محررا الجريدة يدعيان أنهما «تجار ألبان » ويرصدان استخدام بودرة السيراميك فى تصنيع الألبان التموين: تحتوى على مواد مجهولة المصدر ..وطبيب: البودرة ذات تأثير سرطانى بعيد المدى معامل «كوم أشفين » تورد عشرات الأطنان يوميًا للمحال بالقاهرةوالمحافظات «ضبط 32 طن ألبان مغشوشة بالقليوبية».. مجرد خبر تداولته المواقع الإخبارية الأسبوع الماضى، تقول تفاصيله إن 4 معامل لتصنيع الألبان بقرية «كوم أشفين» يستخدم أصحابها بودرة ومواد كيماوية مجهولة المصدر، وينتهى الخبر بالتأكيد على تحرير محاضر ضد أصحاب تلك المصانع، دون إشارة إلى وجود أضعاف عدد تلك المصانع المضبوطة، أقلها إنتاجًا يورد 10 أطنان يوميًا إلى محال القاهرة الكبرى.. كان اختراق قرية كوم أشفين باعتبارها «إمبراطورية تصنيع الألبان المجنسة» مغامرة محفوفة بالمخاطر، ربما كانت أخطر من اختراق وكر لتجارة المخدرات، فلجأ محررا الجريدة إلى التنكر فى زى تاجرى ألبان، يرغبان فى إنشاء معمل، ويبحثان عن شريك له خبرة فى مجال الألبان المصنوعة. تقع قرية أشفين على بعد 20 دقيقة من كوبرى قليوب الزراعى، على مدخلها سألنا رجلًا عجوزًا عن معامل تصنيع الألبان، فأجاب على الفور: «البلد كلها معامل»، طالبًا تحديد هدفنا أو الشخص الذى جئنا لمقابلته، فأخبرناه أننا نريد شراء ألبان، فأشار إلى طريق قائلًا إن فى نهايته أغلب معامل الألبان. تركنا الرجل ومشينا حيثما أشار، فالتقينا طفلًا، يبلغ حوالى 9 سنوات، كررنا عليه سؤالنا عن المعامل، فكانت المفاجأة فى رده: «انتو عاوزين المعامل اللى بتصنع الألبان المجنسة». فوجئنا باستخدام الطفل لكلمة «مجنسة»، فتظاهرنا بعدم فهمنا لها، فزاد شارحا: «ده لبن بيتعمل من البودرة وبيضرب فى فنطاس كبير وبيتباع بكميات كبيرة» ونصحنا بعدم شراء اللبن من تلك المعامل، والتوجه إلى أصحاب الزرائب، وهم ثلاثة فى القرية، ونادى على طفل آخر، قائلًا: «أبوه عنده زريبة»، فأخبرنا أننا نريد شراء الألبان المجنسة، فاندهش من طلبنا، وأكد لنا أنها ألبان مغشوشة، ولا أحد يشتريها من أهالى القرية، وأنها يتم بيعها بكميات كبيرة للمحال فى المحافظات، وكل مساء وصباح تأتى السيارات لتحميلها وتوزيعها، وأشار لنا إلى الجهة التى تتواجد بها أغلب معامل الألبان بالقرية. صاحب محل الملابس عندما توجهنا إلى المكان المراد، سألنا مرة أخرى عن تلك المعامل، وكان كل من نسأله من أهالى القرية، يؤكد أن تلك المعامل لتصنيع الألبان المجنسة المغشوشة، وأن الأفضل لنا الشراء من إحدى الزرائب، ومنهم شاب يدعى عماد، عمره 30 سنة، سألنا عن سبب مجيئنا القرية، فأخبرناه أننا من القناطر الخيرية، وجئنا إلى هنا بعد سماعنا عن موضوع المعامل التى تقوم بتصنيع الألبان، فأجابنا: «إذا كنتم تريدون مساعدة أهالى هذه القرية عليكم أن تنقذونا من أصحاب هذه المعامل، التى تدمر صحة الأطفال والكبار، لأنها تستخدم بودرة يضاف إليها بعض المواد الكيمياوية، وتسببت فى العديد من الأمراض للأهالى». يضيف عماد: «لم يعد أحد من الأهالى يشترى الألبان من تلك المعامل، ولكن الخطير أنها تقوم بتصنيع كميات كبيرة من الألبان يتم توريدها إلى القاهرة الكبرى عن طريق سيارات نصف نقل تأتى إلى هنا مرتين فى اليوم صباحًا ومساءً، ونحن هنا متضررون من أصحاب هذه المعامل، التى يقترب عددها من 20 معملًا، تصنع كميات ضخمة جدًا، ونحن نطالب وزارة الصحة بأن تنقذ المواطنين من تلك الألبان»، مستدركًا: «أنا عن نفسى عند شرائى الألبان أبحث عن أصحاب الزرائب الموثوق فيهم، وهؤلاء يبيعون لنا بالكيلو والاثنين، أما المعامل فتبيع بالأطنان للموردين، حيث يتم توزيع هذه الألبان السائبة فى محال السوبر ماركت الكبرى فى القاهرة». يؤكد عماد أن أصحاب تلك المعامل يجنون أرباحًا طائلة نتيجة هذه التجارة، وأن الكثيرين منهم أنشأوا أبراجًا من وراء تلك التجارة المربحة، حيث يشترون البودرة بأسعار رخيصة جدًا، ويتم خلطها بالسمن الأصفر، وبعض المواد الكيماوية الأخرى، وتصل تكلفة كيلو اللبن السائب 2 جنيه، ويتم بيعه فى المحال ب7 جنيهات، والمعمل الواحد يصنع أكثر من 20 طنًا فى اليوم الواحد. أخبرنا «عماد» بمكان أحد المعامل، قائلًا: «يا ريت تصوروا المعمل من بره، وخدوا بالكم عشان صاحبه ممكن يتعرض لكم، ده فيها قطع عيش»، على حد تعبيره. «بؤلة» صاحب مصنع ألبان اصطحبنا الدليل إلى «بؤلة» صاحب معمل لتصنيع الألبان بواسطة البودرة المجنسة، الذى سألنا عن سبب الزيارة، فأخبرناه أننا من القناطر، ولدينا مواشى ونوزع الألبان فى القاهرة، ونسعى للدخول فى مهنة تصنيع الألبان المجنسة التى يعملون بها، فجئنا إلى هنا بعد أن وصلتنا سمعة القرية وشهرتها فى تلك الصناعة، فقال لنا إنه من الصعب أن يخبرنا أحدهم ب«سر الصنعة»، خاصة أنها تجنى أرباحًا طائلة، فأكدنا له أننا نريد أن نشاركه فى الصناعة، ونقوم بالتوريد له، فقال إنه على استعداد أن يأتى إلى القرية التى نسكن فيها ويخبرنا بكل التفاصيل، وطلب منا الانصراف قبل مجىء شريكه، حتى لا يتشاجر معه ومعنا. أكدنا ل«بؤلة» أننا لا نريد أن نكون سببًا فى إيذائه، وأننا، فقط، نسعى لمعرفة خلطة تصنيع هذه الألبان، فأجابنا بأن الألبان المجنسة يتم تصنيعها عن طريق استخدام «بودرة» تأتى مهربة من الخارج، ويتم خلطها ببعض المواد الأخرى كالسمنة الصفراء وبعض المبيضات الكيماوية للألوان. وبسؤاله عما يروجه أصحاب المعامل من أن تلك البودرة تأتى من وزارة الصحة، ضحك قائلًا: «وزارة صحة إيه»، واستدرك: «دى بودرة مهربة بتيجى من برة». وبعد حديث مطول، طالبناه برؤية الألبان داخل المعمل على الطبيعة، أثناء مراحل التصنيع، وبعد شد وجذب، نجحنا فى إقناعه بالسماح لنا بدخول المعمل، فرأينا 4 فنطسات يتم وضع البودرة فيها لخلطها. وفى تصرف غريب، أحضر «بؤلة» كمية من الألبان التى تباع فى السوبر ماركت، وطلب منا تناولها: «اشربوا منها» فشربنا لإثبات حسن النوايا، ثم جلب كمية أخرى، وقال إنه يتم منها تصنيع القشدة، وبعد فترة قصيرة جاء إلينا ابن صاحب المعمل، فبادرنا قائلًا: «كيف تدخلون إلى المعمل دون علمى»، فأجبناه بأننا نريد أن ننشئ معملًا لتصنيع الألبان، ونريد أن نعرف كيف يتم التصنيع، فرفض قائلًا إنه لا يستطيع أن يخبرنا بسر المهنة، فقلنا له إننا نريد أن نشاركه، فقال: «لا أريد أن أشارك أحدًا، فإذا كنتم تريدون أن نورد لكم فأنا موافق، على أى كمية، حتى إذا كنتم تريدون 20 طنًا فى اليوم، أى كمية أنا موافق عليها». مواد كيماوية خطرة تركنا القرية محملين بأسئلة كثيرة تبحث عن إجابات، ذهبنا بها إلى مصادر بوزارة التموين والتجار الداخلية، فأكدت ل«الصباح»، أن البودرة التى يتم إنتاجها فى تلك القرية، تحتوى على مواد كيماوية خطرة مجهولة المصدر، وبتحليلها فى أحد المعامل التابعة لوزارة الصحة تبين أنها مضرة لصحة الإنسان ولا تصلح للاستهلاك الآدمى. وتابع المصدر، أنه سبق أن شنت الوزارة حملة خلال الأيام الماضية إلى تلك القرية، وتم ضبط 32 طن ألبان مغشوشة، فى 4 معامل لتصنيع الألبان، وتم تحرير المحاضر اللازمة، وأخطرت النيابات المختصة للتحقيق، مشيرًا إلى أن الكارثة الكبرى أن ما تم ضبطه لا يتجاوز 10% من حجم الإنتاج الحقيقى الذى ما زال يتم حتى الآن فى المعامل الأخرى. وقال اللواء أحمد عبد التواب، رئيس المجلس الأعلى لحماية المستهلك، إن هذا الملف كارثى على صحة المواطن المصرى، مؤكدًا أنه دائمًا ما يتم ضبط ألبان أطفال يتم إنتاجها بواسطة بودرة سيراميك وبودرة مسرطنة، حيث ينتهى الموضوع بشكل روتينى من خلال تحويل الملف إلى قضية فى المحكمة، ويكون العقاب حسب الجريمة وحجم الإنتاج، متسائلًا: «أين المحليات والمحافظ من تلك الكوارث، وأين وزارة الصحة أيضًا»، مطالبًا بتشديد وإحكام قبضة الجهات الرقابية لسد منابع هذا الفساد الذى أضر بصحة المواطنين. من جهته، قال الطبيب البشرى، إسماعيل أبو سرية رئيس مركز الحياة الطبى بالقليوبية، إن هذه البودرة تحتوى على مواد خطيرة ذات تأثير سرطانى سلبى بعيد المدى على صحة المواطن، خاصة أنها لا تحتوى على أية علامة تجارية أو ترخيص من وزارة الصحة، ودائمًا ما يشتبه فى تلك المواد بأنها تأتى إما مهربة من الخارج أو عن طريق مصانع السيراميك والأحجار المختلفة.