لم تشتهر ناقلة من ناقلات النفط هذه الأيام، كما اشتهرت الناقلة «أندريا داريا » التى لا تزال عند كتابة هذه السطور تشق طريقها فوق مياه البحر المتوسط، بينما أنظار العالم تتابعها فى شغف وقلق، لترى فى النهاية أين وعلى أى شاطئ بالضبط سوف ترسو وتستقر ؟! الناقلة إيرانية كما يعرف الذين يتابعون قصتها منذ جرى احتجازها يوليو الماضى عند مضيق جبل طارق، على يد البحرية البريطانية التى اتهمتها بأنها تحمل نفطًا إلى سوريا ! ولأن الحكومة السورية تخضع لعقوبات أوروبية تحظر وصول مثل هذا النفط إليها، فإن السلطات البريطانية التى يتبعها جبل طارق، قد استوقفتها وظلت تحتجزها هناك لأسابيع ! ولم تشأ إيران أن تدع أمر احتجاز ناقلتها يمر دون إجراء مماثل، فقامت باحتجاز ناقلة نفط بريطانية فى خليج عُمان، وأخذتها إلى ميناء بندر عباس الإيرانى فى الخليج، حيث لا تزال محتجزة إلى اليوم، وحيث ظلت طهران تقايض بها على ناقلتها المحتجزة ! ورغم أن إندريا داريا غادرت جبل طارق منذ أكثر من أسبوع، فإن الناقلة البريطانية لا تزال محتجزة، ولم تذكرا حتى الآن عنها ولا عن مصيرها ! الحكومة الإيرانية شيئآ وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد طلبت من الحكومة البريطانية عدم الإفراج عنها، إلا أن لندن نظرت إلى الأمر فيما بدا، حسب مصلحتها المباشرة التى ستتحقق عند الإفراج عن ناقلة بندر عباس، فأفرجت عن الناقلة الإيرانية دون أن تبالى كثيرًا بالطلب الأمريكى ! وما كادت أندريا داريا تغادر جبل طارق حتى كانت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تعلن أنها سوف تسعى إلى ضبطها، ثم تطلب من جميع الدول التى تطل على المتوسط عدم استقبالها ! ولأن الناقلة كانت تتحرك فى اتجاه شواطئ اليونان، وبالذات فى اتجاه ميناء كالاماتا اليونانى، فلقد سارعت السلطات اليونانية إلى تجنب الدخول فى أزمة مع واشنطن، فأعلنت أن أندريا داريا لا تستطيع الرسو فى هذا الميناء، لأن حجمها أكبر من الناقلات التى يستقبلها الميناء ! وقد أصبحت الباخرة وجهًا من وجوه الحرب الدائرة منذ فترة على أكثر من مستوى، بين إيران من جانب وأمريكا من جانب آخر ! فالولاياتالمتحدة فرضت حظرًا شاملآ على النفط الإيرانى ابتداء من أول مايو الماضى، وقالت إن الهدف هو وصول صادرات هذا النفط إلى صفر ! ولكن إيران لا تستطيع العيش بدون صادرات النفط، ولذلك تسعى إلى التحايل على الحظر بأى طريقة، وقد كانت أندريا داريا التى تحمل مليونى برميل نفط، صورة من صور هذا التحايل الذى تترصده واشنطن وتقف له بالمرصاد فى كل سبيل ! أما الحرس الثورى الإيرانى الذى تتبعه الناقلة، فلقد توعد إدارة ترامب بكل الأضرار إذا هى تعرضت لأندريا داريا فى أى طريق ! وهكذا.. فالناقلة تتقاذفها أمواج البحر وهى تبحث عن مرفأ، بينما طهرانوواشنطن تتبادلان الذهاب إلى حافة الهاوية دون الوقوع فيها ! وقد أصبحت أندريا داريا قصة مثيرة حقًا، وصارت متابعتها نوعًا من التسلية والفرجة على أحوال العالم وهو يتصارع من حولنا !