بين الخوف والحزن، يعيش «أحمد وإسلام ومحمد»، الأصدقاء القادمون من المنيا بحثاً عن باب رزق، تحت سقف مهترئ، أو غير موجود من الأساس، ينامون على ألواح خشب مكسية ببطانية ممزقة من كل الاتجاهات لقلة حيلتهم: «بقالى 11 سنة عايش فى العشة دى عشان أكل العيش، جيت من البلد بعد ما أبويا مات عشان أعرف أصرف على اخواتى»، قالها محمد رجب ابن ال29 عاماً، الذى يعمل باليومية لضيق حاله: «نزلت القاهرة مع خالى واتعلمت أعتمد على نفسى، بس عشان الدنيا غالية ومش معايا فلوس إيجار شقة وكل اللى بيطلعلى فى اليوم 25 جنيه، عملت العشة دى وعشت فيها أحسن ما أنام على رصيف الشارع». بين ملابسه القديمة المعلقة على ألواح الخشب، يفتش إسلام أحمد، البالغ من العمر 25 عاماً، عما يستر سقفهم المكشوف، إسلام قضى قرابة عامين داخل العشة الصغيرة مع أصدقائه: «إحنا على باب الله، وعشت مع محمد هنا عشان مليش مكان من بعد ما أمى وابويا ماتوا ومعنديش اخوات». «إسلام»، ابن ال17 سنة، تتلخص مهمته فى ملء جرادل المياه يومياً لاحتياج أصدقائه: «أنا لسه طالب فى دبلوم وجاى عشان بدرس دبلوم صناعة فى القاهرة، وقاعد مع صحابى فى العشة وبشتغل معاهم آخر النهار باليومية عشان نقدر نجيب اللقمة». السيدة التى تطل برأسها من حين لآخر من باب مدفون تحت الأرض بمقدار 5 أمتار، فى نهاية شارع ضيق بالمنيب، أربعينية، نحيفة القوام بجوارها ابنها يحاولان الهروب من اختناق غرفة ضيقة للفضاء الرحب أملاً فى استنشاق الهواء، حالهما فى سكن لا يبرحانه صيفاً أو شتاءً منذ 15 عاماً. «أم حسن»، اللقب الذى عوّض جيران المنطقة عن ندائها ب«ابتسام جابر» اسمها الحقيقى، تعيش على أعتاب الحياة، لديها شعور عميق بأنها مستورة فى الشتاء: «ده كرم من ربنا، عندى سقف و4 حيطان». يتبدل حالها بين الفصول وفقاً لطبيعة غرفتها المدفونة تحت الأرض، لكن الشىء الذى لا يتغير هو فقرها وقلة حيلتها، وفقاً ل«أم حسن»: «ببيع خضار لأهل المنطقة وبيطلع لى اللى فيه النصيب»، لا تشكو «أم حسن» حالها منذ أن هجرها زوجها قبل 6 أعوام، فكل همها هو العيش على الكفاف وتربية ابنها: «السكن تحت الأرض بيجيب الأمراض، لأنه مفيش هوا ولا شمس». القلق الذى يساور «أم حسن» من فترة لأخرى وجود شروخ فى غرفتها المتواضعة، بحسبها: «البيت بقى له سنين مبنى، وممكن يقع فى أى لحظة، لأنه قديم، والبدروم مليان شقوق».