تزدحم صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بمنشورات السخرية والمرح و"الكوميكس" والنكات التي يتبادلها رواده في أغلب الأوقات، وتدفع البعض إلى إنشاء الصفحات عبره، ومن بينهم "عمرو متولي" الذي دشن خلاله واحدة خاصة به منذ عامين تحمل اسم منطقته "عابدين" التي يهوى أحياءها فقرر نشر صور جميلة منها في صفحته، ولكن سريعا ما تبدل هدفه ذلك لتصبح عبارة عن مجتمع متكامل يسعى لمساعدة الفقراء والمحتاجين. "عابدين".. رغم صغر عمر الصفحة إلا أنها أصبحت سريعا لها باع طويل في تاريخ العمل الإنساني بالمنطقة الكائنة في وسط القاهرة وتحمل نفس الاسم، فبعد ما يقرب من 3 أشهر على إنشائها حيث كانت تزدحم بالكوميكس والصور التي تحكي عتاقتها، دوَّن الأدمن منشورا عن حريق نشب بشقة لسيدة فقيرة في "عابدين" تسبب في تلف كل محتوياتها، طالبا مساعدتها، لينهال عليه عدد كبير من الرسائل عبر الصفحة من أشخاص سيتكفلون بتعويض السيدة المسكينة عن أثاثها لتتحول في أقل من شهر إلى "شقة عروس". لم يكن ذلك الأمر والتطور واردا بذهن الأدمن عمرو متولي، 27 عاما، الحاصل على بكالوريوس التجارة والقاطن بمنطقة عابدين، في بادئ الأمر، ولكن بعد ذلك التغيير الذي شهدته الشقة، ووصفه ب"المبهج للغاية"، فوجئ بالعديد من الرسائل الواردة عبر الصفحة تعج بالمشكلات ويطلب أصحابها مساعدته، لتستجيب لها سريعا فطرته الإنسائية، ويبدأ في نشرها ويسارع أهل الخير لتلبية المطلوب بحب ودأب. حاول الشاب العشريني بحث الرسائل الواردة إليه بدقة للتأكد من حاجة المرسلين، ليصطدم بعدد ضخم من المشكلات والمآسي التي يعاني منها أهالي المنطقة، أبرزها "تعسر الزواج"، فسعى إلى مساعدة الفتيات المقبلات على الزواج، وتواصل مع أحد العاملين بالجمعيات الخيرية الذي نصحه بإجراء أمر أشبه ب"بحث الحالة" لتلك الطلبات، للاطلاع على صحة الأمر، وبالفعل تمكن حتى الآن من تجهيز أثاث 14 عروسا. "الموضوع بسيط، بكتب بس بوست على الصفحة إن في واحدة بتجوز بنتها وبيانتها وكده، وإنهم محتاجين كذا كذا، على طول الناس بترد بإن فلان هيجيب حاجة وحد يدخل يكتب حاجة تانية، ويروحوا يوديهالها".. بهذه الجمل وصف عمرو، ل"الوطن"، مهمته الجديدة عبر صفحته، موضحا أنه سعى أيضا لتوفير عدة أمور أيضا لغير القادرين، من بينها الدروس الخصوصية والعلاج الطبي أيضا، بالاتفاق مع المدرسين والأطباء بالمنطقة، بعد أن دعمت "عابدين" علاقاته مع كل المقيمين والعاملين في الحي، كما صمم لوجو خاصا بالصفحة ليكون علامة مميزة لها، التي تجاوز عدد متابعيها 60 ألف شخص. "تلاجات الخير".. أحد المشاريع الخيرية التي لاقت رواجا ضخما في عابدين، والتي اقترحها أحد أصدقاء "عمرو" لرؤيته لها في عدة دول أخرى وبحي المعادي أيضا، وعلى الفور اشتروا أول ثلاجة، منذ 3 أشهر، ووضعها فارغة في شارع البستان، على أن يملؤها القادرون وأصحاب المحال المجاورة من فائض مخزونهم أو المعلبات الجديدة، لتمتلئ عن آخرها سريعا في أقل من ساعة، ولكنها سرعان ما تعرضت للسرقة ومحاولة التلف على يد الأطفال، فأقام عليها باب حديد وتركه مع أحد العاملين بالشارع. وتابع أنه نقلها بجوار الثلاجة الثانية في شارع مصطفى عبدالرازق، وتم تنظيم الأمر، لتجهيز حقائب غذائية شهرية للفقراء والمحتاجين بمنطقة عابدين من محتويات الثلاجة، حيث تم تسليم 60 شنطة حتى الآن، تكفي من 15 إلى 20 يوما، بالإضافة إلى صناعة وجبات للمشردين بالتعاون مع إحدى السيدات في المنطقة. وفي الوقت نفسه لم يغفل "عمرو" بذلك العمل الإنساني، عن وظيفته بإحدى شركات "هوم سرفيس" في المنيل صباحا، وامتلاكه لمغسلة ليلا، حيث حرص على الاهتمام بصفحته على أكمل وجه، ولكنه لم يرغب في تحويلها إلى جمعية خيرية، مضيفا: "علشان محدش يفتكر أني باخد الفلوس في جيبي وأنا مش بعمل كده أصلا دلوقتي وبخلي الناس اللي توصل الحاجة، وكمان عرفت أنها هتبقى محتاجة ورق وشغلانة كبيرة". "بيت طعام عابدين".. هو الحلم الذي يلوح في أفق الشاب العشريني ويسعى لتحويله إلى حقيقة، بإنشاء مساحة أشبه بالتكيات تشمل كل ما يحتاجه الفقراء والمساكين في المنطقة.