تفوقت دراما الانتخابات الرئاسية المصرية، بما يحوطها من حوادث وأحداث وطرائف وصراعات، على دراما المسلسلات التليفزيونية التي تعرف باسم "أوبرا الصابون" وتمتليء عادة بالمبالغات والمفارقات. ولاشك ان كتاب الدراما والمسلسلات بإمكانهم العثور على مادة درامية هائلة في "مولد" الانتخابات الرئاسية. خذ عندك مثالا، قصة أم أبو اسماعيل، التي أصبحت فجأة شخصية عامة يهتم بها الرأي العام وخصوصا مع التأثير المغناطيسي لبرامج التووك شو المسائية التي تعرض يوميا والتي أصبحت بديلا عن القراءة! حكاية أم اسماعيل ومن أين جاءت وكيف أنها كانت من هواة الاستماع لام كلثوم، ولم تكن من المتشددات دينيا، وكيف حصلت أو لم تحصل على الجنسية الأمريكية، وهل الداخلية تعلم علم اليقين بحصولها على تلك الجنسية أم لا تعلم، وكيف ادت هذه القصة العجيبة الى التأثير في شعبية مولانا الشيخ حازم، وانتهت أيضا إلى استبعاده من سباق انتخابات الرئاسة.. كل هذه العناصر الميلودرامية الفاقعة، تصلح لتطعيم دراما جاهزة (ببلاش) أمام كتاب الكوميديا الهزلية ومسلسلات الصابون! لكن الظاهرة الأكثر اثارة للانبتاه أن تتحول برامج التووك شو التي يدمن على مشاهدتها يوميا عشرات الملايين من البشر، إلى ما شبه الصحافة الرائجة في الغرب التي تسمى تجاوزا "الصحافة الشعبية" أي صحافة "التابلويد" التي تهتم عادة بالفضائح وأخبار أبناء النخبة الاجتماعية في عالم السياسة والفن بتركيز خاص على مغامراتهم وفضائحهم وغير ذلك. بدلا من تأصيل الظاهرة السياسية الجديدة بأبعادها المختلفة، وظهور تيارات جديدة لم يكن معروفا عنها الاهتمام بالسياسة، من ضمن ما ظهر على الساحة في مصر بعد ثورة 25 يناير، أصبحت برامج التووك شو في معظمها، تجري وراء المواضيع "الساخنة"، وتبحث عن المواد المثيرة التي تعرض بدلا من أن تحلل، وعندما تدعي أنها تستخدم بعض "المحللاتية" لتحليل الظواهر والأحداث، يبدو على كثير من هؤلاء أعراض "تصفية الحسابات"، ويصبح هناك كراسي ثابتة لشخصيات معينة في برامج التووك شو، يفتون في كل شيء، السياسة والفن والتاريخ والعسكرية وعلم النفس والجمال والقبح والفهلوة! وأصبح المشاهد يتساءل: من الذي يخدم من، ومن الذي يدفع لمن، وهل تستفيد تلك البرامج من وراء استضافة شخصيات معينة طول الوقت؟ وهل هناك من يصدر تعليمات بفرض أسماء معينة على تلك البرامج التي تكاثرت وأصبحت ظاهرة سرطانية تتوالد بسرعة، أقلها جيد ومفيد، وأكثرها غث ورديء؟ وهل تولد هذه البرامج بدافع الرغبة في التنوير أم أنها أصبحت ظاهرة تفرضها الإعلانات التليفزيونية؟ وإذا كان من حق البعض الاستئثار بمعظم برامج "التووك شو" فهل من حق المشاهد الحصول على فرصته حسب دعوة الفنان الأمريكي المتمرد من الستينيات الذي طالب بضرورة اتاحة الفرصة لكل إنسان على ظهر كوكبنا، للظهور، ولو مرة واحدة في حياته، على الشاشة الصغيرة لمدة 15 دقيقة فقط؟