عانى شعب جنوب السودان منذ زمن بعيد من الفقر والمرض والتهميش حتى دخل فى حرب طويلة استمرت حتى عام 2005 عندما وقعت اتفاقية السلام نيفاشا، ونال بعد ذلك وتحديداً فى عام 2011 حق الدولة المستقلة، غير أن الاشتباكات والمشكلات عادت للظهور من جديد، وفى عام 2013 تمرد نائب رئيس الجمهورية رياك مشار على الرئيس سلفاكير لتعود الحرب والدمار من جديد حتى اتفق الطرفان عام 2015، ولكن سرعان ما تجددت الاشتباكات فى يوليو الماضى، ولم يهنأ الشعب بعيد استقلاله الخامس.. «الصباح» التقت مع السفير أنطونى لويز كون، سفير جمهورية جنوب السودان فى مصر، الذى تطرق فى حواره لأحدث تطورات الأحداث فى «جوبا» وعلاقات مصر وجنوب السودان. - كيف اندلعت وتصاعدت الاشتباكات الأخيرة فى جنوب السودان؟ الأمور بدأت فى التأزم منذ يوم 7 يوليو الماضى، عندما كانت هناك قوة من المعارضة التابعة لرياك مشار نائب رئيس جنوب السودان، تم توقيفها حوالى الساعه 7 مساء من قبل أفراد التفتيش، نظراً لأن القوة كانت تتحرك فى عربة يوجد عليها أسلحة محمولة، ورفضت القوة الانصياع لأوامر التفتيش مما أدى إلى نشوب خلاف تطور إلى حد إطلاق النار وقتل خمسة من أفراد الأمن فى نقطة التفتيش، وهذا الحادث أدى إلى أن استدعى الرئيس سلفاكير ميارديت، نائبيه رياك مشار، وجيمس وانى، إلى اجتماع فى القصر الجمهورى لمناقشة الحادث وكيفيه إيجاد حلول له وتدارك التداعيات، وفى يوم 8 يوليو جاء رياك مشار إلى القصر الجمهورى بصحبة عدد كبير جدًا من الحراس، وقوة كبيرة تتضمن 15عربة سلاح وعربة إسعاف، وجد عليها بعض الأسلحة أيضًا، وتم تقدير عدد الجنود ب 300 جندى ودخل وبصحبته 15 من الحراس للقصر الجمهورى بملابس مدنيه، فكان جزء بسيط داخل القصر وآخر كبير حول القصر وتم استقباله، وكان الرئيس لديه اجتماعات مع بعض الوفود الأجنبية حتى الساعة الرابعة عصراً، وطلب الرئيس نائبيه للاجتماع، وبعدها سُمع إطلاق نار خارج القصر الجمهورى، وأثناء الاجتماع جاء أحد الحراس الذى لم يكن ضمن القوة المرافقة، وكان أحد المتسببين فى حادث يوم 7 يوليو بالدخول للقصر عنوة، وذلك بسبب رواج شائعة، بأن رياك مشار تم احتجازه فى القصر الجمهورى، وتبين أن مصدر هذا الخبر هو الناطق الرسمى للحركة الشعبية المعارضة المسلحة، وخلق بلبلة فى أوساط الجيش، وعقب دخول هذا الشخص للقصر الجمهورى، بدأت مشادة مع حراس القصر وتم إطلاق النار وقُتل الحارس، ونتيجه لذلك تم إطلاق نار بين الجنود، ثم تجددت الاشتباكات من جديد. وبعد توقف إطلاق النار قام الرئيس ونائباه بعقد مؤتمر صحفى حثوا فيها الجنود على ضبط النفس ووقف إطلاق النار، وفى نفس الوقت قام الرئيس بتشكيل لجنه تقصى حقائق برئاسة نائبه رياك مشار، وقوة من الاستوائيين، ووزير الأمن وخمسة من كبار الضباط من الحكومة والمعارضة المسلحة للتحقيق فى أحداث 7و8 يوليو الماضى، وبعد إطلاق النار لم يكن بجانب رياك مشار سوى بضعة من الحراس المدنيين، إذ تعامل حراس القصر الجمهورى مع حراس رياك وقام الرئيس بحماية مشار بعربة مصفحة ودبابتين لاصطحابه إلى مقر إقامته فى جبل كجور حيث توجد قواته. - لماذا تصاعدت الاشتباكات بعد أن هدأ الموقف من جديد؟ بدأ الهدوء يعود يوم 9 يوليو الماضى وعاد كل شىء لطبيعته، وبعدها بيوم واحد هاجمت مجموعة من قوات المعارضة التابعة لرياك مشار نقطة تفتيش «ياى -جوبا»، واحتلتها ثم استرجعتها قوات الأمن بتشتيت القوات، وفى اليوم التالى هاجمت قوة من المعارضة نفس النقطة لاحتلالها، ولكن تلك المرة لم يتمكنوا من احتلالها، وارتفعت وتيرة الاقتتال بين الجنود، مما أدى إلى طرد قوات رياك مشار من مقرها وتشتيتها وهروب رياك مشار واختبائه حتى الآن، وقد وردت أقاويل أنه داخل جوبا وأقاويل أخرى أنه خارجها وتحدث بنفسه بقناة الجزيرة، أنه موجود على حدود جوبا.
- ولماذا تم ترشيح نائب آخر وما تداعيات ذلك؟ الرئيس سلفاكير، طلب من رياك مشار حضور اجتماعات الرئاسة أكثر من مرة لمناقشة تداعيات الأحداث، لكنه أصر على الاختباء، وطالب بتدخل قوة ثالثة إقليمية أو دولية الشىء الذى رفضته الدولة، ومنذ ذلك الحين لم يحضر رياك مشار أى اجتماعات ونتيجة لاستمراره فى الهروب اجتمع المكتب السياسى للمعارضة لترشيح «تعبان دينق جاى» وهو أحد القادة الكبار فى جيش المعارضة، وكان رئيس لجنهة المعارضة للتفاوض لاتفاق السلام الماضى مع الحكومه لتولى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، بدلًا من رياك مشار، وانتظر الرئيس فترة من الزمن لحضور رياك ولكنه قبل فى النهاية اقتراح المكتب السياسى للمعارضة وعين تعبان دينق كنائب أول للرئيس، وأيدت قيادات المعارضة تعيين تعبان خلفا لرياك والحكومة وافقت على أن تستمر فى تنفيذ اتفاقية السلام كما جاء فى بنودها وقد وجد تعبان النائب الجديد تأييد كبيراً من قبل الشعب فى جنوب السودان من مختلف القبائل.
- ماذا فعل النائب الجديد وما هى أولى أجنداته نحو السلام ؟ نادى النائب الجديد بدمج القوات فى خلال فتره شهرين وجعلها تحت قيادة واحدة، كما أنه طالب بتنفيذ مقررات أروشا للبدء فى توحيد الحزب للحركة الشعبية مرة أخرى تحت قيادة واحدة، وطالب الجميع بتقديم الدعم، وتأييد الرئيس سلفا للإسراع بإجراء مصالحة وطنية بين كافة مواطنى جنوب السودان، حتى الانتخابات القادمة فى 2018.
- ما حال الأوضاع الآن فى جوبا؟ بعد انتهاء الأحداث عادت الأوضاع الأمنية إلى الاستقرار بدليل التأييد الكبير الذى وجده تعبان ومواقفه الداعمة للسلام وانضمام عدد كبير من القيادات المعارضة العسكرية والأمنية التى كانت تساند رياك للحكومة، ومنهم رئيس هيئة أركان الفريق داو أتور، وجوزيف كلمنت، وإنى، مع قواته من مناطق الاستوائية، والقوات المعارضة فى غرب الاستوائية، وانضمام عدد من الولاة التى عينهم رياك مشار، أما الأوضاع الاقتصادية فمازال الجنوب يواجه ضائقة مالية ومعيشية نتيجه انخفاض أسعار البترول وارتفاع أسعار الدولار وشُح السلع فى السواق نتيجه للأحداث.
- ماهى الخطوات التى اتخذتها الحكومه للخروج من الأزمة الاخيرة؟ هناك مجهودات لضبط الوضع الاقتصادى، حيث أجرى الرئيس مؤخرًا تعديلات فقد تم تعيين وزير جديد للمالية هو ستيفن ديو خلفًا ل«ديفيد أتور» ، وقد ساعد أيضًا التجار، وتم تقديم بعض العملات الصعبة لهم لاستيراد المواد التموينية اللازمة من الخارج، وتجدر الإشارة إلى أن الأحداث التى جرت رغم حدتها إلا أنه لم يطل أفراد الشعب أى سوء كما حدث فى السابق وكانت مقتصرة على الجنود، وقامت القوات بحماية المدنيين ومؤخراً ناشد تعبان دينق المواطنين الذين لجأوا إلى معسكرات الأممالمتحدة للعودة الى منازلهم، وأن الدولة مسئولة عن حمايتهم، وهناك أيضًا مساعٍ لتنفيذ بنود اتفاقية السلام مع المعارضة، وعدد من الإصلاحات الدستورية والإدارية وإصلاحات فى الأمن والجيش ومحاربة الفساد وتقديم مرتكبى الجرائم خلال الفترة الماضية للمحاكم وإجراء مصالحة وطنية بين أفراد الشعب فى الجنوب، وضبط الأوضاع الاقتصادية وتطوير الزراعة، وعمل ارتفاع معدلات إنتاج البترول بالتعاون مع الصين والدول الأخرى وإجراء إصلاحات فى التعليم والاهتمام بالصحة، وإصلاح العلاقات الخارجية مع بعض البلدان التى تأثرت علاقتنا معها وأيضًا المنظمات الأجنبية الأخرى.
- حدثنا عن العلاقات المصرية الجنوب سودانية ؟ العلاقات بين مصر وجنوب السودان، هى علاقة تعاون لا ينتهى بين الأشقاء وهى قوية ومتنامية بكل الصور، والجديد فى هذه العلاقات أن الرئيس عبدالفتاح السيسى نفخ روحًا جديدة فى هذه العلاقات باهتمامه الشديد بجنوب السودان، وهذا ينعكس على كل النواحى المختلفة للعلاقة بين البلدين إذا كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وما إلى ذلك ومؤشرات تطور هذه العلاقة تجدها فى الزيارة التى قام بها سلفاكير السنة الماضية إلى مصر وزيارة نائبه جيمس وإنى لمصر وعدد كبير من الوزراء أيضًا، فضلاً عن زيارة عدد من الوزراء المصريين لجنوب السودان وزيادة حركة التواصل بين البلدين على مستوى المسئولين أو رجال الأعمال. وازداد عدد الطلاب الجنوبيين فى المدارس والجامعات المصرية على خمسة آلاف طالب، وتم توقيع عدد كبير من مذكرات التفاهم فى مجالات التعليم والصحة والرى والزراعة، والكهرباء، والجوازات وتنظيم زيارة وفود شعبية وقوافل طبية إلى جنوب السودان، وحضور الاتحادات الشبابية والمهرجانات وكذلك مشاركة بعض الفرق الشعبية فى جنوب السودان، سواء كانت فى القاهرة أو المدن الأخرى، ووجود عدد من الاستثمارات المصرية فى جنوب السودان سواء الحكومية أو الخاصة مثل إنشاء عدد من العيادات الطبية فى جوبا وبور، وأكون، وعدد من محطات توليد الكهرباء فى واو ورومبيك وجوبا، وإنشاء فرع لجامعه الاسكندرية فى مدينه تونج فى بحر الغزال.
- ماذا عن أوضاع الجالية الجنوبية فى مصر؟ تقدر أعداد الجالية الجنوب سودانية فى مصر بحوالى 40 ألف فرد، ويوجد فى مصر 15 مدرسة ومركز تعليمى لأبناء الجنوب، فضلًا عن عدد كبير من الكنائس الخاصة بأبناء الجالية، ويتركز معظم أفراد الجالية فى القاهرة، وهناك ألف شخص فى الإسكندرية، وتتكون الجالية من فئات مواطنين مختلفة مسجلين فى الأممالمتحدة كلاجئين، وفئة الطلاب كمنح من الحكومة المصرية، أو طلاب على نفقتهم الخاصة وعدد من الوافدين الذين توالوا على مصر بعد الأحداث الأخيرة وبعض من المواطنين الذين حضروا بأسرهم لأسباب تعليمية، حيث إن بعد استقلال الجنوب أقام عدد من الأسر فى مصر لإيجاد فرص لأبنائهم فى التعليم باللغة العربية حيث كانوا فى مدارس بشمال السودان والمناهج بالجنوب تختلف كثيرًا، تتزايد أعداد الجالية نتيجه لتزايد عدد الوافدين إليها للعلاج فى مصر وزيارة أقاربهم وللنزهة أيضًا.
لماذا يفضّل أبناء جنوب السودان زيارة مصر بصفة مستمرة؟ بسبب قيام حكومتى البلدين مؤخرًا بتسهيل إجراءات منح التأشيرات، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم للسفر دون رسوم وفى أسرع وقت ممكن، خلال ثلاثة أيام يستثنى منها حملة الجوازات الرسمية والخاصة والدبلوماسية.
- ماهو موقف دولة جنوب من أزمة المياه فى حوض النيل؟ يتمثل موقف جنوب السودان فى مسألة ملف المياه والمناوشات القائمة حاليًا ونرى أن النيل هو ملك لكل الدول المطلة على حوض النيل سواء كانت منبعًا أومصبًا، وأن هذا النيل خلق للناس وأصبح شراكة عامة ينتفع منه الجميع، ولا نريد أن يكون النيل سببًا فى الخلافات فى الوقت الحاضر، ونعتقد أن التفاهم والتراضى بين دول حوض النيل كفيل أن يحل أى مشاكل أو نزاعات قد تطرأ، خاصة وأن هناك مليارات من الأمتار المكعبة لم يستفد منها أحد رغم أن هناك الكثير من المشروعات التى قامت بها مبادرة حوض النيل لم يتم الاستفادة منها، وركزت بعض الدول فى مسائل أقل بكثير من حجم المصالح التى قد تعود فى حالة الاتفاق على الاستفادة، لذلك ترى دولة جنوب السودان أنه ليس هناك مبرر لاستمرار حالة التوتر فى بعض البلدان، وإن صدقت مبادرات الدول وتعاونوا فيمكن إيجاد حلول سريعة للكثير من المشاكل ولا يكون هناك نزاعات مستقبلًا.