أكد الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، أن وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسى، سيفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، نظرا لتوجه بوصلة الشعب المصرى نحوه، والتفاف الجماهير حوله، مشدداً فى حواره مع «الصباح» على أنه رغم التشابه بين الزعيم جمال عبدالناصر والسيسى، إلا أن ظروف عصريهما مختلفة، متوقعاً أن ينجح السيسى فى تخليد اسمه فى ذاكرة الشعب المصرى، كما فعل ناصر، مطالباً النخبة المصرية على اختلاف توجهاتها بالخروج من عزلتها والاستماع إلى نبض الشارع المصرى، رافضاً أى حوار عن المصالحة مع جماعة «الإخوان» الإرهابية، معتبراً التصالح معها استسلاماً يكرس العنف فى الشارع، وفيما يلى نص الحوار: * كيف ترى الأوضاع فى مصر الآن؟ - بعد ثورتين هزمنا فيهما فساد النظام الأسبق ثم نظام الفاشية الدينية، أرى أننا نسعى إلى فساد جديد وفاشية من نوع آخر، فى ظل انقسامنا إلى مجموعات، فالشباب فى جهة والعواجيز فى جانب آخر، ومصر أشبه بسفينة تغرق، فى حين نتصارع جميعنا ولا يهتم أحد بإنقاذ البلاد. * ما السبب فى نبرة الغضب والحزن العالية فى صوت الخال؟ - الوضع الذى نشاهده وما يحدث أمام أعيننا، فلا يوجد عشرة أفراد يضعون أيديهم فى أيدى بعضهم البعض، وإذا ما تجمع عشرة أشخاص فى حزب ما هى إلا أيام ونجدهم تفرقوا إلى ثلاث مجموعات على الأقل، كل مجموعة تعادى الأخرى، وتنشق عليها، ونحن فى وقت نحتاج إلى جبهة وطنية عظيمة توحدنا، وتحدد مصير مصر وتوجهها إلى الغايات التى حلمنا بها، وإلا لتحولت الثورة إلى عبث، بينما مصر تغوص شيئا فشيئا فى المستنقع، لو نظرنا إلى مشكلات مصر الحقيقية من مأساة النيل وسد النهضة كارثة الكوارث، مروراً بالاقتصاد المنهار، لتأكدنا من هذا التصور، لذلك أرجو من الله أن يلهمنا الصواب لينقذنا مما نحن فيه. * ألا تجد بصيص أمل فى النخبة والأحزاب الحالية؟ - المسألة تتجاوز الأحزاب والنقابات وكل التجمعات الأخرى، لأننا فى حاجة إلى تجمع حقيقى، يحمل اسم مصر الثورة يتجه إلى المستقبل ويواجه كل مشاكل الماضى، مع ضرورة وقف النزاعات بين معسكرى «25 يناير» و«30 يونيو»، فأنا لا أفهم موقف ثوار 25 يناير، ولماذا يعادون الشعب المصرى، وكأنهم يريدون عودة الحكم الدينى الفاشى، فى ظل هاجس يسيطر عليهم بعودة الفلول، علينا أن نجنب صراعاتنا ونضع أيدينا معا من أجل بناء هذا الوطن، والدخول به إلى المستقبل الجديد. * كيف ترى دعوات المصالحة مع جماعة «الإخوان» الإرهابية؟ - أنا ضد المصالحة تماماً، فكيف أتصالح مع القتلة والسفاحين، فالتصالح معهم يعنى تصريحا لهم بمواصلة القتل، فى رأيى نحن تقدمنا كثيرا فى مسألة القضاء على الإرهاب، والجيش يصنع معجزة فى سيناء لم تتحقق فى باكستان أو أفغانستان، لذلك يجب علينا أن نواصل فى هذا الاتجاه ونعيد لمصر أمنها، القاهرة كانت معروفة فى العالم بأنها مدينة لا تنام، الآن هى مدينة خائفة، لذلك التصالح مع هؤلاء يعنى الاستسلام، وأنا ضد هذا الاستسلام تماما، خاصة أن جماعة «الإخوان» الإرهابية ستعود إلى العمل السرى الذى تجيده، لأن فكرة الإخوان قامت على التنظيم الخاص والتحرك السرى. لذلك لا يمكن أن يعيشوا بدون تنظيم أو بدون جو المؤامرات، ورغم كل ذلك فسيدفعون الثمن على الدماء التى سالت وأغرقوا فيها مصر، لذلك علينا أن نطوى صفحة الإخوان إلى الأبد ونبدأ فى النظر إلى المستقبل، فعبد الناصر بمجرد تسلمه السلطة أصدر قانون الإصلاح الزراعى، فاكتسب محبة الشعب الفقير كله، ووقف خلفه فى مشروع التنمية، لذلك نحن نحتاج الآن إلى قيادة رشيدة نصدقها ونثق فيها وتجمعنا جميعا نحو أهداف محددة يعلنها علينا قبل أن نقرر الزحف خلفه، وقبل أن يصبح رئيسا لمصر. * كيف ترى فرص المرشحين للرئاسة؟ - من أعلن عن نيته الترشح رسمياً هو حمدين صباحى، أما عبدالمنعم أبوالفتوح فانسحب، ولم نسمع عن آخرين، وفيما يخص وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسى، فالجموع تطالبه بالترشح بعدما رأت مواقفه الشجاعة، عندما حمل رأسه على كفه ووقف مع الشعب المصرى للإطاحة بالرئيس الإخوانى محمد مرسى، وخاطر بنفسه لمنع الحرب الأهلية، لذلك لم يكن البسطاء فى حاجة إلى حديث النخبة أو توجهاتها أو برامجها، للالتفاف حول السيسى ودعوته لقيادة مصر، فالبوصلة الشعبية توجهت إلى السيسى، كما توجهت من قبل إلى الزعيم جمال عبدالناصر، ورغم ذلك أنا مع ضرورة ترشح العديد من الوجوه لكى تكون تجربة الانتخابات الرئاسية حقيقية، يتحدث عنها العالم فى ظل رقابة دولية لكى ينتصر السيسى فى ظل منافسة قوية، وضميرى الشخصى يقول إنه سيفوز بالرئاسة، لأن الشعب الذى يسعى لجعله رئيساً، بعدما انحاز لإرادة الشعب وأزاح عن مصر ستار الظلام، ولا يزال يدفع هو والجيش كله ثمن هذه الحرية التى منحت للشعب المصرى من دماء الضباط والعساكر والمجندين. * هل نفهم من هذا الحديث أن السيسى هو عبدالناصر الثانى؟ - لا يوجد تطابق بينهما، فعبدالناصر ابن ظروف عصره، فوقتها كان هناك الصعود الثورى فى العالم كله، وقتها كان يوجد جيفارا وكاسترو ونهرو ونيكروما، والدنيا كلها كانت تثور وقتها، فالستينات كانت زمن الثورة والاستقلال واندحار الاستعمار، أما الآن فهو زمن أمريكا عندما أصبحت أقوى دولة فى العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، وبدأت واشنطن تمارس مؤامراتها ضد الشعوب الضعيفة، وهو ما نراه الآن فى كل مكان، على المستوى الداخلى عبدالناصر كان بمثابة الحلم المباغت لنا، فكانت الملكية والإقطاع يسيطر على حياة الملايين، ولم يكن أحد يتخيل أن نخرج من ثوب الملكية برغم النضال الشعبى الطويل إلى أن جاءت حركة الضباط الأحرار مثل شمس أشرقت فجأة لتبدد ليلا طويلا، وجاء عبد الناصر وأصبح رئيساً، معلناً بعدها انحيازه للجماهير. أما الآن فالوضع مختلف، لأن الجماهير فى الشارع تطالب السيسى بأن يصبح رئيساً لمصر، وتتغنى به قبل أن يتولى المنصب، وترقص وتحتفل بالسيسى قبل أن يعلن هو موافقته على تولى المهمة الصعبة، وهنا تحضرنى مقولة الأستاذ هيكل إن عبد الناصر كان ضابطا غير منضبط، لأنه مثقف يقرأ الكتب، وهذا جعله فيما بعد يكون حركة الضباط الأحرار، ولكن السيسى عاش ضابطاً ملتزماً، لذلك أتوقع أن يقوم السيسى بأعمال تخلد اسمه كما خلد التاريخ اسم عبد الناصر، وأنا على يقين من قدرته على ذلك. * كيف ترى تهافت البعض فى إطلاق اسم السيسى على كل شىء فى الشارع؟ - هذه من طباع المصريين المتوارثة، فالفراعنة أول شعب اخترع الإله، ومن أوائل الشعوب التى ألهت الحاكم، وعندما يموت الفرعون تجد أول ما يقوم به الفرعون الجديد حذف جميع صور من سبقه، وهو ما رأيناه مع أنور السادات الذى أمر برفع لوحة منحوتة لعبدالناصر على مدخل السد العالى، ووضع لوحته، ولم تعد لوحة ناصر إلا بعد مقتل السادات، فيما ركز مبارك على نسبة نصر أكتوبر له هو وتجاهل دور السادات، وهذا كله ميراث فرعونى، لذلك ظلت فكرة تقديس الحاكم متوارثة، لذلك تجد الناس تنظر للحاكم على أنه إله وتدعو له بالتوفيق وإذا كان ظالما فيما بعد تدعو عليه، وقبل قدوم الحاكم الجديد تدعو أن يولى الله من يصلح، وإن جاء وأصلح دعت وهللت، وإن أفسد دعت عليه، ومن يقرأ تاريخ ابن إياس، يعلم أن الشعب المصرى تحكمه علاقة أبوية بالحاكم، ولذلك ثورتا 25 يناير و30 يونيو معجزتان حديثتانس تؤكدان عمق التغيرات فى الشعب المصرى، لأنه شعب هجر الثورة منذ فشل ثورة 1919. * برأيك كيف يرى السيسى حملات الدعاية له فى الشارع؟ - هو يرى – وهو محق فى ذلك - أنه منقذ مصر من الإخوان الذين كانوا يقولون إنهم جاءوا ليظلوا فى الحكم لمدة 500 عام، وحاولوا أخونة الحكم، لذلك السيسى بالنسبة للناس ولنا جميعاً صنع معجزة فى زمن «شحّت» فيه المعجزات، ومن حق الناس أن تفرح به وتزهو به وتصنع حلوى باسمه، وتطلق اسمه على مواليدها، وتضع اسمه على المحلات والشوارع، فى أيام عبد الناصر كانت الناس من شدة فرحها به تطلق اسمه على أغلب أبنائها، وتضع اسمه على كل شىء وأنا لا أرى هذا جديدا على الشعب المصرى، كون النخبة تشمئز من سلوك الجماهير لندع لها اشمئزازها «وخلينا مع الجماهير»، من أراد أن تصبح له شعبية عليه أن يصدق الجماهير، ولذلك النخبة معزولة عن الجماهير، ولا تعرف كيفية التواصل مع الناس وتترفع عن الجماهير ولذلك اندهشت النخبة من رقص النساء أمام اللجان وتركوا لمصطلح ثورة الراقصين أن ينتشر، ولم يقفوا أمام تلك العبارات بالمرصاد والرد القاطع، ولم يعلموا أو يشعروا أن هذا أعمق أعماق الفرح الشعبى احتفالا بالخلاص من عهد حالك الظلام، للأسف بعض المثقفين والنخبة لا تعرف الشعب المصرى البسيط، ولا تريد أن تبذل مجهودا وتعرفه، ولذلك الشعب بثورتيه فى اتجاه وتلك النخبة فى اتجاه آخر، السور المحكم الذى تضعه النخبة حولها سيجعلها بعيدة تماماً عن حركة الشارع المصرى والمستقبل المصرى. * ما توقعاتك لمصر خلال فترة الانتخابات الرئاسية؟ - لست منجماً، أنا متفائل بأن الشعب المصرى سينجح بغض النظر عن اسم الرئيس القادم، لأن شعبا أراد الحياة، فالشعب المصرى لم يعد هو الشعب قبل 25 يناير، وأنا أثق فى السيسى وربنا يكفيه شر من حوله وربنا يكفيه شر المطبلاتية والمتملقين الذين بدأوا فى الظهور على الصحف والفضائيات، هناك البعض يتكلم عنه وكأنه المتحدث الرسمى باسم السيسى، لذلك نصيحتى للسيسى عندما يأتى رئيساً، بأن يحتفظ بابتسامته وهدوء صوته، لأنها دليل على أنه يحب هذه البلاد، وإذا تغيرت تلك الأشياء البسيطة فسأعرف وقتها أنه تغير وأننا دخلنا طريقا آخر، وقتها سنكون فى جبهتين مختلفتين. * أين المثقفون من كل ما يحدث فى الشارع الآن؟ - المثقفون شهداء كل عصر وشهداء كل ظلم وشهداء كل حكم، ولو نظرنا فى جيلى كله لن تجد أحداً لم يسجن أو يعتقل من أجل الحفاظ على حريتنا وأفكارنا وحرية بلادنا، ودائماً هناك علاقة غريبة بين المثقف والسلطة، السلطة تحب أن تضع المثقف فى جيبها وأن تصنع منه بوقاً لها، ليبرر الأفعال الإجرامية للسلطة أمام الشعب، لأن المثقف كلمته مسموعة والمثقف دائماً يحاول التملص من هذا القيد بالتلاعب لكى لا يقع فى الفخ أو يصطدم مباشرة بالسلطة، فيكتب أحياناً بالرمز والإشارة والإيحاء والإيماء وغيرها من أساليب التعبير، ومن خلال أدبه وفنه يعبر عن رأيه بصورة وبأخرى، وهذا لا ينفى أن هناك وجودا لبعض الأشخاص الذين لم يدركوا حقيقة المثقف ودوره وسمو رسالته وأصبحوا أبواقا للأنظمة، وأنا أرى المثقفين فى أحسن حالاتهم حالياً، وربما كانت الوقفة التى وقفوها ضد وزير الثقافة الإخوانى علاء عبدالعزيز، على سلم وزارة الثقافة، هى وقفه تاريخية سجلت لهم فى التاريخ وأدت إلى إلقاء هذا الوزير فى مزبلة التاريخ، وهذا أعطاهم نوعا من القوة والدفعة أنهم يستطيعون أن يفعلوا أكثر من ذلك، وأنا أرى أن الثورة أعطت الإبداع الإلهام الكافى، وأنا أرى أن المقالات وكل ما يكتبه المثقفون وأصحاب الرأى فى مختلف الجرائد والمجلات تبرئ حتى جرائمهم القديمة بل وتقصيرهم القديم فى حق الشعب، وأرى أن المثقفين الآن يقودون الفكر نحو النور، لكن رغم فوائد «فيسبوك وتويتر» وكل تلك التكنولوجيا الجديدة، إلا أن لها مخاطر غير محسوسة. فمن الممكن أن تصنع ما أسميه ب«الكسل الفكرى»، بعدما يكتفى العديد من المثقفين بكتابة تغريدة أو تدوينة قصيرة. * كيف ترد على من يهاجم برنامج باسم يوسف؟ - شاهدت آخر حلقة منه، وهى حلقة جيدة فى المجمل، وتابعت الهجوم على باسم يوسف، وهو فى رأيى هجوما غير مبرر، فى الحقيقة الحلقة جميلة، وأتمنى أن يستمر بنفس الطريقة، لأن بها الكثير من الجهد الكبير المبذول بكل حب وإخلاص من فريق العمل، وبمنتهى الأمانة البرنامج عموما متزن وجميل، وعلى المستوى الشخصى أستمتع به جداً، وفى رأيى المتواضع ما كان يجب منع «البرنامج» أساساً، على الرغم من أننى قلت لباسم إنه لولا السيسى لكنا لا نزال فى مستنقع «ما يعلم به إلا ربنا»، ولم ينقذنا منه إلا هذا الرجل، ولكن رغم ذلك فكان لابد من الحوار معه لا منع برنامجه، أنا ضد المنع عموماً، لأن من يمنع باسم يوسف اليوم يمنعنى أنا غداً. * ما موقع الأغنية فى كل هذا الحراك الثورى؟ - الأغنية العاطفية مستبعدة حالياً، لأنها بعيدة جداً عن الأجواء التى نحياها، ونعيش فترة مضطربة تعكس روح الفترة السياسية الموجودة فى أغانينا لدرجة أن بعض الملحنين والمطربين يخشون من كلماتى، لأنهم يعتقدون أنها قصائد سياسية مختبئة تحت الكلام العاطفى، وأنا أعفى نفسى من الكلام عن الأغنية العاطفية الجديدة، لأننى لا أسمعها، أما الأغنية الوطنية فهناك عشرات الأغنيات الوطنية التى ظهرت مؤخراً، واعتقادى أن معظمها لن يكتب له البقاء، فى المقابل أنت تجد أغانى صلاح جاهين وحسين السيد وغيرهما لا تزال حية، والزمن كفيل وحده بأن يطوى تلك الأغانى الحديثة التى ستسقط كأوراق الشجر فى الخريف، وعلى أصحابها أن يعرفوا أنهم كتبوا أغنيات مناسبات سطحية، وليست أغنيات حقيقية تغوص فى روح مصر وضمير الشعب فى الستينيات والسبعينيات كنا نغنى للأمة العربية، كنا نحن ننشد لقيم الأمة الواحدة والوحدة العربية، نحن كنا من يصدر الفكر من خلال الأغنية للأمة العربية، الآن أفضل الأغانى التى تغنى لمصر يغنيها عرب مثل حسين الجاسمى ونانسى عجرم، وغيرهما، إذاً هناك غياب للقوة الحقيقية للشعر وللموسيقى المصرية، توارى الملحنون الكبار وأنا عشت عصر الأغنية الوطنية الذهبى، والدليل استمرار أغانى «أحلف بسماها»، و«ياحبيبتى يامصر»، و«صورة» وغيرها. * لماذا لا تتجه إلى كتابة الأغانى الوطنية التى تعيد إلى هذا الفن مجده السابق؟ - أنا توقفت عن كتابة الأغانى، ولكن أكتب الشعر وأنشد القصائد فى المحطات الفضائية وأكتب فى الصحف، أى أن الشكل الإبداعى أخذ شكلاً آخر عندى، وهناك العديد من السبل للمقاومة. فطالما ما زلت حياً لن أستسلم، لأنى أرى مصر تستحق الأفضل دائماً، حتى فى مجال الأغنية لابد أن تحصل مصر على أغانٍ تليق بها، فمثلاً أغنية «تسلم الأيادى»، انتشرت سريعا ولها شعبية هائلة، لأن الناس كانت فى حاجة إلى شىء شعبى يعبر عن المرحلة، فوجدت فى هذه الأغنية ضالتها فى وقت معين، لكن تلك الأغنية بدأت تتراجع وتنسحب، ومع الأسف كل الذين يحتلون قمة الإعلام، لابد أن يعاد فيهم النظر وكل الموظفين الجدد الذين يتحكمون فى ذائقة المستمع لابد أن يحاسبوا، فمن يضع خرائط الأغانى فى الإذاعات لابد أن يحاسب، لأنه هو من يشكل وجدان المستمع، وللأسف معظم القائمين على إذاعة تلك الأغانى يختار الجديد منها ويهمل الأغانى التراثية، فلابد من مراجعة الأمر لأنه فى غاية الأهمية والخطورة، ولابد أن ينظر إلى هذه الوظائف باهتمام أكبر، لأن هذا تشكيل لذوق ووجدان الشعب المصرى كله، وهى وظيفة خطيرة تتحكم فى بناء أو تحطيم ذوق ووجدان الشعب، خاصة أن تلك الأغانى من تراثنا استبعدت كأن من يمسك الكيان الإعلامى شخصية صهيونية تتآمر على مصر وتراثها الفنى، لإبعاد كل ما هو أصيل والتركيز على كل ما هو سطحى وزائف وتجارى. * هل انحدار الأغنية أصاب الغناء الشعبى أيضاً؟ - معنى الغناء الشعبى اختلف، بعدما تم تجاهل أغانى عمالقة الغناء الشعبى، فأنا لا أستمع فى التليفزيون أو الراديو لمحمد عبد المطلب أو محمد قنديل أو محمد رشدى أو محمد العزبى أو كارم محمود، كل من غنوا الغناء الشعبى الجميل فى الفترة السابقة اختفوا، كأنه تم وضع «حامض كبريتيك المركز»، على أغانيهم لتتبخر من الذاكرة الشعبية، وشادية لولا أغنية «يا حبيبتى يامصر»، لم نكن لنسمع عنها شيئاً، نجاة ووردة أين ذهب إنتاجهما، فكرة تعلم الجديد من القديم غير موجودة، عندما تمنع القديم فجأة، وتحاول إخفاءه ستدمر الجيل الجديد الذى لم يستمع لأغانى كبار أهل المغنى، وفى تونس والمغرب وغيرهما من البلاد العربية تأتينا الأصوات قوية، لأنهم لا يزالون يستمعون لأغانى عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان وشادية ونجاة وعبد الحليم حافظ وليلى مراد وفايزة أحمد، وبذلك تتربى الأصوات على اللحن الجيد والصوت القوى وفى مصر الأصوات ضعيفة، والقوية منها يتم استخدامه تجارياً، ولديك أكبر مثل على ذلك «جنات» صوت عظيم الشأن، فجأة أجدها تردد الأغنيات التى تشبه فن المونولوج، لأن الشركات لابد أن تبيع، بمنطق أن السوق لم يعد يحتمل المعانى القوية باعتبارها «ثقل دم»، وأنه يريد أغانى «الهشك بشك»، لذلك تجد أصواتا مهمة ترضخ لمتطلبات السوق التجارى التى تفرض نفسها، وهذا للأسف حال السينما، فلو تم صنع فيلم جيد سيلقى به فى الشارع، السوق الفنى الآن لا يسمح إلا بمرور البضاعة الرخيصة.