إما الدفع أو السب، خياران لا ثالث لهما اعتاد المواطنون وسائقو السيارات الاختيار بينهما، حين يعترضهما أحد المتسولين، على رصيف ما أو فى إحدى إشارات المرور، لإجبارهم على إعطائه أى مساعدة مادية أو إتاوة بالمعنى المعاصر. قبل الثورة كان المتسول يستعطف الأشخاص، إما بالدعاء لهم أو بشرح حاله البائس أو من خلال حمل طفل رضيع لكسب تعاطف الآخرين من خلاله، أما مؤخراً فقد اختلفت كثيراً فنون التسول، وأصبح الامتناع عن مساعدة المتسول يعرض صاحبه لعاصفة من السباب والشتائم، وأحياناً يصل الأمر إلى الدعاء عليه بالمرض والفقر، خاصة فى إشارات المرور. الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى، يرى أن التغير الكبير الذى حدث فى سلوك المتسولين لم يحدث بمعزل عما يجرى فى مصر، فالمجتمع بأكمله تغير سلوكه فى الفترة الأخيرة، وخاصة بعد الثورة واستمرار الانفلات الأمنى حتى يومنا هذا. «صاحب كل ذى عاهة جبار»، مثل شعبى ينطبق على المتسولين ودلل به د. صادق على أن أى مصاب بعاهة أو من يعيش ظروفاً خاصة من فقر ومرض وتشرد، ويجد المجتمع لا يشعر به، ولا ترأف الحكومة بحاله، يبدأ سلوكه فى التغير شيئاً فشيئاً، حيث يحاول أن يخلق لنفسه طريقة يعبر من خلالها عما يشعر به ويدور بوجدانه، وهو ما أدى إلى العنف المجتمعى الذى نعيشه، خاصة بعد أن رأى أثناء أحداث الثورة أشخاصاً يُدهسون تحت عجلات سيارات الشرطة، ولم يحاسب أحد حتى الآن، فازدادت نقمتهم على المجتمع، وترسخ فى ذهن المتسول أن البلد بلا قانون وبلا رادع، وعليه أن يأخذ حقة بيده. مشاهدة المصابين والجرحى أثناء الثورة، فى رأى صادق، جعلت المواطنين لا يتعاطفون مع حال المتسولين، لا مرضاهم ولا جرحاهم، مهما استجدوهم بكل السبل.