سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وثيقة أمريكية: «السادات» استخدم فزّاعة «الإخوان» للتسوية السلمية مع إسرائيل وزير الخارجية المصرى الأسبق طلب من إيران إقناع أمريكا بحل الأزمة سلمياً وحذرهم من سيطرة الإخوان على الجيش
كشفت وثيقة أمريكية تعود لأبريل عام 1973 أن الرئيس محمد أنور السادات أرسل وزير خارجيته الدكتور محمد حسن الزيات قبيل هذا التاريخ بقليل ليطلب من شاه إيران أن يتوسط لدى الرئيس الأمريكى وقتها ريتشارد نيكسون ليقوم بمبادرة للتسوية السلمية بين مصر وإسرائيل تجنباً للخيار العسكرى. وطبقاً للوثيقة -وهى خطاب سرى من السفير الأمريكى فى طهران ريتشارد هيلمز إلى مستشار الأمن القومى وقتها هنرى كيسنجر- فإن «الزيات» بدا متلهفا على الوساطة الأمريكية نظرا لرغبة السادات فى تجنب الحرب التى لا يستطيع تأجيلها أكثر من ذلك خوفا من سيطرة جماعة الإخوان على الجيش.. وطبقا للوثيقة -التى أفرجت عنها الخارجية الأمريكية فى عام 2008 ولم تنشر باللغة العربية- فإن الشاه بدا متعاطفا مع المأزق المصرى رغم التنافس الإقليمى بين الدولتين على قيادة المنطقة، ولكنه حذر القيادة المصرية من أى محاولة متهورة لعبور القناة لأن ذلك سيكون انتحارا للمصريين. نص الوثيقة: سرية لاطلاعك الشخصى فقط عناية الدكتور هنرى كيسنجر مرسل من السفير (الأمريكى بطهران) ريتشارد هيلمز الموضوع: رجاء مصرى لوساطة أمريكية «بعد تقديم أوراق اعتمادى لشاه إيران فى 5 أبريل (1973) سألنى أن أبلغ الرئيس (الأمريكى) أن وزير الخارجية المصرى «الزيات» أثناء زيارة قام بها مؤخرا لطهران ناشده التوسط لدى الرئيس الأمريكى لإقناعه بالإشراف على نوع من التسوية السلمية بين مصر وإسرائيل. ووفقا للشاه فإن الزيات قال نصا «إن مصر ستقبل بخطة روجرز» وعندما سأل الشاه وزير الخارجية عن سبب تلهفه البالغ لتحقيق التسوية الآن، أكد الزيات أن السادات فى وضع داخلى خطر وأن قادة جددا قد يسيطرون على القوات المسلحة المصرية فى أى وقت تقريبا. وعندما سأل الشاه من هؤلاء القادة الجدد؟ تردد الزيات قبل أن يصرح نصا بأنهم «جماعة الإخوان». وهو ما فسره الشاه بأنهم العناصر الراديكالية المتشددة وإن لم يصفهم الزيات على هذا النحو على وجه التحديد. ومع ذلك فقد عبر الشاه عن دهشته الكبيرة من نبرة التوسل التى تحدث بها الزيات، وقال إنه يتعاطف مع محنة مصر على الرغم من أنه يدرك أنه إذا استطاعت مصر أن تستعيد توازنها فإنها سوف تستأنف بسرعة محاولاتها لقيادة العالم العربى.. واستبعد الشاه سريعا أن يكون لدى إيران الرغبة فى المشاركة فى جهود الوساطة، ولكن كان من الواضح أنه كان مستعدا للعب هذا الدور، وذكر الشاه أنه لمس فى كلام الزيات أن هناك ضغوطا داخلية لا تقاوم للقيام بتحرك عسكرى ضد إسرائيل. فمع وجود جيش كبير على أهبة الاستعداد وما يتطلبه ذلك من نفقات تشعر القيادة المصرية أنها مضطرة لأن «تفعل شيئا ما» وقال الشاه إنه أبلغ الزيات بشكل قاطع أن مصر لا يجب أبداً أن تهاجم إسرائيل عبر قناة السويس تحت أى ظرف وأضاف له «يمكنكم أن تطلقوا مدافعكم إن أردتم لكن هجوما على إسرائيل عبر سيناء سيكون عملا انتحاريا لمصر». مساعد وزير الخارجية السابق السفيرة جيهان علام -التى ساعدتنا فى قراءة الوثيقة- قالت إن الوثيقة التى أفرج عنها بموجب قانون الوثائق السرية الأمريكية عام 2008 تحتمل أمرا من اثنين، وهما إما أن السادات كان يسعى صادقا لتحقيق تسوية سلمية تقطع الطريق على المواجهة العسكرية أو أنه كان عازما بالفعل على الحرب وأن هذا الطلب كان جزءا من خطة الخداع الاستراتيجى لإيهام إسرائيل أنه غير راغب فى الحرب وعاجز عنها. وترجح «علام» أن تكون زيارة الزيات لطهران محاولة لتحقيق الهدفين معا أى أن السادات أراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد وهما احتمال تسوية سلمية للصراع، وإخفاء استعداده للحرب. الدكتور اللواء محمود خلف يرى أن الوثيقة -إذا كانت صحيحة- فلن تخرج عن كونها جزءا من خطة الدفاع الاستراتيجى التى قادها الرئيس السادات، وتاريخ الوثيقة ومضمونها يؤكدان ذلك ففى هذه الفترة (أبريل 1973) كان السادات قد استقر على قرار الحرب لكنه واصل إيهام العالم أننا غير قادرين على خوض المعركة بأكثر من طريقة، منها الرسائل السرية التى كان يبعث بها لقادة العالم من خلال وزير الخارجية محمد حسن الزيات ومستشاره للأمن القومى إسماعيل حافظ الذى قابل وزير خارجية أمريكا هنرى كيسنجر قبل الحرب بأسبوع واحد لينقل له رسالة من السادات فحواها «إحنا تعبنا وشوف لنا حل سلمى لتسوية الصراع» لكن «كيسنجر» رد بأنكم شعب مهزوم ولستم فى وضع يؤهلكم سوى للقبول بشروط إسرائيل.. علما بأن قادة الجيش كانوا قد انتهوا من الإعداد للمعركة وفى انتظار تحديد موعد الهجوم. وأذكر أننا فى أبريل 1973 -تاريخ هذه الوثيقة- كان العسكريون منهمكين فى دراسة أدق تفاصيل تحديد لحظة الهجوم. ويضيف مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا -وأحد أبطال حرب أكتوبر- أن أحد أسباب هزيمة إسرائيل فى حرب أكتوبر قناعتها أن السادات لن يحارب وأنه ليس إلا رجلاً أفاقاً و«أونطجى» يخدر شعبه بالحديث عن حرب لا يستطيع خوضها، والسادات لعب على هذا الاعتقاد وعمقه بخطته العظيمة للخداع التى كانت الرسائل السرية ومن بينها هذه الرسالة للشاه والولايات المتحدة، والتى تدعم فكرة خوف السادات من الحرب ورغبته الشديدة فى تسوية القضية بوساطة أمريكية بعيدا عن الخيار العسكرى. أما مساعد وزير الخارجية السابق السفير حسين هريدى -الذى كان ضابط احتياط بسلاح المدفعية أثناء حرب أكتوبر- فيرى أن مضمون الوثيقة لم يكن جزءا من خطة الخداع ولكن واحدة من عدة محاولات للرئيس السادات لحل الصراع سلميا، بدأت فى 4 فبراير عام 1971 عندما تقدم السادات بمبادرة يطلب فيها من إسرائيل إخلاء خط بارليف والانسحاب 10 كيلومترات لعمق سيناء، ويقوم هو فى المقابل بإعادة فتح القناة التى كانت مغلقة منذ عام 1967 أمام الملاحة العالمية، لكن إسرائيل رفضت. وزاد هذا الرفض من الضغوط الشديدة التى كان يتعرض لها السادات محليا من رأى عام يصر على الحرب ويدفعه إليها دفعا، وشهد ميدان التحرير مظاهرات متكررة وحاشدة تطالبه بالحرب. ولم يكن السادات وحده هو من يحاول حل الصراع سلميا. ففى يونيو 1973 أى بعد تاريخ الوثيقة بشهرين، وأثناء قمة أمريكية سوفيتية بولاية كاليفورنيا أيقظ الزعيم السوفيتى برجنيف -الذى كان قلقا من احتمال انفجار الأوضاع فى المنطقة العربية- الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون من نومه وطلب الاجتماع به بشكل عاجل لدراسة الموقف ومحاولة الوصول إلى تسوية سلمية، لكن نيكسون -مثل زعماء إسرائيل- رفض كل مقترحات برجنيف. وكان نيكسون مقتنعا تماما أن الجيش المصرى غير قادر على الحرب، فضلا عن أن إسرائيل -حليفته- متفوقة على كل الجيوش العربية مجتمعة. أما فيما يتعلق بضغوط الإخوان التى أشار إليها الزيات، فيؤكد «هريدى» أن هذا ليس أكثر من مبالغة هدفها تخويف الإدارة الأمريكية من احتمال صعود التيار الإسلامى المتطرف إذا لم تتم تسوية الصراع سلميا، ووقتها ستكون الحرب هى الخيار الوحيد. ويضيف هريدى أن التيار الإسلامى فى هذا التاريخ كان ضعيفا جدا ولم يبدأ فى الظهور إلا بداية من عام 1974، ويمكن اعتبار اقتحام مبنى الكلية الفنية العسكرية -أول عملية إرهابية لهذا التيار الأصولى المتطرف- هو البداية الحقيقية لصعود هذا التيار على الساحة.