صفحات التاريخ، تجسد وتوثق حقائق عن "مجانين حكموا العالم"، وأدوا به إلى الانهيار، منذ بدء التاريخ، وحتى أيامنا المعاصرة، وكان هؤلاء يعانون من أمراض نفسية ك"جنون العظمة، والسادية، والتوحش، وأيضا الخلل العقلي"، ولو كان في العالم وقتها طبيب نفسي واحد، لاستراح الجميع من كوارث غيرت تاريخ البشرية. لن نذكر في عرضنا لمجانين الحكام من أمثال "نيرون" الذي أحرق روما، وكان يستمتع بمشاهدة الناس يحترقون في النار، أو "شارل السادس" الذي ذهب بفرنسا لحافة الهاوية، بعد أن أصابه الخلل العقلي، ولقبوه ب"تشارلز المجنون"، أو حتى "إيفان الرهيب"، القيصر الروسي الذي اشتهر بالقسوة المفرطة. التاريخ الحديث، بداية من الحرب العالمية الأولى، شهد نوعا آخر من مجانين السياسة، حرقوا العالم بالحروب والمؤامرات، وكانوا بحاجة لتوقيع الكشف النفسي عليهم، الذي كان سيجزم بتحويلهم إلى "عنبر العقلاء". أدولف هتلر: تملكته العقد منذ الصغر، وقال المؤرخون إن "تاريخ العنف العائلي الذي مارسه والده ضده، ترك آثارا نفسية عميقة في نفسه"، فأصبح ذلك المجنون مثالاً مجسداً للدكتاتورية المجنونة، فتملكته الرغبة في تطهير الأرض من البشر حتى يكون للشعب الألماني مساحة أكبر للعيش، وداس على كثيرين حوله سعياً إلى السلطة، من اغتيالات واعتقالات وزج بالسجون. عمل على إرساء دعائم نظام تحكمه نزعة شمولية وديكتاتورية وفاشية، وأدى قراره بغزو بولندا إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية وخراب العالم، وبعدها لم يعرف أحد نهايته، ولكن كثيرا من الروايات والمصادر التاريخية تشير إلى موته منتحرا. من مقولات "هتلر"، التي تؤكد إصابته بجنون العظمة: "العالم على سعته يضيق بالشعوب الضعيفة"، و"النزعة الإنسانية هي تعبير عن الغباء والجبن"، و"أي تحالف ليس هدفه شن الحرب لا معنى له وغير مجدي". موسوليني دامت فترة حكمه لإيطاليا ما بين عام 1922- 1943، إلا أنه لم يكن سوي نفسيا في صغره، فكان في شبابه من المنبوذين والمشردين والمتهورين من الفقراء، وطعن أحد زملاءه من الطلاب في المدرسة بسكين، واتهم بالسرقة ومنع من دخول الكنيسة لسوء سلوكه، كما كان شابا متهورا يجيد استعمال قبضته في إيذاء زملاءه، هرب من الخدمة العسكرية واعتقل في سويسرا بتهمة التشرد. أسس "موسوليني" النظام الفاشي، وقمع مؤسسات الحكم المنتخبة وقُتل القادة الذين عارضوا الفاشيين، وحُرّمت الإضرابات، وألغى كل الأحزاب الأخرى، وكان على الشباب أن يتعلموا مبادئ الفاشيست، وامتلأت الساحات والشوارع بتماثيل موسوليني وبجداريات كبيرة تخلد أفعاله، كما بدأت حركة تنظيم شاملة للأطفال والفتيان وطلبة المدارس والجامعات على استخدام السلاح وحفظ الأناشيد القومية الفاشية. ومن التصرفات المجنونة له، إجبار الناس على وضع صوره في غرف النوم وأن توقد العوائل الشموع بعيد ميلاده، وتشكلت لجان في طول البلاد الإيطالية وعرضها من كتاب الدولة وأساتذتها لإصدار قوائم سوداء بالمثقفين المحظورين، وبأسماء الكتب المعادية التي يجب حرقها وإتلافها ومنعها من التداول. معمر القذافي أحد مجانين العصر، فإلى جانب حكمه الدكتاتوري، الذي يعد أطول فترة لحاكم غير ملكي في التاريخ، وكانت تصرفاته وأفعاله وأقواله تحتاج لتحليل نفسي. في أوائل حكمه تنحى عن الرئاسة عام 1977، واكتفى بلقب "الأخ قائد الثورة الليبية"، لكن هذا لم يغيّر من وضعيته كرئيس أوحد للبلاد، كما بنى نظاما غريب الأطوار لا نظير له في العالم على الإطلاق، ليس هو بالجمهوري ولا بالملكي، وإنما مزيج من أنظمة قديمة وحديثة. من أفعال "القذافي" غير المألوفة، أنه استخدام فرقة نسائية لحارسته، كما كان يرتدي ملابس غريبة غير مألوفة في المناسبات، وعند لقائه بالرؤساء والشخصيات الأجنبية، وخلال زيارته للدول لا ينزل بفندق، بل يقوم أتباعه بنصب خيمة لإقامتة. في عام 2008 عقد اجتماعا لزعماء أفريقيا وهيأ الترتيبات لكي يمنح نفسه لقب "ملك ملوك إفريقيا"، ومدافعا رئيسيا عن الولاياتالمتحدة الإفريقية. العقيد معمر القذافي، شخصية غريبة ومعقدة ولا تستطيع التكهن بتصرفاته؛ لأنها كانت كثيرا ما تخالف أفكاره ومعتقداته، ومن أقواله الشهيرة، والتي أثارت جدلا واسعا "تظاهروا كما تشاؤون ولكن لا تخرجوا إلى الشوارع والميادين"، و"سنزحف بالملايين لتطهير ليبيا شبر شبر بيت بيت دار دار زنقة زنقة"، وخروجه ليلقي كلمة من "توك توك" أثناء اندلاع الثورة الليبية". كيم جونج أون مجنون حديث العهد بالحكم، فمنذ أن ورث الرئاسة من والده "كيم جونج"، الرئيس السابق لكوريا الشمالية، أكد زعيم كوريا الشمالية صاحب الثلاثين عاما، أسلوبه العنيف في إعدام وقتل كل من يعارضونه بأساليب غير عادية حيث أعدم "أون كيم تشول" نائب وزير الجيش رميا بقذيفة هاون؛ عقابا على تكرار تعاطيه المشروبات الكحولية أثناء فترة الحداد على والده كيم جونج إيل. ومن التصرفات الغريبة لزعيم كوريا، أنه قام بتصفية زوج عمته، بطريقة من زمن العصور الوسطى، حيث جرده من ملابسه مع 5 آخرين تم الحكم عليهم بالإعدام مثله، ثم زجوا بهم في قفص كبير، كانت تنتظرهم فيه مجموعة كلاب برية تم تجويعها مسبقا، ونهشت الكلاب أجسادهم في مشهد دموي، وبعدها تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورة كيم جونج أون وهو يعزي عمته بعد أن قتل زوجها بقرار رئاسي من كيم نفسه بتهمة "الخيانة العظمى". ومن قراراته المثيرة، أنه حدد شروط موضة قص الشعر لأتباعه، بحيث منح الإناث الحرية لاختيار واحدة من بين 18 قصة مسموحة في البلاد، وأمر بوضع 18 صورة في كل صالون للحلاقة في العاصمة بيونج يانج، لكي تعرف النساء أنواع القصات المسموح بها، ومنها قصات تميز بين النساء المتزوجات وغير المتزوجات، أما الرجال فبلغ عدد قصات الشعر 10 أنواع، وتقضي جميعها بأن يكون السالفان محلوقين لما فوق الأذنين، وألا يكون طول الشعر أكثر من 5 سنتيمترات. رادوفان كاراديتش الزعيم السياسي لصرب البوسنة، والمسؤول عن الإبادة الجماعية للمسلمين، خاصة مذبحة سربرنيتشا التي شهدتها البوسنة والهرسك عام 1995، على أيدي القوات الصربية، وراح ضحيتها نحو 8 آلاف شخص، وتعتبر هذه المجزرة من أفظع المجازر الجماعية التي شهدتها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. ومن المفارقات، أن رادوفان كاراديتش، المسؤول عن المذابح الدموية، أنه كان يعمل طبيبا نفسيا في حين أنه كان في حاجة لوضعه بمستشفى أمراض عقلية عن هذه المذابح، كما أن من هواياته الشعر، ولكن كيف لمن لوثت يديه بالدماء أن يكتب الشعر، وهذا أمر يؤكد أنه مجنون من نوع آخر، يتصف بالعنصرية والسادية والإجرام.