«اللهم اجعله خيراً.. تُرى ماذا سيحدث بعد هذا الضحك؟».. جملة تقليدية شهيرة غالباً ما نقولها بعد أن نضحك وتدمع عيوننا من الضحك، وكأننا على يقين من أن شيئاً ما سوف يحدث ويحول هذا الضحك وهذه السعادة إلى بكاء وحزن. وتوارثت الأجيال هذا الاعتقاد، وأصبح الكثير منا فلاسفة ومحللين نفسيين، وكلما تحدثوا عن المصريين وصفوهم بأنهم شعب يعشق الحزن والشجن والنكد، ودللوا على ذلك بالجملة السابقة، وهم لا يعرفون أن الخوف من الضحك هو أحد الاضطرابات النفسية المتعددة التى تندرج تحت اسم «الفوبيا» وتسمى geliophobia، وهناك أيضاً نوع آخر وهو الخوف من الفرح أو السعادة، ويسمى Cherophobia، وأن هذه الأنواع ليست قاصرة على المصريين فقط، بل إنها موجودة ومتغلغلة فى 14 نوعاً من الثقافات المختلفة حول العالم كما نُشر فى بحث فى عدد أكتوبر الماضى من مجلة «علم النفس عبر الثقافات». ويوضح هذا البحث أسباب هذا الشعور الذى ينتج من الإحساس بأن الضحك أو الفرح إنما يمثلان قمة المنحنى الذى لا بد أن يهبط ويأتى معه أخبار حزينة غير سارة، فربما ضاعت الثروة، أو ذهب الأهل والأصدقاء، أو مرض الأبناء... إلخ.. والبعض الآخر يعتقد أن السعادة والفرح إنما هما نوع من الاسترخاء والكسل، وأن حالة التوتر والقلق الدائم هى التى تحافظ على الثروة والنجاح والتقدم، لذا فهم يخشون لحظات الفرح والسعادة والضحك خوفاً من ضياع ما لديهم من أسبابها. وقد أظهر البحث أن هذه الحالة غالباً ما يكون أصحابها مصابين بمرض الاكتئاب، ومن المهم جداً أن يعى هؤلاء الأشخاص أنهم يعانون من هذا النوع من الفوبيا أو الخوف، ويحاولوا علاجه والتخلص منه، إما بأنفسهم أو من خلال معالج أو طبيب نفسى. وربما نتذكر ما قاله عمر الخيام: «واغنم من الحاضر لذاته.. فليس فى طبع الليالى الأمان»، فنجد أن اقتناص لحظات الفرح والسعادة يصاحبه الخوف والقلق مما يخفيه القدر والزمان، لذا فالعلاج يجب أن يكون على طريقة «وداونى بالتى كانت هى الداء»، فالمشاهدة اليومية لجرعات متدرجة من الضحك والكوميديا هى الخطوة الأولى فى العلاج، ويلى ذلك النظر إلى الموضوع بنظرة إيمانية، فلماذا نقلق أو نخاف، هل نخاف من فراق الأحبة؟ وهل وعد الله أحداً بالخلود؟ لقد خاطب المولى رسوله وهو حى قائلاً له: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «يا ابن آدم أحبب من شئت فإنك مفارقة»، ولكن ينبغى علينا -كما يقول فضيلة الشيخ الشعراوى رحمه الله- ألا نفكر فى الابتلاء قبل وقوعه، لأن المولى عز وجل عندما يُنزل البلاء فإنه يُنزل معه اللطف والصبر والتخفيف الذى يعيننا على احتمال البلاء، ولو استبقنا التفكير فى البلاء فإننا نفكر فيه دون اللطف والتخفيف الإلهى الذى يعيننا على احتماله، ثم اسأل نفسك: هل تخاف من الفقر وضيق الرزق؟ كيف والحديث القدسى يقول: «يابن آدم، لا تسألنى عن رزق الغد كما لا أسألك عن عمل الغد»؟! ولا تنسَ قوله عز وجل: «وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»، صدق الله العظيم. هل تخاف على أبنائك ومستقبلهم؟ فقط تذكّر قوله تعالى: «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا»، صدق الله العظيم، هل تخاف من المرض والألم؟ ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصَب ولا وصَب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»؟! لذا علينا أن نعيش لحظات الفرح والسعادة ونستمتع بها، وأن نضحك من قلوبنا دون أن نخشى من كابوس اللحظات المقبلة، ولنجعل الأمل والتفاؤل رفيقين لنا فى الحياة مهما كان حجم المعاناة التى نكابدها لكى نحافظ على مناعتنا النفسية والجسدية، وتذكّر وصية الإمام على رضى الله عنه الذى يقول: «دع الأمور تجرى فى أعنتها.. ونم نوما قريراً هانئ البال.. فما بين غفلة عين وانتباهتها.. يغير الله من حال إلى حال».