تُعد قصة نبى الله إبراهيم وولده عليهما السلام أشهر قصة تناولت موضوع ذبح إنسان لإنسان آخر، وليس من المحسوم من هو الابن الذى رأى «إبراهيم» فى المنام أنه يذبحه، هناك فريق يرى أنه إسحق، ويعتقد آخرون أنه إسماعيل، ومن المفهوم بالطبع أن المسلمين ينتمون إلى الفريق الثانى الذين يرون أن الذبيح هو إسماعيل. الشاهد الواضح فى هذه القصة أن الله تعالى أراد أن يختبر مدى طاعة إبراهيم له، فوضعه فى هذا البلاء المبين، وأثبت أبو الأنبياء أنه لا يتوانى عن طاعة خالقه، حتى ولو أمره بذبح ابنه، فكافأه الخالق بأن أعفاه من هذه المهمة العسيرة. يقول الله تعالى: «فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ». فالإله الرحمن الرحيم لا يرضى بأن يكون ذبح البشر سنة فيما بينهم. ومن اللافت أن القرآن الكريم قبّح فعل «الذبح» وربطه بالطغاة الظالمين، شأن فرعون ومَن على شاكلته. يقول الله تعالى: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ». وفيمَ يكون الطغيان وأين يكون الفساد، إذا لم يكن فى إقدام إنسان على ذبح إنسان يستضعفه؟! تمنحك قصة إبراهيم وولده عليهما السلام مؤشراً أولياً حول موقف القرآن الكريم من فكرة الذبح، القرآن الذى نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يلصق به بعض المؤرخين وبعض المثرثرين بما كتبه المؤرخون تلك الجملة القاتلة: «جئتكم بالذبح». فكيف يمكننا التسليم بأن النبى صلى الله عليه وسلم قد قالها وننحى جانباً الآيات القرآنية الكريمة التى تؤكد الرباط المقدس ما بين أبو الأنبياء إبراهيم ومحمد. تأمل الآية التى تقول: «مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا واللهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ». محمد أوْلى بنبى الله إبراهيم من غيره، لأنه يتبع ملته التى ترتكز على مفهوم «الإسلام»، بما يعنيه من استسلام وخضوع الإنسان للواحد الأحد. كيف يتأتى أن يدعو النبى صلى الله عليه وسلم إلى ذبح الناس ويقول لأهل مكة «جئتكم بالذبح» وهو الذى تعلّم من أبيه «إبراهيم» وتجربة الله له فى ذبح ابنه أن ذبح البشر ليس من شيم البشر، وأن إشهار الخناجر والسكاكين وإعمالها فى رقاب عباد الله، ممن لا حول لهم ولا قوة من شيم الطغاة والمتكبرين فى الأرض، وليس من شيم المؤمنين بالخالق العظيم الذى كرّم ابن آدم وأعزه. نبينا محمد على ملة إبراهيم التى علّمت البشر عدم ذبح أبنائهم أو أبناء الآخرين. وعلى الواقفين على حافة المذبحة، شاهرين الأسلحة، أن يفهموا أنهم أبعد الناس عن ملة إبراهيم، ومن السفه أن يلصقوا جرائمهم بكلام ليس من المنطقى أن يأتى على لسان محمد صلى الله عليه وسلم الذى أعلى هذه الملة واتبعها، فى حين رغب عنها هؤلاء جهلاً وسفهاً، «وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ».