الأدباء والشعراء والفنانون في الغالب يكون لدى كل منهم حلم أو فكرة ينسج حولها أدبه ويدور في فلكها أبطاله، فمن الكتاب من يتخذ الثورة كفكرة وإطارا لأدبه، وهناك من يتخذ من عالم الثروة والسلطة فضاء، أما الأديب الراحل إبراهيم أصلان فكانت فكرته وحلم وأسطورته التي كتب عنها هي" الإنسان"، وخاصة الإنسان المهمش والبسيط الذي بات محور الأحداث فى جميع أعمال أصلان، وكانت تتقاطع مع هذا الانسان فكرة الحنين إلى الكيت كات حيث نشأ أصلان. لم يكن أصلان من الأدباء الذين يتميزون بكثرة الإنتاج الأدبي، فهو ينتمي إلى مدرسة تهتم بقيمة العمل الأدبي لا بعدده، لذلك كان لهذه الأعمال القليلة التى كتبها أصلان أثر وقيمة أدبية كبيرة، بدأ أصلان مشواره الادبي بكتابة القصة القصيرة، وصدرت مجموعته القصصية الأولى "بحيرة المساء" التي جذبت الانتباه بشدة له، وحفزت الكاتب والمفكر يحيى حقي للوقوف إلى جانبه ونشر الكثير من أعماله القصصية في مجلة "المجلة" كان يرأس تحريرها. ينتمي أصلان إلى جيل الستنيات الأدبي، هذا الجيل الذي صدمته نكسة 67 وجعلته يعيد التفكير في كل شيء، ويقيم كل شيء من جديد، ثم جاء نصر أكتوبر ليعيد لهم بعض ما فقدوا من أحلام، لكن سياسية الانفتاح الاقتصادي واتفاقية السلام فى فترة السبعينات جائت لتكرر مأساة النكسة، كل هذه الاضطرابات كانت لها أثر كبير على أدب جيل الستنيات وأعمالهم، فأصلان الذى تربي على شط نهر النيل القريب من بيت أسرته فى الكيت كات، وجد أن كل شىء يتغير من حوله فى فترة السبعنيات وما تلاها فشط النيل لم يعد متاحا لأهل الكيت كات، وأصبح حكرا على الرأسماليين الجدد، والبيوت القديمة التي تحمل ذكريات الناس وتاريخهم صارت تهدم لتبنى مكانها أبراج عاليه مشوهة، والعلاقات الاجتماعية بين الناس تغيرت بشكل رهيب، كل هذا دفع أصلان أن لمحاولة الحفاظ على أرث منطقته التي تربى بها وعاش فيها عمره، فبدأ يكتب عن الكيت كات وعن شوارع هذه المنطقة وعن أهلها وسكانها وعلاقتهم الإنسانية والاجتماعية. اكتسب مهارات الكتابة من مهنته التي عمل بها في البدايات كبوسطجي في هيئة البريد، فتاثر بها سريعا لينسج من " التلغرافات وجوابات البوسطة" روايات واعمال أدبية مفعمة بهموم ومتاعب الناس تقف جنبا إلى جنب مع البسطاء، فكان أسلوبه يتميز بالحياد فهو لا يحكم على أبطاله ولا يضفي عليهم بطولة وهمية وكاذبة تصنع منهم أسطورة كما يفعل غيره من الكتاب. أصلان فى أدبه أشبه برجل البريد الذى يقوم بمهمة الوسيط بين المرسل والمستقبل، فأصلان فى اعماله يقوم بربط الشخصيات بالقارىء بدون أن يفرض نفسه ككاتب على هذه العلاقة، مما يضفي على نصوص اصلان قدر كبير من الحميمة ويجعل القارىء دائماً مرتبط بشخوص أعمال. ويتسم اسلوب ابراهيم اصلان بالدقة والايجاز الشديدين، ويستخدم أيضاً لغة نابعه من شخوص العمل وليست لغة أدبية ممتلئة بالمحسنات و الاستعارات اللغوية، يصف أبطاله بكلمات محايدة وبسيطة وذات دلاله عميقة. كما يميز أسلوب أصلان بقدرته على رصد أدق التفاصيل فى الشوارع والاشخاص والبيوت، هذه القدرة التى تجعل القارىء يشعر وهو يقراء اعمال اصلان انه يشاهد فيلما سينمائيا، فأعماله ممتلائه بالثراء البصري إبراهيم أصلان والسينما رواية "مالك الحزين" هى أحد أهم أعمال أصلان الروائية وقد أدرجت هذه الرواية ضمن أفضل مائة رواية فى الادب العربى،المخرج السينمائي داوود السيد طلب تحويل روايته "مالك الحزين" الى فيلم سينمائى، فأدخل عليها "أصلان" بعض التعديلات لتحويلها الى فيلم بعنوان "الكيت كات"، وحقق الفيلم نجاح كبير " أسوة بالرواية، وأصبح فيلم "الكيت كات" أحد أهم أفلام السينما المصرية على مر تاريخها، من الرواية الهامة فى مسيرة أصلان الأدبية هى رواية "عصافير النيل" والتى حولها المخرج مجدي أحمد علي إلى فيلم سينمائي. رحل عن عالمنا إبراهيم أصلان فى 7 يناير 2012 تاركاً أعمال أدبية مميزة، ومن مجموعاته القصصية " بحيرة المساء"، "يوسف والرداء"، "وردية ليل"، "حكايات من فضلله عثمان"، ومن روايته" مالك حزين"، "عصافير النيل"، "حجرتان وصالة" بالاضافة إالى كتاب "خلوة الغلبان" وهو عبارة مجموعة من المقالات المميزة، وكتاب "شىء من هذا القبيل" الذي يحتوي على مجموعة من النصوص المتنوعة التي تتراوح ما بين المذكرات والقصة والمقال.حصل أصلان على عدة جوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2003 – 2004، وجائزة "كفافيس" الدولية عام 2005، وجائزة ساويرس في الرواية عن "حكايات من فضل الله عثمان" عام 2006.