الخلاف بين السنة والشيعة لم يعد خلافا فكريا مذهبيا، بل تخطى ذلك إلى أعمال عنف وقتل وترويع مرفوضة، لذلك فقبل أيام قليلة من احتفالات يوم عاشوراء فى شهر محرم، ذهبت «الصباح» إلى ضريح سيدنا الحسين لمعرفة مدى كثافة التواجد الأمنى هناك لمنع الصدام المتوقع بين السنة والشيعة، خاصة مع ما هو متوقع من محاولات الشيعة المصريين زيارة الضريح يوم عاشوراء. العديد من الائتلافات والحركات الإسلامية السلفية مثل «ائتلاف أحفاد الصحابة وآل البيت» و«ائتلاف الدفاع عن الصحب» هددت بمنع أى احتفالات شيعية جماعية فى هذا اليوم أو غيره أمام مسجد الحسين، لأنهم يعتبرونها عقيدة فاسدة. الجدل بدأ منذ اللحظات الأولى، فبالقرب من بوابة مسجد الحسين وقعت عيناى على عشرات الشباب الملتحين يتكلمون بصوت عال عن أحقيتهم فى زيارة ضريح سيدنا الحسين وكيفية التصدى للظلم الواقع عليهم.. عرفت أنى لو أخبرتهم بهويتى الصحفية فربما كل ما سيخرج من بين شفاههم هى تصريحات دبلوماسية للاستهلاك الإعلامى، لهذا تقمصت دور شيعية تدعى «فاطمة أبو الحسن» جاءت من قرية كفر شكر بمحافظة القليوبية لزيارة مقام سيدنا الحسين الذى تعشقه. تحدثت معهم كأنى واحدة منهم وأبديت اندهاشى لرفض السلطات السماح لهم بإقامة احتفالاتهم كما يشاءون، فقال لى حسين مندور، 23 عاما، حاصل على ليسانس آداب ويسكن بمنطقة الجمالية، إنه اضطهاد معتاد ومنع متكرر من ممارسة عقيدتهم بشكل علنى، رغم أن كل مسلم يحب النبى وأهل بيته هو شيعى كما يقول القرآن «وإن من شيعته لإبراهيم» أظهرت للرجل أنى لا أفهم كثيرا فى الفروق الفقهية لأنى صغيرة السن نسبيا، فقال لى إنه لا يوجد فرق بين السنة والشيعة إلا عند الجهال، أما العلماء والمثقفون والأحرار فهؤلاء يتفقون على أن الإسلام واحد والقبلة واحدة والقرآن واحد. النقاش أظهر لى أن حسين مندور ورفاقه لا يسبون الصحابة كما يدعى البعض، وفسر لى أحد الواقفين هذا الأمر بشكل غير مقصود عندما تحدث عن أن «شيعة مصر يختلفون فى الفكر عن بعض شيعة إيران الذين يسبون السيدة عائشة ويقولون إن حادث الإفك كان حقيقيا، وينالون من سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر». حسينية سرية والتقط على محمود، طالب بالفرقة الرابعة بكلية الألسن، طرف الحديث مندهشا من أن الأقباط يمارسون عقيدتهم بحرية مطلقة ويسمح لهم فى بعض الحالات ببناء الكنائس، بينما يعانى الشيعة من تضييق فى ممارسة عقيدتمهم، شاكيا: «لماذا يحرموننا من بناء الحسينيات مثل الكنائس على الرغم من أننا مسلمون؟ (الحسينيات هى أشبة بدار المناسبات يحتفل فيها بذكرى ميلاد ووفاة الحسن والحسين والسيدة زينب وليست مساجد، ومباح فيها الأكل والشرب). والدى يقيم فى الدور الأول من منزلنا «حسينية سرية» ويأتى العديد من الشيعة للاحتفال عندنا سرا لأن السلطات لا تعطينا تصريحا ببناء حسينية فى العلن. الطالب أعرب عن تخوفه من تكرار حادثة (أبو مسلم) التى راح ضحيتها العديد من الشيعة الأبرياء على أيدى السلفيين والإخوان، فأزهقت الأرواح لمجرد خلاف فكرى محدود لا يدركه أغلب الغاضبين. من جانبه، اعتبر أحمد عزيز، شيعى يعمل بمنطقة الحسين، أن من حق الشيعة ممارسة شعائرهم، معتبرا أن الشيعة هم الطائفة الوحيدة التى لم تستفد بأى شىء من مكتسبات ثورة 25 يناير المتمثلهةفى (عيش– حرية– عدالة اجتماعية) مثل باقى المصريين، وقال إن معظم أقاربه هجروا من مصر بسبب ما يشهده الشيعة فيها من اضطهاد وقمع يصل لحد العنف والقتل أحيانا، وأنهم الآن مقيمون فى دولة البحرين ذات الغالبية الشيعية التى يهرب إليها الكثيرون. وفجر هاشم محمد، يعمل بأحد محلات منطقة الحسين، مفاجأة من العيار الثقيل عندما حاول طمأنة «شيعية صغيرة» مثلى مؤكدا أنه على الرغم من تضييقات وزير الأوقاف المتعمدة ضد الشيعة إلا أنهم يدخلون مساجد آل البيت ويتعبدون فيها ليلاً ونهاراً. وأضاف أنه استطاع هو وأكثر من 50 شيعيا، رجلاً وامرأة من دخول مسجد الحسين «سراً» لأكثر من 5 مرات خلال الشهرين الماضيين وذلك بمساعدة أحد العاملين بالمسجد، حيث فتح لهم المسجد فى منتصف الليل بعد أن قام أحد الشيعة بإعطائه مقابلا ماديا مغريا، وقد استطاعوا إقامة حلقات الذكر رجالاً ونساء، وأضاف أنهم كانوا ينهون احتفالهم ويخرجون من المسجد قبل إقامة شعائر صلاة الفجر بأقل من ساعة ودون أن يشعر بهم أحد. لم يكن ممكنا أن أسمع كل هذه التفاصيل ولا أتأكد منها، لهذا تركتهم وهرولت مسرعة إلى الدكتور أحمد ترك، مدير عام المساجد الحكومية بوزارة الأوقاف، لأنه لو ثبت فعلاً تورط العمال فى فتح المساجد بشكل سرى فسوف يتم تحويلهم للتحقيق الفورى. فأكد لى د. ترك أن التحقيقات ستجرى بشفافية لمعاقبة المخطئين إن ثبت خطؤهم. تحدثت بعدها مع الدكتور أحمد راسم النفيس، أحد القيادات الشيعية البارزة ورئيس حزب التحرير، والذى كان وقتها فى العراق للاحتفال بذكرى وفاةه الإمام الحسين، مؤكدا أن الشيعة فى كل الدول العربية ينعمون بحرية مطلقة فى ممارسة عقيدتهم بشكل علنى بعكس مصر، والتى تعتبر المصريين الشيعة كفرة -على حد قوله- يجب إقصاؤهم والتضييق عليهم. النفيس أعرب عن استيائه من رفض الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف إقامة احتفالات الشيعة بالإمام الحسين، وأكد أنه لم يقدم دعوى رسمية لشيخ الأزهر للمشاركة فى الاحتفالات وإلقاء كلمة كما تدعى بعض وسائل الإعلام، لافتاً إلى أن يجب على شيخ الأزهر أن يكون شيخاً لكل المسلمين سواء شيعة أو سنة ولا فرق بينهم ويجب أن يساعد الشيعة على ممارسة عقيدتهم بحرية فى مقابل ضمان ألا يكون هناك فى طقوسهم أى إساءات أو انتهاكات، كما أكد أنه لم يستأذن وزراة الأوقاف فى إقامة الاحتفالاات داخل مسجد الحسين. فقهيا سألنا الدكتور عبد المعطى عبد القادر، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عن هذه القضية الشائكة، فقال إن الإسلام لا يعرف غير عيدين اثنين هما الفطر والأضحى، وبالتالى فإن الاحتفال بيوم عاشوراء هو من الطقوس غير الموجودة فى الإسلام، كما أن الشيعة يستدلون فى كثير من طقوسهم على الروايات وليس على الدلائل الشرعية، معاتبا بعض غلاة الشيعة ما يدعونه فى حق كبار الصحابة، معتبرا أن هذه الأفكار لن تفيد الآن بعد آلاف السنين، ولن تساعد على الوحدة بين طوائف المسلمين. مفاجأة يوم عاشوراء المفاجأة السعيدة بالنسبة لنا كانت أن يوم الاحتفال بعاشوراء مر بسلام بين السنة والشيعة.. بعكس ما كان متوقعا بعد التهديدات الكثيرة من قبل العديد من الائتلافات والحركات الإسلامية السلفية بمنع أى احتفالات شيعية جماعية فى هذا اليوم أو غيره أمام مسجد الحسين، حيث استطاعت وزارة الداخلية فرض قبضة أمنية حديدية على جميع المداخل المؤدية لمسجد الحسين، وانتشرت قوات الأمن فى كل مكان بشكل مكثف، وذلك لمنع حدوث أى اشتباكات أو احتكاكات بين السنة والشيعة.. كما أمرت وزارة الأوقاف منذ أسبوع بغلق ضريح سيدنا الحسين داخل المسجد تحسباً لأى احتفالات شيعية، بالإضافة إلى أنها قامت بغلق المسجد نفسه بعد أداء الصلاة بشكل مباشر، وقد حدثت اشتباكات كلامية بين عدد من الشيعة والسنة المتواجدين أمام مسجد الحسين واستطاعت قوات الأمن فض هذه الاشتباكات دون حدوث أى إصابات. فى يوم عاشوراء نفسه (الخميس الماضى) كان هناك تواجد مكثف من قبل أعضاء العديد من الحركات الإسلامية، بالإضافة إلى ائتلافات الدفاع عن الصحابة وآل البيت، وقام عضو بائتلاف أحفاد الصحابة بإلقاء خطبة أمام المسجد بعد صلاة الظهر مباشرة يوضح لرواد المسجد الفرق بين المذهب السنى والمذهب الشيعى. الدكتور وليد محمد، رئيس ائتلاف المسلمين للدفاع عن آل البيت، أكد ل«الصباح» بعدها أن الائتلاف لن يتعرض بأذى لأى شيعى سيدخل المسجد للصلاة فقط فى أى وقت، أما لو حاول أى شيعى ممارسة طقوسه فسوف يتم تسليمه إلى أفراد الأمن. العديد من الشيعة الذين تواجدوا بالقرب من المسجد فى يوم عاشوراء أعربوا عن رفضهم التام لقيام وزارة الأوقاف بغلق الضريح ومنعهم من ممارسة «أبسط حقوقهم كمصريين» على حد قولهم، وقام بعضهم بافتراش الأرض وأخذوا يقرءون بعض آيات القرآن. وقال على عبد الحميد، شيعى مصرى، ووجهه تبدو عليه علامات الحزن والأسى: «نحن نعتبر اليوم يوم حزن، فكيف نفرح ورسول الله صلى الله عليه وسلم بكى لمقتل الإمام الحسين قبل استشهاده ب50 عاما؟ يجب أن نتأسى برسول الله». وقال على محمود، شيعى عراقى مقيم فى مصر منذ 8 أعوام، إنه حزين على ما يحدث لشيعة مصر من ظلم على يد بعض القيادات الأمنية، حيث يقفل فى وجوههم أضرحة آل البيت ويحرمون من ممارسة طقوسهم مثل باقى المسلمين، واعتبر أن رسول الله لو كان موجودا الآن لحزن على حال شيعة مصر المحبين لآل البيت.