علي منوال ما كنا نقوم به في صغرنا من وضع مجموعة من الكراسي في حلقة ندور حولها ونجري علي أنغام الموسيقي وعددنا يزيد علي عدد الكراسي واحدا فإذا توقفت الموسيقي سارعنا للجلوس علي الكراسي ويخرج من اللعبة من لا كرسي له فيما كنا نطلق عليه حينها (لعبة الكراسي الموسيقية) ولم نكن نتخيل وقتها أن هذه اللعبة الترفيهية الجميلة يمكن أن نعيش علي منوالها لعبة حقيقية نعيشها علي أرض الواقع في مشهد هزلي لا يمكن لأحد أن يتخيل وقوعه علي أرض الواقع فيما يمكن أن نطلق عليه هزلا أيضا (لعبة الكراسي السياسية) حيث نري مجموعة من اللاعبين السياسيين يتنافسون علي مجموعة من الكراسي والمناصب السياسية ولكن ما يلفت النظر في هذا المشهد الضحك المبكي في آن واحد أن اللاعين الأساسيين في هذه اللعبة هم الإخوان ممثلون في الرئاسة والسلفيون ممثلون في بعض الأحزاب السياسية وعلي رأسها حزب النور والذي يعتبر من أهم أسباب وصول د.مرسي إلي كرسي الرئاسة فلولا الدعم السلفي عموما وحزب النور خصوصا لما تمكن د.مرسي من الوصول لكرسي الرئاسة نظرا لما للسلفيين من رصيد شعبي في الشارع المصري اكتسبه التيار السلفي بعموم فصائله خلال مائة عام أو يزيد من العمل الدعوي في المساجد والجمعيات الخيرية المختلفة ابتداءً من الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة والتي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي أوائل القرن العشرين مرورا بجماعة أنصار السنة المحمدية والتي أسسها الشيخ محمد حامد الفقي عام 1926م وهذا كما هو واضح من التواريخ سابق علي تأسيس الأستاذ حسن البنا المولود 1906م لجماعة الإخوان المسلمين عام 1928م وعمره وقتها 22 عاما وانتهاءً بالجمعية السلفية بالأسكندرية وغيرها من التنظيمات والمجموعات السلفية المعاصرة والتي اتفق معظمها مع الإخوان علي فكرة ما يسمي بالإسلام السياسي أو المشروع الإسلامي وإن اختلفوا في الوسائل لتحقيق ذلك المشروع ويمكننا القول إن الجامع المشترك بين كل هذه التيارات التي تسمي نفسها بالتيارات الإسلامية هو إيمانها بفكر أ.سيد قطب المعروف بالحاكمية وهو نفس الفكر الذي دعا له الباكستاني أبوالأعلي المودودي في شبه القارة الهندية في نفس التوقيت تقريبا فيما يعرف حاليا باللإسلام السياسي وقد اجتمع الفكران القطبي والمودودي في أفغانستان وباكستان في ما عرف بالجهاد ضد السوفييت والشيوعيين ثم استقر أخيرا في تنظيم القاعدة وجماعة طالبان وأما داخل هذا التيار المسمي بالإسلامي فتحتل جماعة الإخوان الصدارة لا لكثرة عدد أفرادها ولا لرصيدها في الشارع وإنما لكونها جماعة منظمة ومغلقة ومحكمة القيادة من خلال نظام حديدي متوارث فيه قيادات ظاهرة وأخري خفية بعضها معلن والبعض الآخر سري ومن خلال خلايا وأسر ومناطق بل والأخطر من ذلك كله أنه تنظيم يجمع بين المحلية والعالمية فهو موجود في عشرات من دول العالم المختلفة لا تكاد تخلو دولة من خلية إخوانية علي الأقل وهم -أي الإخوان- أكثر مكرا من باقي الفصائل المنتمية لهذه التيارات المسماة بالإسلامية بينما التيارات المسماة بالسلفية أكثر عددا وشعبية ولكنها لا تملك تلك الطريقة المنظمة في التركيب والقيادة واعتمادها الأكثر علي شهرة مشايخها ودروسهم في المساجد والفضائيات وأنهم علماء الدين ولهذا رصيدهم في الشارع أكثر لتعاطف كثير من الناس معهم حتي وإن لم يكونوا منهم وإنما باعتبار أنهم أهل العلم والدين وهم أكثر وضوحا وصراحة من إلإخوان لدرجة الحماقة في بعض الأحيان فبينما يقول أحد القساوسة لأحدهم: إني أحبك يرد عليه الشيخ السلفي قائلا بفخر: أما أنا فأبغضك في الله وكذلك لا نستغرب أن نسمع من بعضهم أن أدب نجيب محفوظ هو أدب دعارة في الوقت الذي يتقدم هو نفسه للترشح لانتخابات مجلس الشعب في دائرته فتكون النتيجة رسوبه فيها نظرا لمثل هذه الفتاوي البعيدة عن الحكمة والتوفيق تماما ويصل المشهد لقمته في المأساوية عندما تسمع أحد الغلاة من السلفيين الجهاديين يفتي بوجوب هدم الهرم وأبي الهول ويفتخر بأنه كان ضمن من قاموا بتدمير وتفجير تماثيل بوذا في أفغانستان بل ويصطحب فيديو فيه كيفية التدمير في البرنامج الذي استضافه. من كل ما سبق يتضح لنا حقيقة المشهد الذي تعيشه بلادنا الآن وهو مشهد درامي هزلي لا يكاد بعضنا يصدقه حتي هذه اللحظة فمن كانوا علي الكراسي يرقدون في الزنازين ومن كانوا في السجون صاروا في قصور الرئاسة وهم أنفسهم لا يكادون يصدقون أنفسهم لدرجة أنهم صاروا يتصرفون بردة فعل هستيرية لا انضباط فيها البتة ولا حكمة ولا توفيق بل ارتباك في ارتباك ومن فشل إلي فشل أدي بهم إلي تآكل رصيدهم في الشارع بل لا أبالغ إن قلت إنهم يكادون يفقدونه كاملا بعد هذه المهازل المأساوية والفضائح السياسية والاقتصادية بل والاجتماعية والتي وصلت حتي إلي الفرش والأسرة وغرف النوم وكما قيل قديما إنما تظهر المسروقات إذا اختلف اللصوص وأصدق ما يمكنني قوله علي هؤلاء المتأسلمين والمتسلفين من تجار الدين هو قول الله تعالي في كتابه الكلريم إنهم فعلا وحقا (يخربون بيوتهم بأيديهم ) فوالله الذي لا إله غيره إنهم يفعلون بأنفسهم ما لا يمكن لأعدي أعدائهم أن يفعله بهم مهما طال الزمان وهو بحق أنكي أنواع العقوبة وأشد أنواع الفضائح فالله سبحانه قد يستر علي من سرق أو زني وهو مقر بذنوبه معترف بتقصيره أما من يتاجر بالدين ويزعم أنه خليفة رب العالمين ففضيحته لابد أن تكون بجلاجل كما يقال في الأمثال. و من الواضح أن الإخوان يلعبون بالجميع ويعتبرون كل من ليس إخوانيا مجرد ورقة في اللعبة السياسية فيستخدمون الورقة التي يرونها مناسبة لهم في الوقت المناسب لمصالحهم متجردين في ذلك من كل القيم والمبادئ والأخلاق التي طالما زعموا أنهم أهلها والدعاة لها غير مبالين بما يمكن أن يقال لهم وعنهم بل بلغ الغي ببعضهم أنهم يوجدون لذلك أدلة من القرآن والأحاديث النبوية واضعين كثيرا من هذه الأدلة في غير مواضعها لأنهم يعتبرون كل من ليس إخوانيا عدوا للإسلام والدين وبالتالي يطبقون علينا النصوص التي في تعامل النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه مع أعداء الدين في زمانه فيعتبرون مساجدهم المسجد النبوي بينما مساجد بقية الناس هي كمساجد الضرار إما لفظا وإما معني مع اننا من حقنا أن نعاملهم بالمثل ولن نكون مبالغين خصوصا عندما نري بعض هذه المساجد تحول إلي مراكز تحقيق أو أماكن تعذيب ولا تستغرب أن تجد في المتسلفين من يبرر لهم بعض تصرفاتهم بل ويشاركم في البعض الآخر لدرجة أننا سمعنا من يشتم المخالفين للتيار المتأسلم زاعما أن الله ذاته يشتم! تعالي الله عن قولهم علوا كبيرا. ومن الواضح أن قيادات الدعوة السلفية بدءوا يفهمون الأمور لكن بعد فوات الأوان إذ رأوا الإخوان يستحوذون علي كل المناصب والكراسي وحدهم وأنهم لا يعطونهم إلا الفتات كما يقال فبدءوا يتصرفون بطريقة مختلفة لدرجة أنه تسربت بعض الأخبار عن اتصالهم بالأمريكان والأوربييين استعدادا للانقلاب علي الحكم الإخواني أو علي أقل التقديرات أنهم سيستخدمون ذلك كأوراق ضغط في المرحلة الحاسمة القادمة والتي تأكد كل المؤشرات بأنها ليست مرحلة الإخوان ولكن كل الدلائل أيضا تؤكد أنها ليست مرحلة أي فصيل يتاجر بالدين أو يلعب بورقته فمستوي الوعي في الشارع يزداد يوما بعد يوم من جهة ومن جهة أخري فأمريكا تهمها مصالحها وأمن إسرائيل لا أن تدعم فصيلا بعينه وهي تعلم جيدا أن ذلك لا يمكن أن يتم دون رضي الشعوب أو رغما عن إرادتها وكان تأييد الأمريكان للإخوان كحكام ظنا منهم أن للإخوان من الرصيد الشعبي ما يمكنهم من تحقيق ذلك وهو ما ثبت عدمه بعد وصولهم للحكم. أصبح جليا للعيان أن من سيكتسب الثقة المفقودة في الشارع المصري هو من سيفوز في المرحلة القادمة ولذلك وجد شباب حملة تمرد هذا القبول المبدئي الذي يبشر بخير عندما نزلوا للناس في الشوارع فالناس يبحثون عمن يثقون به بعد أن فقدوا الثقة في الجميع وخصوصا بعد أن صدموا في كثير من المشاهير من السياسيين والاقتصاديين والقانونيين وأدعياء المشيخة والدين وهذا عندي وعند كثير من المتأملين هو من أعظم مكاسب المرحلة الانتقالية التي نعيشها الآن إن لم تكن أعظمها علي الإطلاق فمن تأمل الموقف جيدا عرف وفهم أن شعوبنا العربية عموما وشعبنا المصري خصوصا يعاني معاناة شديدة منذ وقت طويل وبالتالي فنحن جميعا ندفع فواتير متأخرة لتراكمات من الجهل والفقر والمرض (مثلث التخلف) ولن تعود لبلادنا ريادتها إلا بوضع نواة لمصر الحديثة رقم 2 علي منوال الخطوات الأولي لمصر الحديثة رقم 1 والتي خطا خطواتها الأولي محمد علي وكان من روادها من لهم فهم راق للدين كرفاعة رافع الطهطاوي وزملائه من العلماء النجباء في سائر في العلوم والفنون والآداب (المثلث الحضاري) وصدق نبينا الكريم لما قال (إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) وإذا كان المقال يتضح بالمثال كما يقال فلنضرب مثالا يحصل لنا جميعا في بيوتنا عندما يصيب العطب مثلا حوض الحمام أو المطبخ فتستدعي سباكا ليصلحه مرة تلو المرة حتي يصل إلي مرحلة تجده يقول لك لازم الحمام أو المطبخ «يتفور» وهو مصطلح معناه لابد من شغل علي بياض نعم لن نهدم الحمام أو المطبخ ولا الشقة أيضا فأركان البيت ومفاصله لابد أن تبقي قائمة ليبقي مسمي البيت أو الشقة أو الحمام أو المطبخ ولكن بلغ العطب مداه بحيث لا يمكن معه ما يسمي بالإصلاح أو الصيانة فلابد من كشف المستور تحت هذه المحارة لتبديل المتآكل والمنخور وهذا بالضبط هو الفرق بين الفكر الإصلاحي والفكر الثوري وللعلم معظم من يسمون أنفسهم بالإسلاميين إن لم يكونوا جميعا إصلاحيين وليسوا ثوريين ومن كان منهم مؤمنا بفكرة الثورة فلن يستمر معهم كما حصل لبعض من خرج منهم مؤخرا أو تم إخراجه. ومع كل ما سبق فليس المشهد مظلما كما يظن البعض فأولا: ربنا سبحانه موجود بتعبير إخوتنا المسيحيين وليس غائبا سبحانه بتعبيرنا نحن المسلمين بل هو بالمرصاد كما قال في كتابه الكريم (إن ربك لبالمرصاد) وكما قال (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) وهو سبحانه يمهل ولا يهمل كما يرددها المصريون وهو سبحانه له الحكمة البالغة ومن معاني كلمة الرب أنه المربي فنقول رب الأسرة وربة منزل بمعني صاحب الدار وصاحبة الدار وأيضا بمعني المربي والمربية فربنا سبحانه وتعالي وله المثل الأعلي يربينا جميعا بذاته العلية لأننا فعلا لم نحسن تربية أنفسنا ولا أولادنا حتي إن بعضنا يقول أولادنا هم الذين يربوننا ربنا يريد لهذا البلد الطيب الطيب أهلها (لدرجة السذاجة أحيانا) يريد له أن يبني علي نظافة وطهارة علي بياض كما يقال وكذلك من حكم الله الدائمة في خلقه أنه سبحانه وتعالي إذا اختلط الطيب بالخبيث فإنه سبحانه يقدر من المقادير ما به يميزالخبيث من الطيب كما قال في كتابه (ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم علي الغيب) وثانيا: أن الأمل بعد الله هو في هؤلاء الشباب الذين سخرهم الله لإشعال شرارة الثورة وجعلهم سببا في هذا التغيير الذي تعيشه بلادنا وهو مستمر ولا يزال مستمرا ولا ينبغي أن نعلق آمالنا علي لحظة فارقة وإنما ينبغي علينا أن نكون من أصحاب النظرة البعيدة والأنفاس الطويلة فهذه المرحلة طالت أو قصرت هي مرحلة انتقالية ستمر ولابد فالله وحده هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء وكل شيء سواه لا يدوم بل له أول وله آخر فكما أسست جماعة الإخوان المسلمين 1928م فسيأتي اليوم الذي تختفي في هذه الجماعة من الوجود وتصبح مجرد تاريخ كغيرها من الجماعات والتيارات والتنظيمات بل الممالك والدول فتبقي الشعوب وتزول الأنظمة الحاكمة فما دامت الأرض موجودة فالذكور والإناث موجودون والليل والنهار يتعاقبان والشعوب والقبائل موجودة كما في القرآن الكريم (هذا خلق الله ) ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )( والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلي وما خلق الذكر والانثي إن سعيكم لشتي ) أما الملك أو الحكم فهو متغير كما في القرآن الكريم ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير) فكما قيل: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك. و عليه فلا ينبغي مثلا أن نعلق آمالنا علي يوم 30 يونيو 2013م علي أنه حتما نهاية المطاف بل قد يكون كذلك (وما ذلك علي الله بعزيز) وقد يكون مجرد خطوة علي طريق التغيير الثوري وهذا هو الغالب علي الظن وعلي الشباب أن يكونوا جاهزين لكل الاحتمالات وأن يكونوا فاعلين لا مفعولا بهم وأن يكون لديهم رؤية واضحة واستعداد للتعامل مع كل ممكن أو محتمل وألا يستدرجوا لمواجهات تفوت عليهم غايتهم وأن يؤمنوا أن قوتهم الأساسية في رصيدهم الشعبي واكتسابهم ثقة الشارع المصري أنهم لا مأرب لهم ولا مكاسب سياسية تخصهم يسعون إليها وأنهم مجرد وسيلة لتغيير هذا البلد وألا يهملوا خبرة المخلصين من الأجيال السابقة ففي بلادنا خامات محترمة وقامات عظيمة استفادت منها دول العالم المختلفة وليس المطلوب في الفكر الثوري هدم البيت وتقويض أركانه وتقطيع مفاصله فهذا هدم وإفساد وليس بثورة كما إن الترقيع ليس حلا لحالتنا التي وصلنا إليها وعليهم أن يكسبوا كل من يحب مصر ويجعلها همه الأول حتي لو كان من المخطئين في الماضي ما لم يكن قد تورط في دم أو عرض فلا بد من تقديمه للمحاكمة والعدالة الانتقالية أما المخالفات المالية فقط فتنتهي برد الأموال ويكتفي بذلك وأما من كان سلبيا فقط وهم معظمنا فيكتفي بدعوتهم للتوبة الجماعية والصلح الاجتماعي العام فليس عيبا أن يخطئ الانسان أو يقصر فكلنا كذلك وإنما العيب أن يصر الإنسان علي خطئه وألا يتعلم منه لمستقبله. وأختم بما دعاني لكتابة هذا المقال حيث أراد بعض من يعرفني ويعرف اعتزازي بإسلامي وسلفيتي أن يعرف موقفي من العلاقة بين السلفيين والقصر الرئاسي وقراءتي للمشهد ففضلت الكتابة في الموضوع من منظور أشمل وأعم مما أراده طالب ذلك الطلب لأنه مشهد يهم جميع المصريين حيث إنها مصلحة السفينة بكامل ركابها إنها سفينة مصر حفظها الله من كل مكره وسوء.