة سائغة لتنظيم القاعدة الذى يحاول استثمار ظروف الفوضى اليمنية الراهنة ليمد نفوذه إلى مناطق عديدة فى مدينة المكلا على مسافة 300 ميل من صنعاء ومناطق أخرى فى شبوة وأبين والبيضا. وفى جميع الأحوال فإن إرسال قوات التدخل السريع فى مهمة محددة لتأمين باب المندب وتحرير مدينة عدن يدخل فى نطاق المغامرة المحسوبة التى تحكمها أبعاد واضحة الدلالة من أول مراحلها إلى آخرها، صحيح أن الحرب تتسبّب فى خسائر كثيرة فى معظم الأحوال، إلا أننا إزاء حرب ضرورة يمكن ضبط مسارها، بما يجعلها محدودة الهدف والمدة دون مخاطر ضخمة.