Run Forrest.. Run Forrest مَن منا لا ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة حينما يسمع تلك العبارة، ويتذكر فيلم "فورست جامب"، "Forrest Gump" للممثل الرائع توم هانكس، وهو يؤدي دور هذا الشاب الأمريكي الذي يعاني من انخفاض حاد لمستوى ذكائه، ولكنه وبمساعدة أمه ينجح في صنع العديد من الأشياء المبهرة، في لوحة إنسانية مبهرة تعتبر المستحيل طوع إرادة الإنسان، ومن يستطيع أن ينسى هذا الدور الرائع لضابط ملتزم يقابل معجزة بشرية تستعد للإعدام في فيلم "الميل الأخضر"، "The Green Mile " بكل ما يحمله الفيلم من مشاعر إنسانية خالصة تجاه الأخر والإيمان به، وكذلك فيلم "Cast Away" ذلك الإنسان الضائع بعيدا عن الحضارة والذي يصنع مقومات حياته بيده محتفظا بأمل لا يغيب ولا ينضب بالعودة لحياته، مصاحبا تلك الكرة الصماء "ويلسون" تعويضا عن الوحدة، ذلك الإنسان الذي قهر الطبيعة وانتصر، وأفلاما أخرى لهانكس مثل "You've Got Mail" و"The Terminal"، كان فيها دائما لمسة الريشة الأكثر إنسانية في لوحة فنية تضج بالأحاسيس. لكن صاحب هذا المشوار الرائع ظهر في فيلمه الأخير "كابتن فيليبس"، "Captain Phillips" مختلفا للغاية، من خلال أحداث تدور حول قبطان سفينة أمريكية تمر بالخليج الصومالي وتتعرض للهجوم من قبل القراصنة الصوماليين، الذين ينجحون في السيطرة عليها، قبل أن يضطروا إلى مغادرتها بعد إصابة قائدهم في قارب نجاة تابع للسفينة الأمريكية وبصحبتهم قبطان السفينة كابتن فيليبس اسيرا، أملا في العودة للصومال وطلب فدية 10 مليون دولار من الشركة صاحبة السفينة، مما يدفع البيت الأبيض إلى إصدار أوامر إلى الجيش الأمريكي بمنع القارب من العودة للصومال والإعلان عن وجود أسير أمريكي أمام العالم وإنهاء العملية بتحرير الأسير. ومن خلال أحداث لاهثة للغاية وإيقاع أمريكي معتاد وعرض مقصود للقوة العسكرية الأمريكية المفرطة يتم تحرير الرهينة وقتل ثلاثة من خاطفيه واعتقال الرابع. ويؤدي توم هانكس من خلال أحداث الفيلم شخصية الاب القلق على مستقبل أولاده، المشغول بعائلته لدرجة أنه يشرب قهوته في "مج" عليه صورة ولديه، الذين يحمل صورتهما مع والدتهما اينما رحل، والقبطان الماهر جاف المشاعر مع طاقمه لدرجة الذهاب خصيصا للكافيتيريا في وقت الراحة لاخبار طاقمه بانتهاء راحتهم. والذي يتحول بمجرد وجوده كرهينة غلى شخصية صلدة للغاية تحاول علاج الشاب الصومالي الصغير المصاب، والتي لا تنهار إلا عند معرفة عائلته بخبر خطفه، وفي النهاية يؤدي هانكس المشهد الوحيد اللائق بموهبته بين يدي الطبيبة الأمريكية على سطح البارجة التي أنقذته في "فينالة" الفيلم، الذي ينتهي تاركا تساؤل هام لدى المشاهد، حول توحش القدرة العسكرية الأمريكية التي حاصرت مركب نجاة صغير ببارجة وطائرات هليكوبتر وفرق من الضفادع البشرية وفرقة تفاوض، خاصة مع حرص مخرج الفيلم Paul Greengrass على جمود تعبيرات كل ضباط الجيش قبل وأثناء وبعد نهاية عملية تحرير الرهينة، وإصدارهم أوامر القتل دون رمشة جفن واحدة. وكذلك حرص كاتب السيناريو Billy Ray على إظهر الهلع الأمريكي بإمكانية إعلان القراصنة الصوماليين عن وجود اسير أمريكي، ولكن هل كان تحرير الرهينة بذلك الشكل تأكيداً على تفوق الأمريكي "السوبرمان" الذي لا يقهر، أم عرض لتوحش القدرة العسكرية الأمريكية. لم يوضح كاتب السيناريو ولا المخرج هذا الفارق ويصعب أن يصل المشاهد إلى هذا من خلال سير الأحداث. لكن يبقى اروع ما في الفيلم هو أسلوب التصوير الرائع، والأداء المبهر لطاقم الممثلين الذي أدى دور القراصنة الصوماليين وعلى رأسهم قائدهم Barkhad Abdi، الذي تفوق في كل المشاهد المشتركة مع توم هانس للمرة الأولى منذ ظهر "هانكس" على شاشة السينما عام 80. في النهاية قد يكون فيلم "كابتن فيليبس" بعيدا عن تلك المنطقة الإنسانية التي يتألق فيها "هانكس"، وقد يكون رسالة واضحة للمجد الأمريكي العسكري، وقد يكون رسالة تفضح هذا التوحش العسكري، لكنه يبقى فيلما متوسطا، تهب مشاهدته بعض التشويق والمتعة لكنه لا يستحق المقارنة بالافلام المذكورة في بداية المقال.