- الحرب، أى حرب، جبهتان.. جبهة أمامية عندَ ما يُعرف بخط النار، حيث تُعَسْكر القوات وتتحرك وتشتبك بالسلاح مع الأعداء، وجبهة داخلية تمتد على اتساع مساحة البلاد، وهى تشير إلى القوة المدنية الشعبية للدولة ونشاطاتها الداعمة للمجهود الحربى، وهذا يتضمن الاقتصاد واستعدادات الطوارئ والحالة المعنوية للشعب، هذه الجبهة تستمد قوتها من الاقتناع بأهداف وشرعية الحرب سواء كانت لاستعادة حقوق مغتصبة، أو للدفاع عن أمن ومقدسات وحدود الوطن ورد أى عدوان غاشم عليه، أو للدفاع عن الشعب وحقوقه. وقبل اتخاذ قرار الحرب من قبَل القادة لا بد من التهيئة المعنوية والقناعة الكاملة بمشروعية القتال لدى من سيضحون بأرواحهم من أجل تحقيق أهدافها. - وكل طرف من أطراف أى معركة يهيئ جبهته الداخلية للحرب معنوياً فيشحذ همم شعبه ويقوى من عزمهم، فى ذات الوقت الذى يحاول فيه إضعاف معنويات عدوه باستخدام حروب تمهيدية ومواكبة للعمليات القتالية منها وأخطرها: الحرب النفسية، وهى حرب باردة تسعى إلى تغيير السلوك والقناعات، وميدان هذه الحرب هو الشخصية الإنسانية، فهى تعمل على تشويه الأفكار والمعتقدات للحصول على عقول الشعب وإذلال إرادته، وهى أيضاً حرب أعصاب، تُستخدم فيها الكلمات والشائعات من خلال وسائل الإعلام بكافة أنواعها، والهدف الرئيسى لها هو: إضعاف الجبهة الداخلية للشعب، وإحداث ثغرات داخلها، وذلك عن طريق إظهار عجز نظامه الاقتصادى والاجتماعى والسياسى عن تحقيق آماله، وتشجيع بعض الطوائف أو الأفراد على مقاومة الأهداف القومية والوطنية، وتشكيك الجماهير فى قيادتها السياسية وقدرة مقاومتها المسلحة على مواجهة العدو، وبث روح الفرقة والانقسام والدس والوقيعة بين طوائف الشعب المختلفة بغية الوصول إلى أبشع درجات الفرقة والتطاحن بينها وهى الحرب الأهلية، ولذلك فإن مهمة تعزيز وصيانة الجبهة الداخلية للدولة يجب أن تكون فى رأس أولوياتنا جميعاً، فالأخطار المحيطة بنا تقدم الشواهد والقرائن اليومية على أننا مستهدفون فى جبهتنا الداخلية وذلك لضرب أمننا واستقرارنا ومستقبل وحدة بلادنا. - ويجب التأكيد على أنه لا يوجد فى الدولة أى كيان يمكنه أن يهتم بمفرده بالجبهة الداخلية، ليس ثمة هيئة حكومية أو مدنية قوية بما يكفى لتعالج بوسائلها الخاصة مجمل الاحتياجات المتنوعة للجبهة المدنية، وهذا الواقع يحتم تشكيل ذراع وطنية لتحضير الدولة، مواطنيها، مؤسساتها، بنيتها التحتية والتشكيلات التنفيذية الواقعة تحت تصرفها لحماية الجبهة الداخلية ومواجهة الحالات الطارئة المختلفة التى قد تتعرض لها، وهذه الذراع هى ما تسمى بقيادة الجبهة الداخلية أو وزارة الجبهة الداخلية، وفى الحقيقة من التجارب الجديرة بالتأمل تجربة قيادة الجبهة الداخلية التى أنشأتها إسرائيل سنة 1992 فى أعقاب حرب الخليج، يقول متان فيلنائى، وزير حماية الجبهة الداخلية السابق فى إسرائيل: «عندما بدأت العمل فى موضوع الجبهة المدنية قبل أكثر من أربع سنوات اكتشفت أن ثمة فراغاً هنا، وفى تقرير مراقب الدولة حول حرب لبنان الثانية، جاء: البنية التحتية المعيارية المرتبطة بالاهتمام بالجبهة الداخلية هى بنية معقدة تصعّب التعاون فى مجال التنسيق المثالى بين الهيئات العاملة بذلك، ولا تحدد بوضوح مجالات مسئولياتها، لذلك كل هيئة تنشر الشئون المرتبطة بنشاطها أو بمسئوليتها بشكل مختلف، وبناء على ذلك ثمة خشية من أن تجد الحكومة صعوبة فى إصدار سياستها وقراراتها بشأن معالجة الجبهة الداخلية أثناء الطوارئ، وفى الرقابة ظهر أن البنية التحتية المعيارية الناقصة كانت أحد أسباب الإخفاق والإهمال فى معالجة الجبهة الداخلية أثناء الحرب، فى هذا الواقع الصعب نفذنا نشاطات كثيرة ومتواصلة من أجل تغيير الوضع بشكل نوعى، وما حصل فى السنوات الأخيرة لم يكن بداية العمل على تعزيز الجبهة الداخلية التى تأسست فى العام 1992 بعد حرب الخليج الأولى بعام».. وقال أيضاً: «منذ أكثر من خمس سنوات إجراء مناورة أمن قومى بشكل سنوى، على أن الهدف الرئيسى للمناورة هو الاختبار والتأكد من أن المنظومة بكاملها، مع كل عناصرها الكثيرة جداً، مناسبة وتعمل بالشكل الأكثر منطقية وفقاً للتهديدات والمتطلبات، هذه إجراءات معقدة ومنطوية على تحديات من المهم معرفة أن داخل الجبهة المدنية تعمل آلاف الهيئات من أنواع مختلفة جميعها ظاهرياً تتحدث العبرية، لكن لا تفهم إحداها على الأخرى فى جميع الأحوال وهى لا تجيد دائماً العمل بشكل مشترك ومنسق، إذن هناك تحدٍ أساسى ومعقد متمثل فى إنتاج لغة مشتركة ضمن التنوع الثقافى التنظيمى. المناورات القومية السنوية، التحضير لها، واستخراج العبر بعدها، تهدف إلى: إنتاج لغة مشتركة، فهم أطر، تنسيق عملياتى، سواء على المستوى الرسمى أو على المستوى الميدانى، والتأكد من أن فى ساعة الطوارئ كل الجهات تعرف بدقة ما هى وظيفتها وما هو مكانها وكيف يمكنها الانضمام إلى الجهات الأخرى». - ومن وجهة نظرى يجب على الحكومة دراسة هذه التجربة وغيرها من التجارب، حتى تتمكن من صياغة نموذج مناسب لبلدنا، وإنشاء هيئة لقيادة الجبهة الداخلية وإدارة الأنشطة المرتبطة بالحفاظ عليها.