فى مصر والدول المتخلفة فقط، يتساوى «حرق الكتب» و«حرق القمامة»، كأن 817 عاماً كاملة لم نتعلم فيها أن «حرق الكتب» جريمة تاريخية وسُبة فى جبين الأمم، وكأننا ما زلنا نعيش عصور التكفير والتخوين، ونعيد إنتاج التخلف والقمع والقهر من جديد، بصورة عصرية أكثر فجاجة وانحطاطاً. إسبانيا - 1198: جُمعت كل الكتب الموجودة فى مكتبة «ابن رشد» فى الساحة الكبرى بإشبيلية ووسط حضور حاشد شُوهد «ابن رشد» متحسراً على ما وصل إليه العرب فى إسبانيا من تخلف وبداية انهيار حكمهم، وهو يشاهد مئات كتبه وكتب عشرات الفلاسفة والمفكّرين العرب تحترق وسط تكبير وصراخ الغوغاء بتحريض من بعض شيوخ الدين، الذين اتهموه بالكفر والإلحاد. مصر - أبريل 2015: بثينة كشك، عضو لجنة سياسات الحزب الوطنى المنحل سابقاً وكيل وزارة التربية والتعليم بالجيزة حالياً، تتوسط فناء مدرسة «فضل الحديثة» بالجيزة مع مجموعة إداريين ومدرسين، تشرف بنفسها على حرق 75 كتاباً تم جمعها من مكتبة المدرسة، بدعوى أنها «تحض على العنف والإرهاب»، أمام الطلاب، فى مشهد «عصرى» لما حدث فى إشبيلية قبل مئات السنين. ورغم أن إدارة المدرسة اعتذرت عن «إعدام الكتب»، واعترفت بأنها «كتب تراثية»، لكن السيدة «بثينة» اعتبرت أن الكتب «ممنوع تداولها لأنها تحرض على العنف وأن مؤلفيها هاربون فى قطر» وإنها اتخذت هذه الإجراءات لحماية الأطفال، من عملية «غسيل المخ»! لم تجد وكيلة الوزارة طريقة ل«حماية الأطفال من غسيل المخ»، إلا دعوتهم لإلغاء «المخ» من أساسه. قد يكون صحيحاً أن المدرسة تابعة ل«الإخوان»، لكنها الآن والوكيلة تعلم تحت إشراف الوزارة حالياً! أم أن السيدة «بثينة» تريد أن «نلهط البالوظة وإحنا ساكتين»، والواضح أنها أرادت المجاملة فى مزادات «الوطنية» وظنت أنه «طالما فيه إخوان فى الموضوع، فمحدش هيقدر يفتح بقه، واللى هيتكلم يبقى إخوانى أو انقلابى أو معادى للدولة» بسيطة يعنى. ويبدو أيضاً أنها لا تعرف أن جريمة «حرق الكتب» وحمل علم مصر، أثناء ارتكابها، ثم تبريرها بفجاجة، لا يختلف عن المشاهد الدموية لذبح الأبرياء بأيدى الإرهابيين والتكبير أثناء قطع رؤوسهم. فما الفرق بين «بثينة» التى أشرفت على حرق الكتب، وميليشيات الإخوان التى قتلت المعارضين على أبواب القصر الرئاسى، ودمرت منصات المعارضة ب«التحرير» فى مليونية «كشف الحساب» أثناء حكم «مرسى»؟ السيدة المسئولة لم تكلف نفسها الاطلاع على قائمة الكتب التى قررت حرقها أو حتى قراءة أسماء مؤلفيها، وربما اطلعت عليها، لكنها للأسف لا تعرف من هو الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، وما يمثله من قيمة فكرية كبرى، وأن يديها الكريمتين قبل أن تشعلا صفحات كتابه «منهج الإصلاح الإسلامى» كانتا تحرق إنسانيتها وآدميتها، وربما لا تعرف الشيخ على عبدالرازق، القاضى الجليل الحاصل على درجة العالمية من الأزهر، الذى أكمل مسيرة التحرير الفكرى بعد الإمام محمد عبده، بكتابه «الإسلام وأصول الحكم»، الذى طالته نيران وكلية وزارة التعليم عن جهل وحمق. ويكفى وجود هذين الكتابين لهاتين القامتين الكبيرتين، ليصمت بعض الموتورين والمطبلاتية الذين اتخذوا من أسماء مؤلفى بعض الكتب المحترقة مثل محمد حسان وحسين يعقوب وزغلول النجار مبرراً لتلك الجريمة المزرية، فرغم الاختلاف الجذرى مع فكر هؤلاء، لا يصح مواجهتهم بحرق كتبهم!. دفاعاً عن «الكتابة» وحرية الفكر والاعتقاد، ورفض «القمع والمصادرة» يجب ألا تمر جريمة «حرق الكتب» ك«حرق القمامة» ويجب أن يطال عقابها كل من خطط لها وشارك فيها وبررها، وإلا كانت وصمة عار فى جبين الجميع من الرئيس إلى «الغفير».