أزمة الحوثيين فى اليمن ليست وليدة اليوم.. ولكن نتائجها الوخيمة ظهرت اليوم وطفت على السطح بقوة.. إنها أزمة الأمة العربية والإسلامية التى تنفجر أزماتها من حين لآخر ومن بلد لآخر.. والحديث فى الأزمة الحوثية طويل، ولكنى أورد فيها هذه النقاط المهمة: 1- لم يتأجج الصراع السنى الشيعى فى البلاد العربية إلا بعد قيام ثورة الإمام الخمينى فى أواخر السبعينات. 2- استطاعت إيران بعد ثورتها بسنوات ابتلاع ثلاث دول عربية بطريقة شبه كاملة وهى العراق وسوريا ولبنان.. وكادت أن تبتلع اليمن كله لتصبح أكبر وأقوى إمبراطورية إقليمية فى الشرق الأوسط. 3- واكب التمدد الإيرانى فى المنطقة العربية انهيار أو انحسار المنظومة العربية بشقيها الإسلامى أو الليبرالى أو القومى الاشتراكى وانهيار مجموعة من الدول العربية لتكون لقمة سائغة للإمبراطورية الإيرانية المستعدة لسد أى فراغ فى المنطقة. 4- لا يخفى على أحد فى العالم كله رغبة إيران فى إقامة إمبراطورية فارسية إيرانية على حساب كل الدول والمنظومة العربية، مستخدمة التشيع كمذهب سياسى يعضد ويدعم تحركها السياسى وتستند إليه فى كل تحركها نحو بناء هذه الإمبراطورية التى تتمدد بين الحين والآخر، والتى نجحت فى التغلب على كل الصعوبات التى واجهتها والعقبات التى وضعت أمامها. 5- أحسنت إيران استغلال ما يكفله المذهب الشيعى من مرونة سياسية عالية يوفرها مبدأ التقية والأناة والتدرج للوصول إلى أهدافها دون صخب أو ضجيج أو صوت عال أو إعلان عن الأهداف قبل نضج الثمرة. 6- فقد أخذت إيران بذكائها المعهود التسلل إلى الدول والمجتمعات بهدوء وروية والانتشار فى أفريقيا وآسيا وجنوب روسيا وغيرها.. وحسن استغلال الفرص فى الوقت الذى أضاع فيه منافسوهم الأموال الطائلة على ما يضرهم وما يضر أوطانهم ومذهبهم بل ودينهم. 7- قبل أن تهضم إيران الدول العربية الثلاث التى التهمتها.. إذا بها تتسرع وتبتلع اليمن الدولة الرابعة لتصاب بانسداد معوى حاد.. ويتحالف العرب لأول مرة علانية ضدها وفى مواجهتها. 8- لم يحسن العرب جميعاً حكاماً وحكومات ومؤسسات دينية وأحزاباً سياسية، جذب الشيعة العرب ناحيتهم أو كسب مودتهم أو الوصول معهم إلى كلمة سواء تنفع بلاد العرب والإسلام والمسلمين.. بل إن بعض حكام العرب مثل «صدام» عاملهم أسوأ معاملة.. وساهم مع «القذافى» فى قتل الإمام الصدر.. وكذلك قام على عبدالله صالح بقتل حسين الحوثى، ولم يستطع كسب الشيعة الزيدية التى تحب العرب والقريبة أصلاً من السنة.. ولم يستطع العرب كسب مدرسة النجف الشيعية العربية.. فارتمى هؤلاء جميعاً فى الحضن الإيرانى الذى أراهم حنانه المادى وعطفه العسكرى وسخاءه المالى بلا حدود، وأتاح لهؤلاء جميعاً السيطرة على بلادهم بهذا الدعم اللا محدود.. فأصبح حزب الله أقوى من لبنان كلها.. وأصبحت الميليشيات الشيعية العراقية أقوى من الدولة العراقية.. وأصبح الحوثيون يحتلون العاصمة ويسخرون من دولة اليمن ورئيسها وحكومتها. 9- جاءت الأجيال الجديدة من الشيعة أكثر تعصباً وعنفاً ورغبة فى الدماء والقتل والثأر.. فقتلت فى العراق تارة بالاسم وتارة بالمذهب وفجرت المساجد.. فى الوقت الذى أعطت فيه «داعش» والقاعدة أسوأ النماذج عن الإسلام والسنة.. وذلك لغبائهما المطلق واصطدامهما بالجميع وانحرافهما عن منهج الإسلام والسنة القويم. 10- تتشابه القاعدة وداعش وحزب الله اللبنانى والحوثيون وبعض الحركات المشابهة فى شىء واحد، رغم اختلاف عقائدها وأفكارها، فى أن هؤلاء جميعاً يعشقون دوماً أن يكونوا أقوى من الدول التى يعيشون فيها.. ويقدمون مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن.. وقوة الفصيل أكثر من قوة الدولة.. فحزب الله أقوى من الدولة اللبنانية وهو يحب استمرار هذه المعادلة.. والحوثيون أقوى من الدولة اليمنية ويحبون ذلك. وداعش كان أقوى من الدولة العراقية، وكانوا يرغبون فى ذلك.. والميليشيات القاعدية فى ليبيا أقوى من الدولة وهم يعشقون استمرار هذا الأمر.. وهذه الفكرة تحتاج إلى تصحيح عقلى وفكرى وتربوى وسياسى.. وهى من أعقد المشاكل فى العقل العربى لأبناء الحركات الإسلامية سواء كانت سنية أو شيعية. 11- الأزمة الكبرى للعقل الحوثى هى أنه أكل كعكة الحكم والسلطة واليمن كله وحده، فحدث له انسداد معوى.. وكانت هذه بداية هلكته، وهو نفس الخطأ الذى تقع فيه معظم الحركات السنية والشيعية. 12- عاصفة الحزم جاءت لتضبط كيمياء العقل الحوثى.. بعد أن اختل كل شىء فى العقل الحوثى الذى لم يدرك قدرته ولا قدرة اليمن ولا الخليج ولا الإقليم ولا العالم حوله.. لقد اضطربت كيمياء العقل الحوثى بعد أن اكتسح كل شىء أمامه وخضع الجميع لرغباته فلم يصدق نفسه أنه ملك العاصمة وحده فأراد اقتحام عدن أيضاً.. وتحطيم المعبد على من فيه. أغرب ما فى المشهد الحوثى أن على عبدالله صالح، الذى قتل الحوثى الكبير وكان عدواً لدوداً للحوثيين، أصبح الصديق المقرب لهم، وهو الذى أعطاهم قبلة الحياة للسيطرة على مقاليد الأمور فى اليمن.. فما أسوأ السياسة وما أقذرها وما أحط طلب السلطة والسعى نحو الدنيا!.