ابتداء من مساء (10 يونيو2010)، تداول الشباب المصريون عبر «فيس بوك»، صفحة تحمل اسم «كلنا خالد سعيد» تندد بمقتل الشاب السكندرى «خالد محمد سعيد صبحى 27 عاما» لتصبح قضيته قضية جيل، ولم يكن خالد يتوقع أن عددا ممن أطلق عليهم «مناضلى الكيبورد» سيصعدون قضيته حتى تصبح - بعد 7 أشهر فقط من استشهاده - أيقونة للدعوة ل«يوم الثورة». ما يهمنا الآن هو تأثير صفحة «كلنا خالد سعيد» حاليا على الشارع السياسى المصرى عامة والثورى خاصة.. هل لازالت أيقونة للفعل الثورى، أم إنها أصبحت منبرا إصلاحيا؟ هل لازال وائل غنيم يحرض الشباب على الثورة –إن كان هذا هدفه من الأساس – أم إنه –كما يمزح البعض- شرب الشاى بالياسمين؟ كلمة السر: التأسيس فكرة الصفحة ذاتها لم تكن الوحيدة، كانت هناك عشرات الصفحات تندد بالحادث، بل سبقتها صفحة أخرى باسم «أنا اسمى خالد محمد سعيد» (الآن تضم ما يزيد على 300 ألف متابع)، إلا أن صفحة (كلنا خالد سعيد) تميزت بعدة فوارق جوهرية لعل أهمها أن مؤسسها كان يعمل مديرا للتسويق بشركة جوجل بالشرق الأوسط، وبالتالى فإن خبرته - بشكل تلقائى - كان لها النصيب الأكبر فى رواج الصفحة عبر أسس أولها: 1) وضوح الرؤية خبرة وائل غنيم التسويقية جعلته تلقائيا، لا يجعل الصفحة مجرد متنفس للغضب (وهو الدور الذى رضيت صحف المعارضة الكارتونية بالقيام به لسنوات) أو نشر الأخبار العادية، بل ركز منذ «البوست الأول» على أن يحدد للصفحة هدفا استراتيجيا واضحا وهو (إيقاف التعذيب عموما - إسقاط قانون الطوارئ - إيقاف استغلال المسئول لمنصبه - إيقاف التضليل الإعلامى) وهو الهدف الذى سارت الصفحة نحوه منذ انطلاقها حتى يوم 25 يناير، بل إن المتأمل حتى فى تفاصيل الدعوة ليوم «الثورة» على الصفحة يجد أن الأمر متسق تماما فشعار الدعوة كان (25 يناير يوم الثورة على الفساد والبطالة والظلم والتعذيب) فيما كانت مطالب اليوم «الإصلاحية» تنحصر فقط حول: (إلغاء الطوارئ وإقالة وزير الداخلية وتحديد الرئاسة بفترتين، ومواجهة الفقر) وفقط! البعض سيراها مطالب إصلاحية بسيطة، لا ترقى إلى مفهوم الثورة التى تعنى تغييرا شاملا وليس إصلاحات هيكلية فى النظام المستبد، لكنها مطالب تتسق مع هدف الصفحة الاستراتيجى منذ البداية (ضد التعذيب والظلم) ومطالب تحظى بأكبر قدر من الإجماع الشعبى. وفى سياق السير نحو الهدف اعتبرت الصفحة باقى الأهداف فرعية مهما كانت تبدو كبيرة، حتى لو كان الهدف الفرعى (إسقاط مبارك)، وهو الأمر الذى رفضته الصفحة بوضوح تام عبر نوت شهيرة فى يوليو2010، انتقد فيها قرار بعض الشباب فى المسيرة أنهم يهتفون يسقط يسقط حسنى مبارك، لأن هذا الهتاف سيخرج عن هدف المسيرة الأصلى بالهتاف برفض التعذيب (فقط) والتركيز عليه وعلى ما اتفق الدعوة حوله. 2 - التفاعلية مع الأعضاء منذ البداية لم تكن مجرد رسائل إعلامية ترسل فى اتجاه واحد دون اهتمام بما يقال فى التعليقات، بل كان الأدمن يتابع التعليقات باهتمام حقيقى ويتفاعل معها، ما يسمى فى مجال التسويق: متابعة رجع الصدى ”feedback”، 3 - فريق مساند قوى بعد 10 أيام من إنشاء الصفحة وصل العدد إلى 131 ألف متابع، فبدأ وائل غنيم يختار فريق الصفحة بعناية، فانضم للفريق، المدون «عبدالرحمن منصور»، (23 عاما آنذاك)، (من مدونى جيل 2005 - ومراسل للجزيرة توك ومؤسس مبادرة «ويكيليكس العربية» وأيضا انضم للفريق، الناشط المدون «د. مصطفى النجار» (30 عاما آنذاك) طبيب الأسنان السياسى والمدون، والمنسق العام الثانى لحملة البرادعى لاحقا، كما انضمت معهم الناشطة الحقوقية «نادين وهاب»، مصرية أمريكية وأحد نشطاء الجمعية الوطنية للتغيير بواشنطن. 4 - النيوميديا لم تنحصر الصفحة على التدوين ونشر الصور، بقدر ما تنوعت فى استعمال الروابط المختصرة (والتى كانت وقتها أمرا جديدا) وصولا لتعميم استخدام خرائط جوجل، إلى استخدام الحشد لأهداف إلكترونية بسيطة (مثل فكرة رسائل لضباط الشرطة عبر الفيس بوك). 5 - عدم تسييس القضية فبرغم أن حادثة خالد سعيد نشرت - فعليا - أول ما نشرت على الإنترنت عبر صفحة السياسى العتيد «د. أيمن نور»، وبعدها أكدت الأمر، جريدة الشروق، إلا أن كان حرص مؤسس الصفحة منذ البداية على عدم تسييسها، وعدم انجرافها - حسب قولهم - لمنطقة تشابكات السياسة وتعقيداتها وصراعاتها. 6 - ديمقراطية الحوار فأغلب أفكار الفعاليات كانت تأتى أحيانا من الصفحة نفسها، ومن الأعضاء، التى كان يطرح فكرتها للتصويت، ويقيمها، ويدير حوارا حقيقيا بقواعد نقاش حقيقية، بل إن فكرة تحويل ايفنت 25 يناير من يوم احتجاجى ضد التعذيب إلى (ثورة) ضد التعذيب والظلم، جاء تفاعلا مع التعليقات التى تحمست بعد ثورة تونس. قبل الثورة: مظاهرات منزلية * فى الأيام الأولى (يونيو2010) بدأت فى التركيز على نشر صورة خالد سعيد الشهيرة (بعد استشهاده)، والتأكيد على أن مقتله جاء نتيجة السلبية وأن «دمه فى رقبة المصريين»، وركزت على طلب نشر «البوستات» والصور. * ثم صعدت الصفحة بشكل تدريجى، بأن طلبت من كل عضو أن يصور نفسه فى منزله حاملا لافتة عليها عبارة «أنا خالد سعيد» وهو ما يعتبر أشبه ب«تظاهر منزلى»، وهو ما يمثل خطا يميل إلى كسر حاجز الخوف تدريجيا بالانتقال من الواقع الافتراضى للواقع العملى. * ومع تزايد عدد أعضاء الصفحة، بدأ التفاعل فى الدعوة بشكل منظم لوقفات صامتة متتالية على أرض الواقع، بدأت بوقفة (18 يونيو) بالقاهرة والأسكندرية، ثم وقفة وتظاهرات (25 يونيو) الشهيرة التى حضرها البرادعى مشاركا، ثم وقفة (23 يوليو) والتى كانت تركز على المشاركة فى صمت، دون هتاف أو لافتة أو تجمع. * ومع بدء الدعاية الانتخابية لمجلس الشعب 2010 (نوفمبر 2010) اختارت - بتنسيق مع شباب 6أبريل وحملة البرادعى - الدعوة ليوم «جمعة الغضب لوقف التعذيب فى مصر» (26 نوفمبر)، وبرغم أن نجاح اليوم كان نسبيا نتيجة المطاردات الأمنية، إلا أنه يعد أول تنسيق ثلاثى بين القوى الأساسية التى دعت فيما بعد لتظاهرات 25يناير. وفى يوم الانتخابات ذاته، دعت الصفحة إلى أن يذهب أعضاؤها إلى الانتخاب فى لجانهم ويكتبوا فى ورقة الانتخاب «خالد سعيد». الدعوة للثورة: عيد البلطجية * بعد أسبوع من حادث التفجير أمام كنيسة القديسين (رأس السنة الجديدة) (قتل فيه أكثر من 20 ضحية و100 جريح) دعت الصفحة إلى وقفة صامتة لمدة ساعة عند كورنيش الأسكندرية واستجاب العشرات صغار وكبار ولم يتدخل الأمن. * وأضاف تعذيب وقتل شاب سكندرى آخر هو «محمد سيد بلال» فى قسم الشرطة، زيتا على النار ودوت صرخة عبر الصفحة ذاتها، «كلنا سيد بلال»!، وأدت الحادثة إلى فكرة أطلقتها الصفحة يوم 9 يناير، حول كيف تحول مناسبة عيد الشرطة 25يناير إلى يوم لحملة ضد التعذيب؟ وأيد الفكرة عدد من الأعضاء وتلقف الفكرة نشطاء ودعوا لتسميته «عيد البلطجية». * ومع هروب بن على (14 يناير) إثر الثورة الشعبية فى تونس والتى نجحت فى خلع رئيس طال حكمه أكثر من 30 عاما.. لتحمل الأمل «أليس فى هذا تشابه بمصر؟» وناقش الشباب عبر الصفحة انطلاق تظاهرات مقاربة لتونس واقترح البعض على الصفحة أن يكون يوم 21 يناير (على اعتبار كونه يوم جمعة) إلا أن أغلبية الآراء على الصفحة أيدت الثلاثاء (25 يناير) كبداية للتظاهرات. كان الحماس هادرا من الصفحة فى الحشد لليوم، وبدأت من يومها «البوستات» المؤثرة التى تبدأ بعبارة «أنا نازل يوم 25 يناير». * وفى ظهيرة 25يناير كانت الهتافات تحتشد بأعداد تتزايد بشكل حاشد، تغيير.. حرية.. عدالة اجتماعية. وكان وائل غنيم - كما حكى لاحقا - قد نزل للقاهرة للمشاركة، فيما كان عبدالرحمن منصور يقضى خدمته العسكرية بالجيش، وهو ما جعل الصفحة فى تلك الفترة تحت متابعة وإشراف كل من نادين وهاب ومصطفى النجار ونشطاء مساعدين. بعد الثورة: شاى بالياسمين بعد نجاح الثورة وإسقاط قانون الطوارئ «عمليا»، فلا شك أن الصفحة قد وجدت أن أهدافها الاستراتيجية قد تحققت وبقوة، ليس فى عقاب قتلة خالد سعيد وشهداء التعذيب، بل فى عزل ومحاكمة حتى المسئولين السياسيين (خلع الرئيس مبارك)، ووزير الداخلية (العادلى). وحدثت فترة تضارب فى إدارة الصفحة بين الاحتفال بإنجاز الثورة ورصد بعض السلبيات ونشر بعض مقالات وائل غنيم، والبعد عن أى «مشاركة أو دور فى الحياة السياسية بشكل مباشر» نتيجة القسم الذى كان قد أقسمته الصفحة قبل الثورة. كما قيل فى أحد البوستات (فبراير 2011): «أنا لن يكون لى أى اشتراك فى الحياة السياسية المصرية بس كمصرى محدش يقدر يمنعنى من المساهمة فى تنمية المجتمع وتطوير التعليم وتشجيع السياحة ومساعدة الاقتصاد». وبشكل عام تمحور خط الصفحة حول 9 خطوط أساسية: 1) الدعوة لفعاليات ائتلاف شباب الثورة والتى يكون عليها أكبر إجماع شعبى (من وجهة نظر الصفحة). 2) الحديث مع المسئولين بصيغة التوقير والاحترام (المجلس العسكرى الموقر - سيادة رئيس الوزراء) والاحتفاء بالإنجازات ونقد الأخطاء بأدب. 3) متابعة أخبار المصابين، والتذكير بالشهداء فى أعياد ميلادهم أو استشهادهم. 4) نقد الأخطاء بشكل موثق ودقيق، بشكل أقرب للتلميح منه إلى التصريح. 5) ورصد الظواهر السلبية فى التعليم والفساد والحكومة، ومتابعة أخبار محاكمة المخلوع وحاشيته. 6) إعادة نشر مقالات أو تدوينات مهمة التى تشكل نظرة للوعى، مع الحرص على الوقوف على الحياد سياسيا دون تأييد طرف أو تيار. 7) افتقاد الروح التنظيمية والحشد الذى كان فى فعاليات الصفحة ما قبل الثورة. 8) إعلانها التعاطف مع شهداء أحداث ما بعد الثورة، لكن دون الدعوة لفعاليات احتجاجية ضد قتلتهم! (أبريل - محمد محمود - ماسبيرو- مجزرة بورسعيد) 9) التضارب فى موقف دعم الصفحة لقضايا التعذيب نتيجة خلط المعلومات! وهو ما نجده بالفعل فى تسلسل الأحداث: - ابتداءً من فعاليات الثورة (إقالة شفيق - جمعة التطهير).. وغيرها من فعاليات كان العامل المشترك بينها (دعوة ومشاركة ائتلاف شباب الثورة) وصولا إلى استحقاقات استفتاء مارس 2011 (الصفحة وقفت على الحياد دون أن تحدد برأى نعم أو لا، وفضلت عرض وجهتى النظر! - وفى انتخابات برلمان ما بعد الثورة (ديسمبر 2011) كانت الصفحة تنقل أحداث شارع محمد محمود وتغطى (طوابير الحرية) فى ذات الوقت. وفى الوقت الذى كانت الصفحة تعلن التعاطف مع شهداء أحداث ما بعد الثورة، لكن دون الدعوة لفعاليات احتجاجية ضد قتلتهم ولو حتى وقفات صامتة بسيطة. - وأما فيما يخص دعم الصفحة لقضية رفض التعذيب، فقد لوحظ وجود تضارب (ظهر فى قضية سلمى الصاوى وشهيد طنطا) التى تراوح موقف الصفحة للدعم ثم التراجع بعد اكتشاف نقص المعلومات، وهو الأمر الذى جعل الصفحة فيما يبدو، تتخوف من دعم أى قضية تعذيب جديدة. - بالنسبة للموقف من المرشحين فى انتخابات الرئاسة، فكان من الواضح أن حركة مصرنا (المؤسسة من وائل غنيم) قد انحازت لعبدالمنعم أبوالفتوح، ربما تأثيرا من استفتاء الصفحة الأول الذى انحاز لأبوالفتوح (الاستفتاء الثانى فاز به حمدين صباحى). - وفى جولة الإعادة الشهيرة، كان موقف الصفحة بدعم اختيار مرشح حزب الحرية والعدالة (محمد مرسى) رفضا لإعادة انتخاب شفيق، وبعد انتخابه سارت الصفحة على ذات النهج الذى سارت عليه فى نقدها للمجلس العسكرى: النقد بدون تجاوز وذكر السلبيات والإيجابيات سويا والبعد عن التحريض. - وعلى ذات الخطوط التسعة التى ذكرناها، تستمر الصفحة فى مسارها بعد الثورة، تتأرجح فى مسار محسوب بين المسار الثورى، والمسار الإصلاحى، واضعة نصب أعينها جمهورها المستهدف (الكتلة غير المسيسة) بمزاجهم المتقلب وتأثرهم السريع بين لحظة وأخرى فى أمواج ما بعد الثورة وضبابيتها، كانت وما زالت صفحة خالد سعيد، الصفحة التى كان لها التأثير الأكبر تاريخيا فى التوعية وحشد الكتل الحرجة وصولا إلى يوم الثورة، والصفحة التى استقطبت الكتلة الشعبية غير المسيسة، لكنها تحتاج الآن بلورة رؤية واضحة لما بعد الثورة وما بعد انتخاب رئيس منتخب للبلاد، كى يظل الاسم وتستمر رسالة واحدة من أكبر الصفحات السياسية بمصر، تضم ما يزيد على اثنين ونصف مليون مصرى، نسبتهم 22% من ال11 مليون مصرى المسجلين رسميا على فيس بوك.