حظى ما حقّقه المؤتمر الاقتصادى بمدينة شرم الشيخ من نجاح مبهر على المستوى السياسى والاقتصادى، وما ترتب على ذلك من مكاسب مادية ومعنوية كبيرة، باهتمام بالغ سواء على المستوى المحلى أو الدولى، وجاءت عناوين الصحف والمقالات تعبر عن الطاقة الإيجابية التى سادت المجتمع مع متابعة فعاليات المؤتمر، ومن هذه العناوين (شرم الشيخ وأحلام المصريين)، (يا مصر قومى)، (مصر تستيقظ الآن) هذا المانشيت الموحد الذى تصدر عناوين معظم الصحف المصرية، ومن وجهة نظرى أن أهم نتائج المؤتمر هو تأثيره النفسى الإيجابى على الشعب المصرى، وقد ظهر ذلك جليّاً أثناء خطاب الرئيس فى جلسة المؤتمر الختامية وجموع الشباب التى التفت حوله تلتقط الصور بوجوهٍ يملأها الحماس والأمل. إن علم النفس الإيجابى (Positive Psychology) بدأ كحركة تطورت من التفكير الإيجابى إلى علم نفس إيجابى على يد مارتن سيلغمان رئيس جمعية علماء النفس الأمريكيين 1998، الذى أكد أن علم النفس لا يهتم بدراسة المرض والضعف والتلف فقط، بل يفترض أن يهتم أيضاً بدراسة مكامن القوة والفضائل الإنسانية، كالسعادة والإيجابية والطمأنينة والأمل والاستقرار النفسى والتقدير الاجتماعى والقناعة، وذلك بهدف تقويتها، والتغلب على الضغوط التى تؤدى بالإنسان إلى اضطرابات بالصحة النفسية، خاصة أنها تقع على الطرف الآخر لأكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً كالقلق والاكتئاب واليأس وعدم تقدير الذات. ومن أهم مكامن القوة التى يعمل علم النفس الإيجابى على تدعيمها وترسيخها فى المجتمع هى تلك التى تؤدى إلى إيجابية الأفراد والمجتمع، والإيجابية هى مزيج من طريقة تفكير الشخص وطريقة تصرفاته التى يسلكها، نحن نخلق بداخل عقولنا نوعية الحياة التى نرغب أن نعيش داخل أسوارها وأى شىء بدايته تكون داخل النفس الذاتية، ولكى يكتسب الإنسان صفة الإيجابية عليه أن ينتبه إلى أفكاره والتركيز دائماً على أن ينظر إلى الجوانب المضيئة فى حياته وما يريد الوصول إليه من طموحات وأهداف ورسم صورة لها، والعمل جاهداً على تحقيقها، وعليه أيضاً التحرر من سيطرة الشعور بالنقص والعجز على تفكيره، والتخلص من المشاعر النفسية التى تؤدى إلى السلبية ومنها: الغضب، الخوف، الحزن، الإنكار والتبريرات، التأثير التراكمى للخبرات السلبية. ومما يدعم الإيجابية فى المجتمع هو عدم نشر الأفكار السلبية التى تتكلم فقط عن التحديات والصعوبات وتستحضر الخبرات السلبية، وتشعر الشعب بأنه لا يوجد أمل فى تحقيق أى شىء، وقد أكد علماء النفس أن التركيز على التصريحات الإيجابية سواء على مستوى الفرد بينه وبين نفسه أو على مستوى المجتمع، له تأثير مباشر فى العقل الباطن وتحفيزه على المضى فى الإنجاز الإيجابى، ومن ذلك ترديد عبارات إيجابية برغبة ويقين واهتمام قوى والتوقف فوراً عن تكرار العبارات السلبية، فالكلمات إما أن تبنى وإما أن تهدم، فعندما يفكر الشخص ويخبر نفسه بأنه لا يستطيع عمل شىء أو أنه ليس لديه قوه داخلية، فالعقل الباطن يقبل ذلك ويحوله إلى حقيقة يرددها ويستدعى الأحداث المماثلة التى مرت على الشخص فى حياته، وبالتالى من المهم جداً ترديد بعض العبارات الإيجابية التى تصف ما يريده الشخص والمجتمع لبضع دقائق على مدار اليوم ومنها: (أنا بصحة جيدة وسعيد فى حياتى، هناك ثروات عديدة فى حياتى، أنا ناجح فى كل ما أقوم به، أنا لدى وظيفة جيدة، الحب يملأ حياتى، أستطيع التحكم فى أفكارى، الأمور تتحسن يوماً بعد يوم، نحن نستطيع أن نبنى بلدنا ونحقق نهضتها، نستطيع أن نقضى على الفقر)، وهذا لا يعنى أن التفكير الإيجابى الفعال مجرد كلمات نرددها وإنما هو حالة ذهنية نرسخها فى أنفسنا بوسائل متعددة، ولابد أن يصاحبها عمل وجهد وأن يظهر تأثيرها على سلوكيات الأفراد، فهى تدفع إلى: - المبادرة تجاه ما يدعم كل ما هو صحيح وفعال. - المعرفة والاطلاع المستمر الذى يؤدى إلى الإرادة الواعية. - النزعة الاكتشافية وحب التجربة مع القدرة على تقدير العواقب حتى لا تتحول الشجاعة إلى عواقب وصعوبات تزيد من اليأس والإحباط. - الثقة بالنفس، فالشخص الواثق هو الذى لا يقبل من أحد أن يشكك فى قدراته. وأخيراً إن الأشخاص الذين لديهم إطار إيجابى يحيط بالعقل دائماً ما يفكرون فى الإمكانية والتطور والتوسع والنجاح، فهم يتوقعون السعادة والصحة والحب والعلاقات الجيدة، ويرددون دائماً العبارات التالية: أنا أستطيع، أنا ناجح، وهم أيضاً لا يؤمنون بالفشل والعقبات، وإذا لم تأت النتائج بالثمار المرغوب فيها فسوف يحاولون التجربة مراراً.