يجهل العامة عادة طبيعة الأمراض النفسية والعقلية وأعراضها.. والفروق الجوهرية بينها.. ويخلطون خلطاً شائعاً بين المرض النفسى وسلوك الشخصية وأخلاقها وأفعالها وردود أفعالها تجاه الآخرين.. ونحن فى أغلب الأحوال نتعامل مع المريض النفسى فى إطار موقفنا من سلوكه تعاملاً اجتماعياً.. بمعنى أننا نرى سلوكه المرضى ليس سوى جزء من سمات شخصيته.. فالإنسان المصاب بعصاب الوسواس القهرى مثلاً الذى يضطر للقيام ببعض الأعمال والطقوس التى يرفضها عقله الواعى ويرفضها المنطق.. لكنه لا يستطيع أن يهدأ إلا إذا قام بها مثل تكرار غسيل اليدين.. أو تكرار التأكد من القيام بعمل معين أو الإلحاح المستمر للسؤال لمعرفة أمر ما ربما يكون تافها أو غريبا أو شاذا.. هذا الإنسان يتعامل معه الناس باعتباره «نمكى» أو «محبكها شوية» أو «حنبلى».. ولا يدركون أنه مريض يعانى من القلق والاكتئاب ولابد من علاجه.. والمصاب بالعصاب الهستيرى ذى السلوك الاندفاعى والعدوانى والانفعالات الحادة المصحوبة بالصراخ والذى لا يمكنه التحكم فى غضبه.. ويصل به إلى أقصى مدى من التهور والثورة ولأسباب بسيطة لا تتناسب مع هذه الثورة.. هذا المريض يتعامل معه الناس باعتبار أنه «عصبى شوية» أو «دمه حامى» أو «ابن سبعة» لكن قلبه أبيض.. بيهب يهب لكن بينزل على مفيش.. بينما «مفيش» تلك قد تؤدى إلى ارتكابه جريمة فى لحظة ثورة مفاجئة.. ومريض الاكتئاب الذى يشعر بالحزن واليأس والتشاؤم والرغبة فى الانطواء والعزلة وكراهية الحياة.. يتعامل معه الناس باعتباره «نكدى» أو «غاوى غم» أو «نفرى» أو «زعلان شوية فى ذات نفسه».. ولا يدرون أنه يتعذب ويعانى وأن آلامه الداخلية تمزقه. أعرف سيدة ظلت أسرتها تستهين بمعاناتها وتفسر اكتئابها على أنه نوع من الدلع الارستقراطى أو الرفاهية البورجوازية حيث إنها لا تعانى من وجهه نظرهم من مشاكل نستحق هذا الكدر أو الاغتمام حتى فوجئوا بها وقد ألقت بنفسها من الشرفة منتحرة. لم ينصحها أحد باللجوء إلى الطبيب النفسى.. ذلك لأن تصورهم عن المريض النفسى أو العقلى لا يخرج عن كونه ذلك النموذج الشائع للرجل الذى يرتدى زياً غريباً.. ويسير فى الشوارع يحدث نفسه.. ويشتم المارة.. والصبية يقذفونه بالطوب.. أو ذلك الذى يقف عند إشارة المرور يضع أغطية المياه الغازية على صدره.. ويحمل علم أمريكا ويقوم بتنظيم حركة المرور. ولأن العامة يجهلون طبيعة تلك الأمراض النفسية والعقلية فهم لا يذهبون إلى الطبيب النفسى الذى عادة ما تقدم له شخصيته فى الأعمال الدرامية مشوهة نتيجة جهل أغلب كتاب السيناريو والمخرجين بطبيعة مهنته.. فيظهر فى الأعمال الكوميدية غريب الأطوار.. يهذى بتعبيرات هزلية أو خاطئة ولا علاقة لها بالطب النفسى على الإطلاق.. ويبدو أكثر مرضاً من المريض نفسه ويساهم ذلك فى عزوف الكثير من العامة عن زيارة الطبيب النفسى.. كما يحسون أن ذلك يمثل فضيحة اجتماعية تمس سمعتهم إذا ما عرف المحيطون بهم بهذه الزيارة. لذلك يرى د. عادل صادق ضرورة أن تكون للمواطن البسيط ثقافة طبية وأن يعرف المزيد عن الطب النفسى.. وأن تتغير نظرة الناس للمرض النفسى وللمريض النفسى وألا نخجل حين نمرض فالشىء الوحيد الذى يجب أن يخجل منه الإنسان هو أن يخطئ عن عمد.. كما يجب أن يتفهم أهل المريض طبيعة مرضه ليساهموا فى علاجه.. فأكثر ما يصيب المريض النفسى بالتعاسة ألا يقدر معاناته أحد.