"سيظلُّ الإرهاب أقوى وأسوأ أدوات التدمير على كل المستويات، بأفعاله الوحشية والإجرامية التي من شأنِها خلق أجواء من الخوف، وبث الذعر والهلع في نفوس البشر، وزعزعة الأمن والاستقرار، ومحاولة وضع العالم فوق فوهة بركانٍ من الخراب آيل للانفجارِ في أي لحظةٍ".. هكذا بدأ مرصد الأزهر تقريره الذي رصد فيه، الهجمات الإرهابية التي طالت مساجد العالم، خلال الأعوام السابقة. وذكر المرصد أنَّ استهدافَ المساجد ليس وليد اللحظة، بل إنَّه يُعَدُّ من أهم استراتيجياتِهم التي يرونَ فيها أن من يخالفُ أيديولوجياتِهم يجبُ قتلَهُ والتنكيل به ليكون عبرةً لغيره. وتناول المرصد، التسلسل الزمني التنازُلي للهجمات التي استهدفت المساجد في جميع أنحاء العالم خلال الأعوام الأربعة الأخيرة "2014: 2017"، التي تبنتها الجماعات الإرهابية، ففي مصر في 25 نوفمبر الماضي، تم استهدافُ مسجدٍ في شمال سيناء، أثناء تأديتِهم لصلاةِ الجمعة، وقُتِلَ به أكثر من 300 وأصيبَ آخرون، مشيرًا إلى أنه في الوقت الذي لم تعلن أي جهة مسئوليتها عن هذا الهجوم الدموي، فقد أوضحت النيابة العامة في بيان لها أنه: "مع بداية خطبة صلاة الجمعة في مسجد الروضة، فوجئ المصلون بمجموعة من العناصر التكفيرية، الذين يرفعون أعلام تنظيم "داعش"، حيث كانت أعدادهم تتراوح بين 25 و30 شخصًا". كندا وانتقل المرصد إلى الأحداث الإرهابية التي استهدفت مساجد كندا، قائلًا: رغْمَ اعتبارِها من أكثرِ بلدانِ الغربِ تسامُحًا وقَبولًا للآخَر، فلم تسلم من الجرائم الوحشية التي استهدفت المركز الثقافي الإسلامي بكيبك في يناير 2017، وأسفرت عن مقتل 6 وإصابة 8 آخرين، إذ قامَ رجلٌ مُسلَّحٌ، كندي الجنسية، ومعه اثنانِ آخران، بفتحِ النار على المسلمين الحاضرين بالمسجد وإسقاط هؤلاء الضحايا، حيث كان منفذ الهجوم هو الإرهابي الكسندر بيسونيت طالب في العلوم السياسية يبلغ من العمر 27 عامًا، وكان معروفًا بنزعتة القومية المتطرفة ومعاداته للأجانب، والذي تم إلقاءُ القبض عليه مع آخرين. أفغانستان كما رصد المرصد، ما حدث في أفغانسان، موضحًا أنه وقع بها حادثين بمسجدين مختلفين في عامٍ واحد 2016، أسفرَ ثانيهُما، الذي وقع في 21 أكتوبر بمسجدٍ شيعيٍّ "باقر العلوم" في كابول، وكان عبارة عن هجومٍ انتحاريٍّ، عن مقتل ما يزيد على 27 وإصابة 35 آخرين، لافتًا إلى أنه قد وقع هذا الهجوم خلال أحد الاحتفالات الدينية الكبرى، حيث تحتفل الطائفة الشيعية في هذا اليوم بالأربعين الذي يُحدد نهاية 40 يومًا من الحداد على ذكرى وفاة الإمام الحسين، وتبنى تنظيمُ داعش هذا الهجوم. وأوضح أنَ الهجومُ الأول، الذي وقع في 11 أكتوبر، أي قبل الحدث الثاني بعشرةِ أيامٍ فقط، استهدف مسجدين للشيعة في كابول أيضًا خلال احتفالات عاشوراء، حيث إنه وفقًا لآخر إحصائية رسمية، فقد أودى الهجوم الأول على مسجد "كارت ساخي" الواقع في حي الجامعة غرب العاصمة عن مقتل 14 وإصابة 36 آخرين من الذين تجمعوا للاحتفال بهذه المناسبة التي تُعَدُّ الأهمَّ في التقويم الشيعي؛ وكان تنظيم داعش قد تبني الهجوم أيضًا، أمَّا المسجدُ الثاني فهو مسجد "شاريار" في بلدة كارت شار؛ ولم ترد أي تقارير عن سقوط ضحايا في هذا الهجوم. السعودية وتطرق التقرير إلى أحداث السعودية، ذاكرًا: أنًّه في 6 أغسطس 2015، نال الإرهاب من أحدِ مساجِدِها وهو مسجدٌ للقيادة العامة للقوات الخاصة السعودية -وحدة تابعة لقوات أمن المملكة- في جنوب البلاد؛ حيث أسفر الهجوم عن مقتل 15 وإصابة ما يقرب من 10 آخرين؛ موضحًا أن هذا الهجوم الذي أودى بحياة 12 من رجال الشرطة، يُعد أحد أشد الهجمات دمويةً التي استهدفت قوات الدفاع، وفي بيانٍ لولاية الحجاز فرع تنظيم داعش أكَّدَ التنظيمُ أن الهجوم نفَّذه انتحاريٌ معروفٌ باسم أبو سنان النجدي الذي فجر حزامَهُ في المسجد الواقع في أبها في منطقة عسير. اليمن وأشار المرصد إلى أن اليمن، شهدت هي الأخرى ثلاث هجمات انتحارية، في 20 مارس 2015، استهدفت مساجد بالعاصمة "صنعاء"، التي كانت تسيطر عليها ميليشيات الحوثيين الشيعة، وأسفرت عن مقتل 142، منوهًا بأنه وفقًا لما ذكره مسئول من وزارة الصحة، فقد أصيب ما يزيد على 351، كما شوهد في موقع الحادث مجموعة من الجثث المتفحمة وبرك من الدماء، وكان تنظيم داعش قد أعلن مسئوليته عن الهجمات عبر البيان الذي نشرته على شبكة الإنترنت ووقَّعَ عليه فرع تنظيم داعش في اليمن. باكستان وحسب المرصد؛ لم تسلم باكستان من هذه الهجمات الاعتدائية، إذ إنه في 30 يناير 2015، قُتِلَ أكثرُ من 61 في هجومٍ على مسجدٍ للشيعة في مدينة شيكاربور جنوبباكستان أثناء أداء الصلاة، وأصيبَ العشراتُ؛ حيث يُعَدُّ هذا الهجوم الأكثر دموية منذ ما يزيد على عام من أعمال العنف المجتمعي التي تنخر في البلاد، وقد أعلنت جماعة جند الله -فصيل منشق عن طالبان- مسئوليتَها عن الهجوم. نيجريا لم تنجو نيجيريا من هذا الوباء، حيث ذكر المرصد, أن الإرهاب استهدفَ المسجدَ الكبيرَ ببلدة كانو بنيجيريا وقت أداء صلاة الجمعة؛ في 28 نوفمبر 2014، حيث إنه بحسب إحصاءات جهات الإغاثة، فقد لقي ما لا يقل عن 120 مصرعَهم، وأصيبَ 270، وقالت الشرطة إنَّ الهجومَ قد نفَّذه انتحاريان ومسلحان؛ كما ذكر العديدُ من شهود العيان أنَّ ثلاث هجمات انتحارية وقعت في ساحة المسجد الكبير وفي الشارع المجاور للمسجد، وبعد ذلك صرح إيمانويل أوجوكو المتحدث باسم الشرطة النيجيرية بأنَّ "مجموعة مسلحة فتحت النار حتى على أولئك الذين يحاولون الفرار"، وأضاف أنَّه قد قامت الحشودُ الغاضبةُ بقتل أربعة من الإرهابيين، بينما تمكن الآخرون من الفرار. العراق وأضاف المرصد: بدأت هذه السلسة من الاعتداءات الإرهابية على المساجد في 22 أغسطس 2014، عندما قُتِلَ 70 في هجومٍ على مسجدٍ للسُّنةِ "مصعب بن عمير" في العراق؛ وبحسب ما أفاده ضباط وأطباء عراقيون، هاجم عناصر من المليشيات الشيعية، مسجد للسنة في شمال شرقي العاصمة بغداد، ما أسفر عن مقتل 70 على الأقل وإصابةِ 20؛ حيث ذكر ضباط بالجيش والشرطة أنَّ الهجوم على هذا المسجد قد وقع بعد مقتلِ مجموعة من المليشيات الشيعية في اشتباكات وقعت في نفس المنطقة، في حين ذكرت مصادر أخرى أن قنبلة قد استهدفت دورياتهم. وأوضح المرصد أنَّ استهداف دور العبادة التابعة لمختلف الأديان، قد أصبحَ استراتيجيةً واضحة للتنظيمات الإرهابية منذ أعوام، وهذا يعني أنَّ الإرهابَ ليس له دين ولا يعرف الحقَّ، قائلًا: لا يخفى على أحدٍ أنَّ الإرهاب له أهدافٌ كثيرة منها ما هو سياسي وأيديولوجي، وهو أولًا وأخيرًا استهداف متعمد للآمنين أو تجاهل لسلامةِ المواطنين، وهذا الطاعون لا يُفَرِّق بين أتباعِ الديانات المختلفة، فأصبح ضحاياهُ كُثُر من المسيحيين وبات الضحايا المسلمون لهم نصيب الأسد من الاعتداءات الإرهابية التي تنهشُ في لحمِ العالم، وتنخرُ في عظامِه بُغيةَ تركِهِ جثةً هامدةً لا تقدرُ على شيء. وأشار إلى أنَّ هذا الوباء يعود إلى ثقافة الإنسان المتمثلة في الهيمنة على الأمور بأي وسيلةٍ كانت، حتى وإن تعارضَ هذا مع الأعراف والمفاهيم الاجتماعية الثابتة، هذا العمل المَهينُ المُشين، الذي تقوم به أو تتبناهُ بعض الجماعات لا تعرفه الأديان ولا تُقِرُّهُ الأعراف؛ لذلك أصبح إحداثُ الهَرَج والمَرَج منهجا لهذه الجماعاتِ الإرهابية التي لم يَطُل أذاها البشر فحسب بل طالَ كلَّ شيء، لافتًا إلى أنَّ التطرفَ الفكري وعدمَ استطاعةَ مَنْ تبنوه مِنْ بثهِ في العقول هو السبيلُ الأهم والأخطر الذي يقودُ للإرهاب. وأضاف: لا تزال الجماعات الإرهابية تلك ماضيةً في غَيِّها، لا تسيء بما ترتكبه من جرائم ومن آثام إلى نفسها فحسب، بل تسيء إلى دين من أرقى الأديان السماوية، دين يدعو إلى التسامح والإخاء والتعاون والسلام، فقد قامت هذه الجماعات، بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية التي تَبْرأُ إلى الله سبحانه وتعالى من فِعالِهِم، بترويع الآمنين، ومحاربة المسالمين، فرمَّلوا الزوجات، ويتَّموا الأطفال، فكم خرَّبوا من عامر وكم نقضوا من قائم. وتابع: لم يقتصر الأمر على المخالفين لهم في العقيدة من المسيحين واليهود، بل قاتلوا حتى المسلمين، فجعلوا منهم أكثر ضحايا أعمالِهِم الوحشية ومجازرهِم التي هي بمنأى عن الرحمةِ والصبغةِ الإنسانية، فدمَّروا عليهم بيتَهم، وبوَّروا لهم أرضَهم. ولقد وصل التمادي بهذه الجماعات الإرهابية أن كان من آخر مآسيها، بعد استهدافِ الكنائس، قتل الرُّكع السجود في بيوت الله؛ لا يردعهم في ذلك رادع من إنسانية أو أخلاق أو دين.