طه حسين حصل على البراءة وفرج فودة قتل ونصر أبوزيد أجبر على الحياة فى المنفى منصور فهمى اعتذر عن أفكاره ومحمد أحمد خلف الله رفض الاعتذار وإسلام بحيرى حصل على البراءة فى نفس القضية التى سجن فيها نصر أبوزيد: قدم بحثه للحصول على الأستاذية عام 1995 ولجنة من أساتذة الجامعة اتهمته بالكفر فرج فودة:خاض معركة طويلة مع التفكير وأسس الجمعية المصرية للتنوير وتم اغتياله أثناء خروجه منها عام 1992 إسلام بحيرى: تم الحكم بحبسه سنة بتهمة ازدراء الأديان ونشر أكاذيب عن الإسلام منصور فهمى: منع من التدريس فى الجامعة المصرية مطلع القرن الماضى بسبب رسالة دكتوراه عن «أحوال المرأة فى الإسلام» طه حسين :ألقى الحجر الأول فى بحيرة الثقافة الراكدة بكتابه «فى الشعر الجاهلى» الذى صدر فى إبريل من عام 1926 محكمة الأحوال الشخصية قضت بتطليق أبوزيد من زوجته واعتباره مرتدًا عن الإسلام ما اضطره للجوء إلى هولندا جبهة علماء الأزهر أصدرت بيانًا نشرته فى مجلة النور كفّرت فيه فودة وأعلنت وجوب قتله مجددًا يُفتح فى مصر بابٌ مثير للجدل يحمل لافتة براقة عنوانها «ازدراء الأديان». فقد جاء قبول الاستئناف المقدم من الباحث فى الشئون الإسلامية،إسلام بحيرى على حبسه 5 سنوات لاتهامه بازدراء الإسلام وتخفيف الحكم لعام واحد، ليعيد فتح هذا الملف الشائك من الصراع بين حرية الرأى والفكر من جهة، وأصحاب دعاوى الحسبة والاتهام بازدراء الأديان من جهة أخرى. استندت الدعوى إلى مضمون برنامج إسلام بحيرى «مع إسلام» على قناة «القاهرة والناس»، وشملت قائمة الاتهامات أن بحيرى «عاب فى الذات الإلهية، وأنكر وجود الحور العين، كما أنكر أحكام الشريعة، ووصف الصلاة بأنها أداء حركى فقط، كما طعن فى السُنة النبوية وصحيح الإسلام». وبهذا انضم إسلام بحيرى إلى قائمة طويلة من أصحاب الفكر والبحث والاجتهاد فى شئون الدين، ممن تعرضوا للمحاكمة والملاحقة.. وأحيانًا الاغتيال. ومن هؤلاء الكاتب والباحث الأكاديمى د. نصر حامد أبو زيد، الذى ظل لسنواتٍ طويلة مستحضرًا مشهد اغتيال د. فرج فودة، هذا المفكر الذى تتشابه أفكاره مع أبو زيد كثيرًا، ما اضطره إلى ترك مصر وزوجته د. ابتهال يونس الأستاذة فى الأدب الفرنسى، نحو المنفى إلى هولندا، حيث عمل نصر حامد أبو زيد أستاذًا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن. ففى تسعينيات القرن العشرين، أثار نصر حامد أبو زيد زوبعة بكتاباته فى الفكر الإسلامى والدينى ومعارضته سلطة النص المطلقة، أدت إلى صدور قرار من محكمة الأحوال الشخصية بتطليقه من زوجته الدكتورة ابتهال يونس، أستاذة الأدب الفرنسى فى جامعة القاهرة، بعد أن اعتبر مرتدًا عن الإسلام، فاضطر للجوء معها إلى هولندا إثر هذا الحُكم. وأصدر أبو زيد العديد من الكتب من أهمها «الاتجاه العقلى فى التفسير دراسة فى قضية المجاز فى القرآن عند المعتزلة» و«فلسفة التأويل دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربى» و«أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة مدخل إلى السميو طيقا» و«مفهوم النص دراسة فى علوم القرآن». وعندما قدم أبو زيد أبحاثه بعنوان «نقد الخطاب الدينى» للحصول على درجة الأستاذية تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة أبرزهم رئيسها د. عبدالصبور شاهين، الذى اتهم فى تقريره أبو زيد بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التى انتهت بمغادرته مصر إلى المنفى، منذ 1995 بعد حصوله على درجة أستاذ بأسابيع. وانشغلت الأوساط العلمية والفكرية فى مصر والعالم العربى بالقضية، خصوصًا أن د. عبدالصبور شاهين أرفق اتهامه بالردة لأبى زيد تقريرًا تضمن «العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسُنة والدعوة لرفضهما. والهجوم على الصحابة، وإنكار المصدر الإلهى للقرآن الكريم، والدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدى وروايته (آيات شيطانية)». وعلى إثر هذا التقرير نشأت معركة فكرية واسعة بين أنصار أبو زيد وبين المؤيدين لتقرير شاهين، وطالبته لجنة مكونة من 20 عالمًا من الأزهر بإعلان التوبة عن بعض الأفكار التى وردت فى كتابه «مفهوم النص» ورأوا أنها مخالفة لأحكام الدين الإسلامى. إلا أن عبدالصبور شاهين نفى نفيًا قاطعًا فى عام 2010 فى حوار أجرته معه جريدة «الدستور» أن يكون قد كفَّر أبو زيد وقال: «لا يمكن أن أورط نفسى فى هذا الاتهام البشع، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)، وكلنا سنحاسب بين يدى الله تبارك وتعالى، وما كتبته فى التقرير الذى أقرته اللجنة العلمية وأقره مجلس الجامعة كان تقييمًا علميًا موضوعيًا لأعمال الباحث، فنحن نفحص بحثًا لا باحثًا، ولم أتعرض فى تقريرى لعقيدة الباحث أو دينه، فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى ولا شأن لى به». وأضاف «الموضوع ببساطة أن نصر أبو زيد تقدم آنذاك بإنتاجه العلمى للترقية إلى درجة أستاذ، والطبيعى أن يقوم أعضاء اللجنة العلمية بفحص إنتاج الباحث وتقييمه، ويقرأ الأساتذة الفاحصون الإنتاج ثم يحكمون عليه كما يحكم القضاة بكل نزاهة وضمير القاضى، دون اعتبار لأى شىء إلا تحقيق العدالة، وأن يصل الحق إلى مستحقيه، وقد قدمت تقريرى عندما اجتمعت اللجنة، ثم أرسل هذا التقرير إلى الكلية ثم إلى مجلس الجامعة الذى اعتمد التقرير الجماعى، وكان ملخص التقرير أن الأعمال التى تقدم بها الدكتور نصر حامد أبو زيد تحتاج إلى إعادة نظر، والإنتاج المقدم لا يرقى إلى درجة أستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، إلى هنا والمسألة فى غاية البساطة.. فسقوط طالب ترقية شىء طبيعى يحدث فى كل زمان ومكان، وإذا جانبه التوفيق فى جولة فقد يحالفه فى جولة أخرى حين يجتهد ويتلافى أخطاءه التى أخطأها فى المرة الأولى». وقبل د. نصر حامد أبو زيد، خاض المفكر د. فرج فودة معركة طويلة مع التفكير والتنوير والبحث فى مجال العلوم الإسلامية، وله كتابات عديدة مسلسلة فى هذا السياق، نُشرت على صفحات مجلة «أكتوبر» وصحيفة «الأحرار»، وأصدر عددًا من الكتب التى احتوت على آرائه التنويرية العميقة فى مجال البحوث والدراسات الإسلامية، كما أسس وأدار الجمعية المصرية للتنوير، والتى كان مقرها فى مصر الجديدة، وشهدت حادثة اغتياله فى أثناء خروجه من مقرها فى الثامن من يونيو عام 1992. خلال رحلته الفكرية والتنويرية، عمل فرج فودة على تأسيس حزب سياسى تحت اسم «حزب المستقبل»، والذى جاءت مبادئه وأفكاره على أرضية تنويرية عقلانية، وفى الوقت الذى تقدّم فيه بأوراق تأسيس الحزب، وكان فى انتظار قرار لجنة شئون الأحزاب، كان يواجه حملة شرسة من جبهة علماء الأزهر، التى كانت تحارب فرج فودة بعنف، وتدعو لجنة شئون الأحزاب بشكل متواصل إلى عدم الترخيص لحزبه الجديد، ووصل الأمر إلى إصدارها بيانًا، نشرته مجلة النور فى العام 1992 - وقبل اغتيال فرج فودة بأسابيع - كفّرت فيه فودة وأعلنت وجوب قتله، وحرّضت على عملية القتل. خاض فرج فودة مناظرة ضمن فعاليات معرض الكتاب فى عام 1992، جاءت تحت عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، ومثَّل فيها الدولة المدنية: فرج فودة ومحمد أحمد خلف الله، ومثَّل الدولة الدينية كل من: الشيخ محمد الغزالى، والمستشار مأمون الهضيبى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وقتها، والدكتور محمد عمارة المتحول من الماركسية فى الستينيات إلى الأرضية اليمينية الدينية، وخلال المناظرة تم التحريض على فرج فودة بدرجة كبيرة، واتهامه فى دينه وأفكاره وعقيدته، وهو ما مثّل خطوة كبيرة أخرى على طريق الشحن العام ضدّ فرج فودة وأفكاره، وضد حياته أيضًا، إلى أن وقع حادث الاغتيال بعد ستّة شهور تقريبًا. وبرز اسم محمد أحمد خلف الله سنة 1947 إثر مناقشة رسالته للدكتوراه عن «الفن القصصى فى القرآن الكريم» تحت إشراف أستاذه فى التفسير بجامعة فؤاد الأول، القاهرة حاليًّا، أمين الخولى، حيث أثارت هذه الرسالة ردود فعل عدة رافضة لما جاء فيها وصلت حدّ التكفير؛ إذ اعتبرت ما أتى به خلف الله تقويضًا لقداسة النص القرآنى ونزعًا لصبغته الإلهيّة، وقد بلغ الأمر إلى درجة تكوين لجنة خاصة أعادت النظر فى محتوى الرسالة وانتهت برفضها ومطالبة صاحبها بإعداد رسالة أخرى. إلاّ أنّ محمد أحمد خلف الله لم يرضخ للحملة التى قامت ضدّه وضد أستاذه، وقام بنشر رسالته سنة 1953 لتتوالى من ثمّ طبعاتها مرات عدة. أما منصور فهمى (1886- 1959) فقد سافر إلى باريس للحصول على درجة الدكتوراه فى الفلسفة من السوربون. كانت أطروحته للحصول على درجة الدكتوراه لها صدى واسع وهى «أحوال المرأة فى الإسلام» عام 1913 تحت إشراف ليفى برول. على إثر هذا الجدل الذى أحدثته جذرية أطروحته، مُنع منصور فهمى من التدريس بالجامعة المصرية آنذاك بعد عمله بها لمدة عام. ولم يعد إلى التدريس فى الجامعة، إلا بعد ثورة 1919، وذلك فى العام 1920. وقد تدرج فى عمله الجامعى إلى أن كان عميدًا لكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم اختير مديرًا لدار الكتب، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية، إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1946. وكان فهمى عضوًا فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ إنشائه، وانتُخب كاتب سره، وظل بهذا المنصب حتى يوم وفاته. وإن كان قاسم أمين قد نال «قدرًا من اللوم اللفظى»، على حد تعبير المفكر نصر حامد أبو زيد، فإن منصور فهمى «لاقى حرمانًا من حق التوظيف نتيجه الهجوم الذى شنه عليه التقليديون»، حيث عاد منصور فهمى ليدرس بالجامعة المصرية، ليجد نفسه محرومًا من هذا الحق الطبيعي، حيث اتهم من قبل البعض بمعاداة الدين الإسلامي، حتى أن بعض الصحفيين الذين لم يطّلعوا على كتابه الذى لم يكن قد نُشر بغير الفرنسية، قاموا بتحريض الناس عليه، اعتمادًا على تقرير قُدّم إلى الجامعة يشكك فى «نوايا» منصور فهمى تجاه الشريعة الإسلامية، اعتمادًا شكليًا على اسم الرئيس العلمى لأطروحته، المفكر وأستاذ الفلسفة ليفى برول الذى أشرف على أطروحته آنذاك. فانزوى فهمى بعيدًا عن الأنظار محتملًا جميع الضغوط النفسية والمالية والاجتماعية الرهيبة لمدة تقارب السبع سنوات، حتى عاد إلى التدريس فى الجامعة، لكن بعد أن كانت جذوة ذهنه العلمى المتقدة، قد خبت. ولم ينتج، أو يشارك فى الشأن العام، ولم ينشر بالإضافة إلى أطروحته التى صدرت بالفرنسيّة فى باريس، إلا كتابًا واحدًا هو «أبحاث وخطرات، دار المعارف، القاهرة 1930».. وهو فصول أدبية وفلسفية نشرها فى الصحف ثم جمعها فى هذا الكتاب. واضطر إلى انتقاد أطروحته بعد ذلك فى عدد من المقالات. منذ البداية مثّل عميد الأدب العربى، د. طه حسين ظاهرة ثقافية ثورية. كان كتابه «فى الشعر الجاهلى» الذى صدر فى إبريل من عام 1926، هو حَجره الأول الذى ألقاه فى بحيرة ثقافتنا الراكدة. فى مستهل كتابه هذا، يقول طه حسين: «هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربى جديد، لم يألفه الناس عندنا من قبل. وأكاد أثق بأن فريقًا منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقًا آخر سيزورّون عنه ازورارًا. ولكننى على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث، أو بعبارة أصح أريد أن أقيده، فقد أذعته قبل اليوم حين تحدثت به إلى طلابى فى الجامعة. وليس سرًا ما يُتحدث به إلى أكثر من مائتين. ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعًا ما أعرف أننى شعرت بمثله فى تلك المواقف المختلفة التى وقفتها من تاريخ الأدب العربى، وهذا الاقتناع القوى هو الذى يحملنى على تقييد هذا البحث ونشره فى هذه الفصول، غير حافل بسخط الساخطين ولا مكترثٍ بازورار المزوَرّ. وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث وإن أسخط قومًا وشق على آخرين، فسيرضى هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم فى حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة وذخر الأدب الجديد». ما يخلص إليه الكتاب، كما يقول طه حسين، هو أن: «الكثرة المطلقة مما نسميه شعرًا جاهليًا ليست من الجاهلية فى شىء، وإنما هى منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام، فهى إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهلين، وأكاد لا أشك فى أن ما بقى من الشعر الجاهلى الصحيح قليل جدًا لا يمثل شيئًا، ولا يدل على شىء، ولا ينبغى الاعتماد عليه فى استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلى». جل ما وصل إليه طه حسين هو إنكار ما نُسِبَ إلى الحياة الجاهلية من شعر، وأثبت أن الشعر الجاهلى تم وضعه بعد الإسلام، وتمت نسبته إلى الجاهلين لأسباب سياسية ودينية وعصبية قبلية، ولإثبات القبائل القصص والأساطير خاصتهم. واستدل بذلك من تاريخ اللغة العربية، فلغة عرب الجنوب الحميرية تختلف عن لغة عرب الشمال الفصحى فى ألفاظها وقواعد نحوها وصرفها، فكيف ينسب شعر لشعراء من الجنوب بلغة أهل الشمال؟! قدم طه حسين خمسة مبررات لشكه فى انتحال العرب للشعر بعد ظهور الإسلام، وهى: العصبية القبلية، حيث أرادت القبائل فى صراعها بعد الإسلام أن تخترع لنفسها مجدًا قديمًا، فلجأت إلى وضع أشعار نسبتها إلى الجاهلين من شعرائها، ثم الصراعات الدينية التى دفعت يهودًا ونصارى إلى وضع كثير من الشعر نسبوه إلى شعرائهم فى الجاهلية، ثم الشعوبية، أى تمجيد الأصول العرقية التى ينتمى إليها من دخلوا حديثًا فى الإسلام كالفرس، وقد وضع الرواة شعرًا يمجد الماضى الفارسى على ألسنة شعراء جاهليين، تقربًا من الوزراء الفرس الذين استوزرهم العباسيون، ثم القصّاص والرواة الذين وضعوا شعرًا تحدثوا فيه عن أمجاد قبائل بعينها طمعًا فى العطايا. سرعان ما شكَّل خصوم طه حسين لجنتين لدراسة كتابه، وتقدموا يوم الاثنين 10 مايو بتقرير عنه إلى رياسة مجلس الوزراء، الأمر الذى دفع صاحب «فى الشعر الجاهلى» إلى أن يوجه كتابًا لمدير الجامعة بعد يومين ينكر فيه ما جاء فى هذا التقرير من أنه تعمد إهانة الدين والخروج عليه، وأنه يُعلِّم الإلحاد فى الجامعة: «وما كان لى أن أفعل ذلك وأنا مسلم أومن بالله وملائكته ونبيه ورسله واليوم الآخر. وأنا الذى جاهد ما استطاع فى تقوية التعليم الدينى فى وزارة المعارف حين كلفت بالعمل فى لجنة هذا التعليم.. وأؤكد لعزتكم أن دروسى فى الجامعة خلت خلوًا تامًا من التعرض للديانات؛ لأننى أعرف أن الجامعة لم تنشأ لهذا» . غير أن هذا الإنكار لم يقع موقع التصديق من الأزهر وعلمائه، حتى أن أحدهم كتب للأهرام يؤكد أن طه حسين فعل ذلك مدفوعًا بحُبِّ البقاء فى وظيفته، وأنه لولا ذلك لما حفل بما دار حول كتابه من اللغط ولما أعاره أدنى أهمية! أكثر من ذلك فقد وصل الأمر بأحد علماء الأزهر أن أخذ على صاحب الكتاب أنه افتتحه واختتمه «بدون أن تذكر اسم الله ولا أن تصلى على نبى المسلمين (صلوات الله وسلامه عليه) مرة واحدة (وواحدة فقط)، يا دكتور خبّرنى عما بقى فيك من آيات المسلمين»! واكب ظهور «فى الشعر الجاهلى» عملية الانتخابات التى لم تلبث أن أفرزت برلمان عام 1926 ذا الأغلبية الوفدية، وكان له موقف وأى موقف من طه حسين وكتابه. فقد تعرض الرجل لهجمة عنيفة من أعضاء مجلس النواب، خاصة من الوفديين، وبينما لا نملك ما يدل على أنها قد تمت بتحريض من زعامة الحزب الكبير، فإنها على الأقل قد سكتت عنها، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى أزمة مع الحكومة التى كان يرأسها عدلى يكن باشا. وبعد أخذ ورد تحت قبة البرلمان، خرجت القضية إلى أروقة القضاء، مما شكَّل فصلها الأخير. حققت النيابة مع طه حسين فى 19 أكتوبر من العام 1926، وحُفِظت القضية بعد أن حظى د. طه حسين برئيس نيابة يُدعى محمد نور أقام التحقيق معه، وهو رجل واسع الثقافة والعلم، قرأ الكتاب جيدًا، وفهم ما فيه، فدرأ عنه تهمة «الطعن فى القرآن»، وذكر فى تحقيقه «أن ما كتبه المؤلف هو بحث علمى لا تعارض بينه وبين الدين، ولا اعتراض لنا عليه»، وختمه بالقول «إنه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين، بل إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها فى بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها فى سبيل البحث العلمى مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها».