مر على تشكيل حكومة الدكتور الببلاوى أربعة أشهر بالتمام والكمال، لم تحقق شيئاً مما كان الناس فى مصر ينتظرونه، بل ويطالبون به من حكومة جاءت نتيجة لثورة شعبية بكل المعايير، مارس الشعب خلالها أجمل وأفعل نماذج «الديمقراطية الشعبية»، ومارس المبدأ الدستورى الأساسى بأن «السيادة للشعب». وأى مراقب للحالة المصرية أثناء تولى هذه الحكومة للمسئولية لا يستطيع تقييم أدائها، حيث إن الحكومة لم تعن بتقديم برنامج أو خطة عمل أو طرح أولويات الموضوعات التى ستعنى بالتعامل معها، حتى يمكن اتخاذها أساسا فى الحكم على مستوى أدائها ونتائجه! ورغم ذلك فالإنجازات السلبية لحكومة د. الببلاوى تفصح عن نفسها بمزيد الأسف فى خطوط متعارضة مع أهداف ثورة 30 يونيو، بل وتتصادم بجرأة مع آمال الشعب والتفويض الذى منحه للفريق أول السيسى، والأمر الذى أصدره «أى الشعب» إلى القوات المسلحة بالقضاء على الإرهاب والعنف المحتمل من جماعة الإرهاب «جماعة الإخوان المسلمين سابقاً». وأول تلك الإنجازات السلبية المناهضة لمطالب الشعب وثورته كان التباطؤ غير المبرر الذى كان مقصودا فى اتخاذ قرار بفض اعتصامى رابعة والنهضة، مع فتح الباب للتدخلات الأجنبية من دول غير محابية للثورة، والتى أرادت فرض إرادتها وإعادة الأمور إلى ما قبل 30 يونيو وعودة مرسى وإخوانه بمقولة «عدم إقصاء أى فصيل عن المشاركة فى الحياة السياسية»! ولما فشلت تلك المناورات والتدخلات الأجنبية، أظهرت الحكومة إنجازها السلبى الثانى فى تعطيل غير مبرر لقرار فض الاعتصامات غير السلمية فى رابعة والنهضة، والتذرع بحجج واهية، من نوع أن الفض يتعارض مع الأيام الأخيرة من شهر رمضان وأيام عيد الفطر المبارك! وكان ذلك بتأثير الفريق الحكومى من أتباع دكتور البرادعى الذى لم يتوان عن ضرب الثورة فى الصميم باستقالته، اعتراضا منه على ما سماه وأعلنه على الملأ «استخدام القوة المفرطة» ضد المعتصمين الأبرياء! وكان ثالث الإنجازات السلبية للحكومة «الببلاوية» إجهاض دور وزارة العدالة الانتقالية وتفريغها من مضمونها، والتى كان الناس قد استبشروا حينما قرأوا أن التشكيل الحكومى يتضمن وزارة بهذا الاسم، رغم أن المستشار المهدى الذى عين وزيراً لتلك الوزارة كان فى الأصل مرشحاً لوزارة العدل، وتم تغيير الحقيبة الوزارية التى عهد بها إليه يوم أداء اليمين، نتيجة اعتراض بعض الهيئات القضائية على تعيينه وزيراً للعدل. وكان الأمل برغم هذا الاختيار المفاجئ أن يكون أول أعمال تلك الوزارة هو إعداد قانون للعدالة الانتقالية، كما كانت جماهير الثوار تطالب على مدى سنوات ما بعد 25 يناير. ولم تكن الحكومة «الببلاوية»، فى تمييع قضية العدالة الانتقالية، بأفضل من نظام «المعزول» الذى عين محمد سليم العوا مستشاراً له لشئون العدالة الانتقالية ثم لم يفعل شيئا كما كان مخططاً! بل إن حكومة الببلاوى تفوقت فى هذا المجال بأن أجهضت أعمال «اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية» التى نص عليها فى بيان «خارطة المستقبل» الذى أعلنه الفريق أول السيسى يوم 3 يوليو، فلم تعقد تلك اللجنة سوى اجتماع وحيد يوم 24 أكتوبر، ثم تم إغلاق الملف حتى الآن! ومنذ بداية تشكيل الحكومة ظهرت ملامح على بعض أعضائها ذوى التأثير والكلمة النافذة فى تسيير أعمالها بأنهم «متعاطفون» مع الجماعة الإرهابية والدفاع عن حقهم فى المشاركة فى الحياة السياسية وعدم إقصائهم، وذلك تماشياً من هؤلاء الأعضاء مع دعاوى كان قد أطلقها البرادعى وقت أن كان نائباً لرئيس الجمهورية، التى جاءت فى تدوينة عبر موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، والتى جاء فيها: «إن هناك حملة فاشية ممنهجة من «مصادر سيادية» وإعلام «مستقل» ضد الإصرار على إعلاء قيمة الحياة الإنسانية وحتمية التوافق الوطنى. العنف لا يولد إلا العنف». فقد طلع علينا د. زياد بهاء الدين بمبادرة تدعو إلى عدم إقصاء الإخوان المسلمين عن المشاركة فى السياسة «طالما هم ينبذون العنف»! وقد تبنى رئيس الحكومة هذه المبادرة وتم تمريرها من مجلس الوزراء، باعتبارها «برنامج حماية المسار الديمقراطى»، وتحت ستار هذا البرنامج الوهمى باشر د. زياد بهاء الدين مهامه فى التواصل مع قيادات الجماعة الإرهابية، حيث صرح بأن هذه الاتصالات تتم بعلم الحكومة! وقد تسربت أنباء صحفية عن اتصالات ومشاورات بين د. زياد ود. محمد على بشر ود. عمرو دراج القياديين فى الجماعة لنفس الغرض، وهو تلمس طريق للجماعة الإرهابية التى مارست وما زالت القتل والحرق والتدمير للوطن ومؤسساته، بغية إسقاط الدولة وعودة المعزول وجماعته وحلفائها. ولما اتضح الرفض الشعبى لتلك المحاولات الحكومية وزاد استنكار القوى السياسية الوطنية لهذا التردى والانبطاح الحكومى، وباءت بالفشل مبادرات الخلايا النائمة للإخوان ومقترحات الوساطة الأجنبية، بدأت عناصر جديدة مرتبطة بالحكومة فى الظهور إلى السطح، فقد طلع علينا د. عز الدين شكرى، المتحدث باسم لجنة المسار الديمقراطى، بمبادرة لإنهاء الخصومة بين الجماعة والدولة! تنص على إعلان «المعزول» تنحيه عن منصبه، اعتباراً من أول يوليو، على أن يعلن محمد بديع، المرشد العام، حل الجماعة والكشف عن مصادر تمويلها! وأوضح د. عزالدين أن من بنود المبادرة أن يعلن حزب الحرية والعدالة حق المواطنين فى المساواة وإعلان اعتذار أعضاء الإخوان عما حدث خلال الفترة الماضية، كما أن المبادرة تنص على تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية! وبدون الدخول فى تفاصيل المبادرة المرفوضة من أساسها، فإن الشعب هو صاحب الكلمة النهائية فى الحكم على الحكومة الببلاوية وأقطابها المتعاطفين مع الإخوة الإرهابيين، طالما هم سيعتذرون عما حدث خلال الفترة الماضية، وطالما أن الرئاسة مقتنعة بالحكومة وتنفى أى نية لإقالتها!