تعددت الألغاز فى جمهورية السيسى حتى كاد هو نفسه أن يصبح لغزاً عصياً على الفهم.. فى البداية كنت أجد أسباباً كثيرة لدعمه والدعوة له، وخسرت فى سبيل ذلك كثيراً وكثيرين. ولكنى الآن -وكثيرون غيرى- يبحثون عن تلك الأسباب والمبررات فلا يجدون منها إلا القليل. لقد أوقعنا السيسى فى حرج بالغ مع خصومه. فالسيسى المرشح للرئاسة لم يعد هو السيسى الرئيس، فالرجل الذى أبدى إشفاقه على الشعب الذى لم يجد من يحنو عليه أو يرفق به. وهو لا يزال فى منصبه وزيراً للدفاع. جاء بإرادة شعبية كاسحة ليتولى منصب الرئيس حتى يتمكن من الحنو على الشعب والرفق به دون موانع، وبكل الإمكانيات. وجدناه يحنو على أعداء الشعب وكارهى الوطن، مخالفاً بذلك وعوده السابقة. بل يخالف حتى الدستور الذى يقضى بإحالة المعتدين على العسكريين أفراداً أو منشآت إلى المحاكم العسكرية لتقتص منهم. فوجدنا هؤلاء محالين إلى محاكم مدنية بكل ما تعنيه وتعانيه من بطء فى الحركة وترهل فى الأداء وثغور قانونية تسمح لهم بالإفلات من العقاب الواجب. وهو ما شجع أنصارهم على التمادى فى ارتكاب الجرائم ومواصلة الاعتداء، إما استهانة بالقانون أو طمعاً فى عفو يأتيهم منحة على طاولة المفاوضات بدعوى المصالحة ولم الشمل التى تتوالى أخبارها هذه الأيام عبر صحف سيّارة وفضائيات جرارة دون إنكار منه أو من أحد مساعديه. وهو ما كان له بالغ الأثر فى تراخى قبضة المقاومين لهؤلاء الإرهابيين وإشاعة روح اليأس لدى الحالمين بالقصاص منهم. فشاعت مشاعر الخوف من عدم الاستقرار أو الطمأنينة انتظاراً لما سوف تسفر عنه هذه التحركات والمواقف الملتبسة فى الشارع السياسى. لغز آخر فى جمهورية السيسى، وهو المتعلق بنظرته للإصلاح الاقتصادى والتى رأيناها لا تدل على رجل جاء ليحنو على الشعب ويرفق بأحواله المتردية. بل رأيناه رجلاً رفيقاً برجال الأعمال وأثرياء القوم. حين طالبهم -رجاءً بلغ حد التوسل- بالتبرع لصندوق (تحيا مصر) وكأن مصر ستحيا بالتوسلات إلحافاً. وليس بالقرارات حسماً. والتى تقتضيها روح المسئولية بإعادة ترتيب الأوضاع استعداداً لانطلاقة حقيقية تقوم على استرداد الدولة لحقوقها المهدرة لدى الجميع. والتى تراكمت فى خزائن عديدة عبر سنوات كثيرة من الفساد والمحسوبية. بعيداً عن أساليب التوسل والمناشدة التى تفقد بها الدولة هيبتها وتهدر كرامتها، متخلية عن وقارها المطلوب لفرض هيمنتها وإظهار سطوتها. هكذا رأيناها قرارات صارمة وحاسمة تخص الفقراء والمهمشين، وفى الجانب الآخر توسلات ومناشدات تخص الأثرياء من علية القوم. هذا هو الإصلاح الاقتصادى كما رأيناه فى جمهورية السيسى، وهو ما يمثل لغزاً من الألغاز التى تحتاج إلى مبرر أو تفسير. من رجل جاء مفوضاً من الشعب لحل الألغاز المتناثرة فى جمهورية من سبقه، فإذا به يضيف إليها ألغازاً جديدة. تعطى لخصومنا وأعدائنا مبرراً للهجوم علينا وكسب المزيد من الأرض على حساب رقعة صغيرة منها لم تعد تكفينا بحرية الحركة للوقوف فى مواجهتهم على أقدام راسخة!