قبل إعلان تنحيه بأيام معدودة، استقبل الرئيس السابق حسني مبارك، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية الإمارات، التي عُرفت دائما بدعمها لمصر وحاكمها المخضرم، ورغم أنه لا أحد يعرف تفاصيل اللقاء الذي دار يومها، إلا أنه هناك شيء واحد أكيد، هو تسليم رسالة من رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، كما أن مغزى الزيارة كان واضحا، وهو أنها كانت بادرة تفهم وقلق على صديق قديم وحليف يعول عليه لدول الخليج العربي عموما في قضايا لعل من أهمها مواجهة إيران. ولكن اليوم، وبعد مرور عامين على الثورة، أضحت الصورة مختلفة تماما، فانتشار النفوذ الإسلامي في المنطقة، أفسد العلاقات بين البلدين، ولم تقتصر عواقبه عليهما فقط، بل شملت كل بلدان موجة الانتفاضات العربية المناهضة للحكام الطغاة. وعدت الإمارات، التي تضم بين سكانها حوالي 380 ألف مصري وافد، بتقديم معونة قدرها ثلاثة مليارات دولار للقاهرة في عام 2011، ولكن مصادر مطلعة أبلغت وكالة أنباء "رويترز"، بأنه لم يتم تحويل المبلغ بعد، فيما يرجع أساسا إلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد. من غير الوارد قطع العلاقات بين البلدين، ولكن الفتور غير المعهود في تعاملاتهما يعبر عن علاقة متزايدة التعقيد بعد انتفاضات المنطقة بين دول الخليج الغنية وبين الدول كثيفة السكان وذات الثقل السياسي الإقليمي مثل مصر. وكان الحال عادة بالنسبة إلى دول الخليج أن تقدم الدعم المالي والاستثمارات إلى الدول الأقل مواردا، وأن تتلقى في المقابل الدعم الدبلوماسي، وأحيانا الحماية العسكرية. تقول جين كيننمونت، الباحثة بمركز "تشاتام هاوس" البريطاني للأبحاث، إن التوتر بين مصر والإمارات له تاثير ضخم على نجاح عمليات التحول العربية، وتضيف: "فعندك عدد من البلدان التي تمر بعملية تحول لكن لها حاجات اقتصادية ضخمة، ومن الطبيعي أن تتطلع هذه البلدان إلى دول الخليج العربي الغنية". وتفيد دراسة للباحثتين بسمة موماني وكريستال إنيس، في نشرة "كمبردج ريفيو أوف ناشونال أفيرز"، بأن الدول العربية استحوذت على 62% من المعونة الخليجية الإجمالية التي قدمت في الفترة من 1970 إلى 2008. ويقول محللون إنه ينبغي للإمارات توخي الحذر في معالجة الموضوع، فإغضاب الإخوان من شأنه أن يؤثر على علاقات الإمارات مع دول أخرى مثل سوريا، حيث يقوم الإسلاميون بدور مهم في الثورة على الرئيس بشار الأسد، كما أنها قد تؤدي إلى إثارة حفيظة حكام مصر الجدد إلى تقريب القاهرة من إيران. وترى دول الخليج أن الإخوان يتبعون سياسة تتسم ب "اللين" مع إيران خلافا لموقف مبارك. وقال فريدريك ويري، زميل برنامج الشرق الأوسط بمركز "كارنيجي إنداومنت" لأبحاث السلام الدولي، إن "الإمارات تدرك أن الدور المحوري لمصر في الشؤون العربية هو أنها ثقل مهم يوازن إيران". وتحتاج دول الخليج إلى أن تنعم مصر بالرخاء لعدة أسباب لعل من أهمها حماية الاستثمارات الخليجية. وكان العامل الحاسم في زيادة قلق حكام دول الخليج العربي بشأن سقوط مبارك، هو صعود الإخوان إلى السلطة، وهم من أشارت إليهم برقية دبلوماسية أمريكية ذات مرة على أنها "عدو لدود" للإمارات. وإذا كانت واشنطن على استعداد للتعامل مع الإخوان، فهل تفعل الشيء نفسه في الخليج إذا ذهبت روح ديمقراطية جديدة بتقاليد الحكم الملكي المتوارث في المنطقة؟ وقال أستاذ العلوم السياسية في الإمارات عبد الخالق عبد الله، إن "الإمارات عندها قاعدة، وهي عدم التساهل مع أي نوع من التنظيمات السياسية سواء إسلامية أو غير إسلامية، وهؤلاء الأشخاص (الإماراتيون والمصريون) خالفوا القانون، الأمر واضح وبسيط". لكن الإمارات استمرت في الإدلاء بتصريحات علنية صارمة. وكتب ريتشارد لوبارون، سفير سابق للولايات المتحدة في الكويت، في دراسة لمركز "أتلانتيك كاونسل" للأبحاث، أن دول الخليج العربية تعهدت بتقديم مبالغ ضخمة لمصر للمساعدة في إشاعة الاستقرار في البلاد لكنها تتحرك بدافع من مصلحتها. وقال لوبارون إن معظم دول الخليج التي تشعر بالقلق بشأن الإخوان، اعتمدت موقف "الانتظار والترقب" من الحكام الجدد في مصر وتونس قبل الالتزام باي مبالغ كبيرة إضافية، ويبدو أنها لا تجد أي ضرورة للإسراع باتخاذ مثل تلك القرارات.